الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«العرش والشعب»




لقد انقذت الخطوات الإصلاحية التى قام بها العاهل المغربى الملك محمد السادس المغرب من الاضطراب وعدم الاستقرار الذين يعانى منهما العديد من بلدان المنطقة مع ثورات الربيع العربي. وهو الأمر الذى يثير تساؤلا لدى العديد من الباحثين والمهتمين بالمنطقة عامة والمغرب خاصة حول ما إذا كان المواطنون المغاربة يعتقدون أن عملية الإصلاح الجارية من شأنها السماح باستمرار هذا الاستقرار، أو ما إذا كانوا يعتقدون أن عملية الإصلاح قد توقفت، فيختارون أخذ زمام الأمور بأيديهم. فعلى الرغم من إحراز بعض التقدم، لا تزال السلطة فى نهاية المطاف بيد الملك.
 
وفى هذا السياق، كتب الباحث الأمريكى «جيمس تراوب» مقالا نشره مركز أبحاث مجلة فورين بوليسى اشار فيه إلى أن المغرب يمضى فى طريق ثالث بين الديمقراطية والاستبداد. مضيفا أن المغرب لم يشرع فى اتخاذ إصلاحات محدودة، ولم يواجه كذلك ثورة من قبل المواطنين الغاضبين ضد النظام. فقد اختار المغرب بالأحرى مسارا بديلا يقوم على شراكة حقيقية بين الملك وحزب العدالة والتنمية الإسلامي، من شأنه أن يحقق إصلاحا أشمل مما كان سيمنحه القصر وحده.
 
الخصوصية المغربية
 
يقول الكاتب فى مقالته إن المغاربة يحترمون الملكية كمؤسسة دينية، ويترقبون أن يسعى العاهل المغربى الملك محمد السادس بكل ما أوتى من قوة لقيادة البلد، وأن يكون حكما عادلا بين القبائل والفئات والمناطق المغربية. ومن جانبه لا يرغب الملك إلا فى حكم البلد بطريقة غير سلطوية، لذا وافق العام الماضى على إصدار دستور جديد يحد من سلطاته بشكل كبير.
 
 كما يشير إلى أن المغرب ليست مثل مصر أو تونس أو ليبيا أو غيرها من البلدان التى انقلبت رأسا على عقب بسبب الربيع العربي. فكما قال مصطفى الخلفي، وزير الاتصالات والناطق باسم الحكومة المغربية: «شرع المغرب فى اتباع طريق ثالث يجمع بين الإصلاح والاستقرار».
 
 ومما يجدر ذكره أنه فى البلدان العربية الأخرى التى عصفت بها رياح الربيع العربي، جرى الاستحواذ على السلطة إما بعد اضطرابات عنيفة، أو بعد قمع الحاكم المعارضة الشعبية حفاظا على منصبه. فنادرا ما يتنازل الحكام ذوو السلطة المطلقة، سواء فى الشرق الأوسط أو فى أى مكان آخر، عن سلطتهم بدون قتال. ومن ثم يرى الباحث أن «الطريق الثالث» الذى يتبعه المغرب من شأنه أن يشكل نموذجا نادرا من «الدمقرطة» التدريجية، حال كان مجديا بالتأكيد.
 
وعندما اندلعت الانتفاضات فى العالم العربى خلال عام 2011، انكب العاهل المغربى الملك محمد السادس بسرعة على تطبيق عملية إصلاح سياسي، فى محاولة لتجنب الاحتجاجات قبل أن تجتاح نظامه. وفى غضون أسابيع، شكل الملك لجنة لصياغة دستور جديد، سرعان ما تمت الموافقة عليه فى استفتاء شعبى بعد ثلاثة أشهر. وبحلول شهر أكتوبر، أجريت انتخابات برلمانية جديدة فاز فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامى بأغلبية المقاعد، وعندها لم يتردد الملك فى تسمية الأمين العام للحزب «عبد الإله بنكيران» رئيسا للوزراء.
 
