الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حوار من ذكريات الإذاعة نجيب محفوظ: لو كتبت سيناريوهات أعمالى السينمائية لفشلت




للراحل نجيب محفوظ بساطة وسلاسة فى حديثه تجعل الغرباء يشعرون بحميمية شديدة بمجرد بدء أولى كلماته معهم، وكانت تلقائيته وبساطة معيشته هى عنوان حياته، أما إبداعه فكان ولايزال رمزا للأدب الذى يعالج قضايا وهموم، ويثير آراء واتجاهات تختلف كيفما تشاء، ولكنها تتناول أجيالاً مختلفة بنفس القضايا والهموم التى تختلف زواياها وتفاصيلها باختلاف العصر، ومن أرشيف إذاعة «صوت أمريكا» نقدم لكم حوارًا نادرًا للكاتب المبدع نجيب محفوظ، أجراه معه الإذاعى حسن شمس الدين:

■ إرسم لنا صورة للحى الذى نشأت فيه؟

- ولدت سنة 1911 فى منزل رقم 8 بميدان بيت القاضى بحى الجمالية، وهذا الحى لا تزال معالمه موجودة حتى الآن، حيث المطافئ، والبيوت الصغيرة ذات طابع المشربيات القديم التى هدم معظمها لتحل محله العمارات الحديثة.

■ اكيف تتذكر ملامح نشأة الطفولة التى شكلت ملامحك الأولى؟

- إلى جانب زملائى من الأطفال، توجد صور فى الذاكرة لفتوات المنطقة الذين كنت أراهم فى زفات العرائس و«عركات» الحارة من نافذة بيتنا، وأذكر المرأة البسيطة بملاءتها السوداء اللف الشهيرة، وكذلك أذكر سيدات الطبقة الوسطى وسيدات الأعيان ممن تركبن الحناطير والعربات.

كما أتذكر مشاهد المظاهرات ضد الإنجليز من قبل طلبة الأزهر، الذين كنت أعتلى سطح منزلنا خصيصا لأراهم حيث لم يكن يتعد عمرى حينها الست سنوات.

أعتقد أن أكثر من أثّر فى هى فئة الفتوات، ومن أهم الأسباب التى جعلتنى أتعلق بهم أفلام رعاة البقر الأمريكية، التى كنت على علاقة حميمة بها، كما أغرمت بتأمل شخصيات مجاذيب الحسين والدراويش، لذلك ظهروا كثيرا فى أعمالي، بجانب شخصيات شيخ الحارة والمجذوب الذين امتلأت بهم المناطق الشعبية الكبيرة حول منطقة الجمالية، إلى جانب الرجل الشعبى صاحب الحرفة.

■ ارغم كون الحارة ومفرداتها منبعك الأول .. هل توجد إلى جانبها قراءات تشكلت منها ملامح شخصيتك؟

- لا شك أننا جميعا تأثرنا بالمنفلوطي، خصوصا فى رائعته ماجدولين، وفيما أسميناه عصر الاستنارة تعلقنا بشدة بكتابات العقاد والمازنى وطه حسين وهيكل وسلامة موسى، وتحديدا سلامة موسى لكونه واحدًا من أكبر الداعين لنمط الحياة العصرية فى الصناعة والعلم والعدالة الاجتماعية والمروجين له.

■ الماذا بدأت إبداعك الروائى بقصة مستوحاة من الأدب الفرعوني؟

- كنا جميعا ككتاب شباب –آنذاك- مفتونين بالعصر الفرعونى والحضارة الفرعونية، خاصة بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، فخطر لى أن أكتب سلسة من الروايات عن تاريخ مصر، ولكن بعد فترة من التفكير لاحظت أن هذه النوعية من الروايات ليست من النوع الذى ينقلك للتاريخ بقدر ما ينقل التاريخ لك، إنه مجرد إسقاط على الواقع الذى نعيشه.

■ احدثنا عن علاقتك بالفنون الأخرى

- ما لا يعرفه الكثيرون هو أنه توجد فى حى الحسين سينما من أقدم دور السينما فى مصر، هى دار سينما الكلوب المصري، دخلتها تقريبا وأنا فى سن الخامسة، وربما أقل، كانت تعرض أفلام رعاة البقر التى كنت أعشقها، وتختم بأفلام كوميدية أمريكية كأفلام شارلى شابلن، وكنت دائما أتمنى أن أنام وأنا فى السينما.

