الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«إبراهيم الجريفانى» يسأل الذات والمجتمع والتاريخ فى «ناسوت العشق»

«إبراهيم الجريفانى» يسأل الذات والمجتمع والتاريخ فى «ناسوت العشق»
«إبراهيم الجريفانى» يسأل الذات والمجتمع والتاريخ فى «ناسوت العشق»




كتب - خالد بيومى


وقع الشاعر السعودى إبراهيم الجريفانى ديوانه الجديد «ناسوت العشق» مؤخرا فى القاهرة، والديوان صرخة فى وجه القبح فى هذا العالم، والشاعر متمسك بالحلم للتعالى على عبثية هذا العالم ولا معقوليته.. وحساسية الشاعر فى الديوان لا يمكنها الانفصال عن الحلم؛ لكونه لا يكتفى باستيطان عمقها، بل ويعطيها مدى أبعد بفضل رحابة المعجم اللغوى فى القصائد: «أغار حرية النجوم/ تدور فى فلك السماء/ نواميس فى مجرات.. أعود لعالمي/ طقوس وأعراف/ لم تنزل بها الأديان».
كما استخدم كلمة الليل المشحونة بدلالتها الدهرية المفارقة، وذلك عندما تحط الحياة من شأن النابغين والفضلاء وتنزل بهم إلى الحضيض، وتعلى فى المقابل من قدر المنحطين والوصوليين: «حلم/ راعه ليل مدلهم/ توجس منه خيفة/ بحث قبسا من تراب/ يعيد قشعريرة الوعى، فالليل المدلهم تجسد دلالات الخواء والعدمية والسديمية، وحيث تهيم الذات على وجهها تخبط خبطًا عشواء فى عالم عصى على التعيين والتحدد.
والشاعر إبراهيم الجريفانى أنيق فى لغته وصوره، أنيق فى سمته وجوهره، أنيق فى مشاعره وعواطفه الإنسانية الرحبة، أنيق فى خطه الجميل وحروفه المنمنمة، أنيق فى جدلية شعره وتفاعل قصيدته مع التيارات الشعرية التى تعاقبت على حياتنا الأدبية، وظل الجوهر الرومانسى فيه مضيئا ومعانقا لوعيه الواقعى بالحياة والمجتمع والإنسان وظل ينفخ فى نايه وهو يردد «تحدونا/ رغبة الحياة/ عيش بين أرواح تحتوينا/البعض منها/ شمعة تضىء/ الأيام المعتمة/ ناثر للفرح ولو من بعد/ ليتنا.. نعى معنى العطاء/ لو اتحدنا من ضوء واحد/ لننشر نورانية الروح».
هذا شاعر يتوهج بالإنسانية، ويدعو الآخرين إلى أن يرتووا من سُقيا روحه ويشربوا من كفيه رحيق الحياة، وكأنه يقتطع من نفسه ومن قوت يومه لغيره، فى تواضع جم وإيثار نبيل: «طويت أرصفة الفقد/ طمرت طرق اللانهاية/ أعدت إحياء زهور ذابلة/ كتبت من ناصية الخمار/ الأرواح لا تعرف الموت/ والحياة لا تأوى الموتى».
والنفس الدرامى فى شعر إبراهيم الجريفانى، له حضوره وسيطرته وجدليته المتوترة، الأمر الذى سكب على العديد من قصائده حرارة المشاهد المسرحية، وانفساح المدى لصراع الفكرة والفكرة، والاحتكام إلى العقل، والتشبث بما يشبه اليقين، وهو يكتب كلماته متحرراً من صراع اللحظة، التى سكنته وأصبحت بعض ملامحه وسماته الهادئة، ورغم ذلك يرى أن هذا العالم فقد رشده وصوابه فيقول: «نهر.. يتدفق رملا/ يتناثر حجارة/ ظامئ/ يتجرع غصة/ أشلاء .. إنسان عابر/ أبكم .. يدلى  بشهادته/ أصم .. يصادق أقواله/ كفيف / يعيد تمثيل المشهد/ أيها العالم ما ضميرك؟!» .
إن شعرية إبراهيم الجريفانى فى هذا الديوان تطرح مساءلة الذات، ومساءلة المجتمع والتاريخ والواقع، وتلك التحولات الكبرى التى أحدثتها تجارب الواقع فى عصرنا.. ويحفل شعر الجريفانى بالتعايش الذكى بين هاجس العقلانية وهاجس الإيهام إن شئنا، ونجح إبراهيم الجريفانى فى تفكيك الواقع وإعادة تركيبه.