ومع ذلك، ما زال من غير الواضح ما إذا كان الملك ومساعدوه فى القصر الملكى سيسمحون بنجاح الحكومة الجديدة، أو ما إذا كان إسلاميو حزب العدالة والتنمية الحاكم يعدون العدة لتحدى صلاحيات الملكية الراسخة؟
 
 تواضع الملك
 
فى التاسع من مارس 2011، ألقى الملك محمد السادس خطابا متلفزا للشعب المغربي، ولم يكن ذلك غريبا لأن المغاربة اعتادوا رؤية ملكهم على شاشة التلفاز فى نشرات الأخبار كل مساء تقريبا، فهو إما يفتتح مستشفى ولادة جديد، أو مسجدا، أو مطلقا مبادرة لمكافحة الفقر. ودائما ما يرى الشعب المغربى ملكه متواضعا وقويا ونشيطا.
ويقول الكاتب إنه فى أعقاب الاحتجاجات التى اندلعت فى المدن الرئيسية المغربية؛ تعهد الملك بـوضع «ميثاق جديد يربط بين العرش والشعب». ومن شأن الدستور الجديد المقترح أن يضمن «سيادة القانون»، واستقلال القضاء، وتعزيز دور رئيس الوزراء. ومن شأنه أيضا أن يحد بشكل كبير من سلطة الملك، وأن يعزز سلطة الحكومة المنتخبة. وينقل الباحث عن «نور الدين عيوش» وهو رجل أعمال عمل مع الملك على مجموعة متنوعة من المشاريع الخيرية، قوله عن محمد السادس: «إنه شخص لا يصدر منه عيب.. وهو يتحدث للفقراء بتلقائية، ولا يهتم بالسياسة بقدر ما يهتم بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية».
 
بعد نجاح الثورة المصرية فى الإطاحة بنظام مبارك؛ نظم شباب المغرب مظاهرات فى عشرات المدن والبلدان فى 20 فبراير 2011، وحشد الإسلاميون عشرات الآلاف من أنصارهم فى الشوارع. فوفقا للبنك الدولي، كانت البطالة متوطنة بين الشباب، فبلغت نسبتها ما يقرب من 90% فى صفوف الشابات، و40% فى صفوف الشبان.
 
 ولم يواجه الملك محمد السادس تلك الاحتجاجات بالقمع والعنف مثلما حدث فى تونس ومصر وليبيا، بل أعطى المسئولين الأمنيين أوامر بإفساح المجال أمام التظاهرات. وألقى الملك خطابا تعهد فيه بإجراء المزيد من الإصلاحات التى من شأنها استرضاء جميع فئات الشعب.
 
 وصدر الدستور الجديد فى 17 يونيو، وأجرى استفتاءٌ على التعديلات الدستورية أيد فيه 98.5% من الناخبين المغاربة التعديلات التى اقترحها العاهل المغربى لتهدئة المحتجين، وبلغت نسبة المشاركة فى الاستفتاء 72%، ما مثل تصويتا بالثقة على العاهل المغربي.
 
وفى الوقت الذى انتقد فيه العديد من الخبراء الدستوريين الدستور المغربى الجديد؛ حظى محمد السادس بدعم محلى وغربي. ومن جهتها، أشادت وزيرة الخارجية الأمريكية «هيلارى كلينتون» بالإصلاحات التى اضطلع بها الملك محمد السادس.
 
 ومن ثم يمكن القول إن الملك أجرى الإصلاح المنشود ولكن بطريقة لا تضعف قبضته، مما حال دون سقوط المغرب فى الاضطرابات الذى عصفت بأنظمة عربية فى تونس، ومصر، وليبيا، واليمن.
 
 إصلاحات محمد السادس
 
 وعن جملة الإصلاحات التى اتخذها العاهل المغربى أشارت المقالة إلى أنه فى عام 2003، أصدر قانون الأسرة الجديد (الذى يجمع بين الأصالة المغربية والمرجعية الإسلامية والانفتاح على قيم الحداثة)، وكفل للمرأة المزيد من الحقوق. وفى عام 2004، أسس محمد السادس هيئة الإنصاف والمصالحة بوصفها أداة فعالة للبحث عن الحقيقة فى ملفات انتهاكات حقوق الإنسان، وانصاف الضحايا من خلال جبر الضرر، ورد الاعتبار لهم.
 
وأشرف الملك على إدخال تحسينات فى مجالى محو الأمية والرعاية الصحية، وعمل على تعزيز صورة بلده كمكان مناسب لممارسة الأعمال التجارية، فضلا عن حرصه على النهوض بالبلد اقتصاديا.
 
 وعلاوة على ذلك، عمل العاهل المغربى على وضع دستور مغربى جديد يكرس التلاحم بين مكونات الهوية المغربية، ويعزز مبادئ الحرية، ويحترم كافة حقوق الإنسان، ويعزز صلاحيات البرلمان فى التشريع، ويراقب عمل الحكومة، ويعزز استقلال القضاء.
 