■ امن فى رأيك رائد الرواية المصرية؟

- من الناحية التاريخية، الرواية المصرية لها آباء كثيرون، لكننا نذكر منهم العقاد وهيكل وطه حسين، إلى أن جاء توفيق الحكيم وبدأ عهدًا جديدًا للرواية، كما حدث فى المسرح، وقد تأثر بكتاباته جدًا.

■ اما طبيعة علاقتك بالموسيقى والغناء؟

- العقاد أعطانا فكرة عن تعاون الفنون أو تشابهها، وعلمنا أن التخصص فى فن يحتاج للإلمام بجميع الفنون، فهو قد كتب عن الفن التشكيلى العالمى والموسيقى، فكان طموحنا أن ندرس ونتعلم شيئا عن كل شيء، وأنا شخصيا أغرمت بالفن التشكيلي، وكنت أحضر محاضرات ودروسًا للفن التشكيلي، فحضرت معارضه السنوية فى مصر، التى كانت تقام فى بيت مشهور فى شارع إبراهيم باشا، وكان الجميع من رواد هذا الفن يحضرون معارضه، من أمثال صلاح ناشد وناجى ومحمود سعيد وغيرهم، وعن طريق الكتب عرفت الفرق بين الفن الفرعونى والإغريقى وفن العصور الوسطى والفن الحديث، ولدى مراجع كبيرة فى الفن التجريدى والسيريالي، ومن ناحية أخرى فأنا عاشق للموسيقى الشرقى بكل أنواعها، فسمعت الكلاسيكى القديم وعبد الوهاب وأم كلثوم، ورغبت أن أدرس الموسيقى العالمية، فاعتمدت على أدوات وكتب وبرامج، كبرنامج حسين فوزى الذى أمدنى بالعديد من المعلومات، وأعتقد أننى نجحت بشكل من الأشكال فى ذلك، لكنها فى الحقيقة، تحتاج لدراسة متوغلة أكثر من ذلك بكثير.

■ اماذا عن أول فيلم كتبته كسيناريو

- سيناريو فيلم «زواج عنتر وعبلة» هو أول تجربة لكتابة السيناريو أقوم بها، وبالطبع لم يكن من تأليفي، ذلك لأن المنتجين لم يفضلوا الروايات المصرية، فكانوا يلجأون للفيلم الأجنبى ويقتبسونه دون المغامرة بخوض تجربة جديدة، فتكون عملية استيحاء من نموذج حى أثبت نجاحه بالفعل.

■ اماذا عن أهم ذكرياتك مع الثلاثية؟

- الثلاثية أخذت منى خمس سنوات فى كتابتها، لأنى كنت موظفًا ومرت عليّ فترات انقطاع فى كتابتها، ولازلت أذكر شخصيات سينمائية هى أقرب ما تكون لشخصياتى المكتوبة، مثل شخصية السيد أحمد عبد الجواد التى أراها بالفعل فى يحيى شاهين، وأمينة التى أراها فى الراحلة آمال زايد.

وعندما خرجت الثلاثية من عالم الكتابة إلى عالم السينما، أصبحت من تأليفى وتأليف حسن إمام، وهو يحب الجوانب المشرقة فى الرواية، وهذا هو ما أظهر الثلاثية بشكل أفضل فأحبها الناس بشكل كبير على ذلك النحو.

■ اعلى ذكر الأفلام، كيف لم تكتب سيناريوهات أعمالك بنفسك؟

- هذا ليس بالشيء الغريب، لأن عندما يكتب لى أحد سيناريو عمل من أعمالي، يكون بعيدا عن سطوة الأحداث و الشخصيات عليه، و التى تستولى دائما على من كتبها، لذلك أغلب رواياتى التى  تحولت لأفلام كتبها آخرون ممن يفكرون تفكيرا سينمائيا حرا، ولو كنت أنا من كتبها فستكون سيناريوهات فاسدة، طُلب منى أن أكتب للسينما قصة سيناريو، فكتبت ريا وسكينة ودرب المهابيل، فكانت قصصا سينمائية.