 مشاكل تثير الاضطرابات
 
 لا تبدو آفاق المغرب الاقتصادية جيدة؛ فالركود الأوروبى أضعف سوق التصدير المغربية الرئيسية، وهدد السياحة والتحويلات المالية من الخارج، اللتين تعتبران مصدرين رئيسيين للعملات الأجنبية. وفيما يتعلق بسوق العمل، ارتفعت أعداد العاطلين عن العمل فى المغرب مع عودة المهاجرين من المغاربة -ولا سيما أولئك الذين نزحوا إلى إسبانيا وإيطاليا- إلى وطنهم فى الفترة الأخيرة.
 
 ويذكر أن الجفاف فى العام الماضى دفع الحكومة المغربية إلى زيادة الدعم على الغذاء والوقود إلى 5.74 مليارات دولار، أى ما يعادل تقريبا المبلغ الذى تنفقه الدولة على الاستثمارات العامة. ومن المتوقع أن ينخفض محصول القمح هذا العام بنسبة 40%، مما سيصعد الضغط على الميزانية. وتعانى المغرب من نفس المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية التى كانت السبب الرئيسى لاحتجاجات شعبية فى عدد من دول المنطقة. ومع ذلك؛ ما زال أنصار الملك يعتقدون أن احتجاجات 20 فبراير التى اندلعت فى المغرب ليست بالشيء الجلل؛ لأن الشعب أراد الإصلاح والملك لبى طلبهم.
 
ويرى الباحث أن محمد السادس لم يدرك أن كل ما أراده الناس الذين خرجوا إلى الشوارع هو وظائف، وحياة أفضل، ومكافحة الفساد، وليس مجرد إجراء تعديلات دستورية وإصلاحات سياسية. مضيفا أن حكومة بنكيران لن تتمكن من تحقيق تلك المطالب.
 
 وفى هذا الصدد، ينقل تراوب عن نضال سالم، وهو ناشط من الشباب الذين لعبوا دورا قياديا فى مظاهرات 20 فبراير، قوله: «يثق الشعب فى بنكيران. لكن بمجرد ألا يجدوا تغييرا ملموسا، ستتجدد الاحتجاجات».
 
 جدلية التعديلات الدستورية
 
 يمنح الدستور الجديد الملك السلطة فى كافة المسائل ذات الأهمية الاستراتيجية، مما يجعله هو المحدد لماهية المسائل التى تعتبر إستراتيجية. ويضيف الباحث فى هذا الشأن أن الملك يحيط به مستشارون من ذوى الدهاء السياسى والخبرة الذين تعودوا على ممارسة السلطة، فى حين لا يزال حزب العدالة والتنمية يتعلم أصول الحكم.
 
 وبموجب النظام الجديد، يستطيع مجلس الوزراء أن يجتمع بقيادة رئيس الوزراء، وأن يتوصل إلى قرارات بشأن أى قضية لا تتعلق بالأمن أو المسائل الاستراتيجية التى تظل من صلاحيات الملك.
 
 وعلى الرغم من وجود مستوى رسمى من الاستقلالية الممنوحة للحكومة، لا يزال حزب العدالة والتنمية يتشاور مع القصر على ما يبدو حتى بشأن التعيينات التى يحق لرئيس الوزراء القيام بها. ويعزى ذلك جزئيا إلى أن حزب العدالة والتنمية لا يملك شبكات خاصة من الخبرة والاتصالات التى من شأنها السماح له بالقيام بخيارات مستقلة، كما يعزى ذلك أيضا فى جزء منه إلى عدم رغبة الحزب فى خوض مواجهة مع الملك.
 
 وينقل الباحث عن كريم التازى قوله: «الملك ورئيس الوزراء ليسا منشغلين فى الوقت الراهن إلا بالتسابق للانفراد بالحكم». ومن ثم يرى تراوب أن الإصلاح الدستورى لن يكون كافيا فى حد ذاته؛ فلا يمكن أن ينعم المغرب بالديمقراطية فى ظل هذا الصراع الدائر حول الحكم. وكما قال الأمير هشام العلوي، ابن عم محمد السادس: «يمكنك أن تجد بلدا يحكمه الاحترام والرهبة، أو بلدا يحكمه المواطنون، ولكن ليس هناك طريق ثالث بين هذا وذاك».