الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ميسرة صلاح الدين: أتعامل فى الترجمة بروح الشريك والباحث المدقق

ميسرة صلاح الدين: أتعامل فى الترجمة بروح الشريك والباحث المدقق
ميسرة صلاح الدين: أتعامل فى الترجمة بروح الشريك والباحث المدقق




حاوره - إسلام أنور

ميسرة صلاح الدين شاعر ومترجم مصرى من مواليد الإسكندرية صدر له عدة دواوين شعرية بالعامية المصرية منها «شباك خجل، وأنا قلبى مش فارس، الأسد الحلو، وحرب الردة».
وصدر حديثًا ترجمته لكتاب «الجبل العميق.. رؤية إنسانية معاصرة للمسألة الأرمينية» للكاتبة التركية «اجى تملكران»، والكتاب يجمع بين التحقيق الصحفى والكتابة الأدبية، عبر تدوين مجموعة من الشهادات لمواطنين أرمن يقيمو فى أربع دول مختلفة بدءًا من أرمينيا، وبعدها فرنسا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا.
وبدأ الكتاب كسلسلة من المقالات كتبتها «اجى تملكران» عام 2006 فى ظل توتر العلاقات بين تركيا وأرمينيا، وبالتزامن مع مناقشة البرلمان الفرنسى لقانون «تجريم الإبادة الجماعية للأرمن»، ولكن عقب اغتيال الصحفى والناشط التركى الأرمنى «هرانت دينك» تطور الأمر ليصبح كتابًا بعنوان «الجبل العميق»، يجمع مجموعة من الشهادات والرؤى المعاصرة حول القضية الأرمينية فى كل من أرمينيا وفرنسا وأمريكا بل وحتى تركيا حاملة رؤية شاملة للقضية الأرمنية وذلك من زاوية إنسانية.
حول هذه تجربته مع الترجمة والشعر والمسرح حاورنا ميسرة صلاح الدين وإلى نص الحوار.

■ معظم الشعراء عندما يتجهون للترجمة تكون خياراتهم الأولى فى الغالب مرتبطة بالشعر أو الأدب لكنك اخترت أن يكون أول أعمالك المترجمة هو كتاب يجمع ما بين البحث والتحليل الاجتماعى والسياسى والتحقيق الصحفى كيف جاء هذا الاختيار؟
- عندما عرض على الناشر محمد البعلى ترجمة «الجبل العميق» للمؤلفة التركية «ايجى تملكران» كنت متحمسا للتجربة ولم أكن على نفس درجة الحماس للكتاب، ولكنى فضلت أن أطلع على الكتاب لأقرر بشكل صحيح ماذا سأفعل، وبالفعل ما إن بدأت فى قراءة الكتاب حتى وجدتنى فى عالم ساحر من التفاصيل التى تنقلها الكاتبة ببراعة شديدة لتحول العمل البحثى السياسى لعمل أدبى متكامل الأركان وفى إطار روائى يعتمد على الحكى والمشاعر الإنسانية والأفكار الجياشة، يرويها أناس تورط أجدادهم بشكل أو بأخر فى مذبحة الأرمن على يد الجيش العثمانى 1915 أثناء الحرب العالمية الأولى، سواء من الأتراك أنفسهم أو الارمن أو المهتمين والمنتفعين بالقضية بوجه عام، ولا أنكر طبعا أن ولعى بالتاريخ والتراث الإنسانى ساهم بشكل كبير فى قرارى بقبول الترجمة والخوض فى التجربة بكل ما أوتيت من قوة، وخاصة أن العديد من الشخصيات التى ورد ذكرها هى شخصيات حديثة ومعاصرة قد أطلقت لمشاعرها العنان وفتحت مساحات جديدة للبوح حول حياتهم وأنفسهم وعلاقتهم بالواقع المعاش فى ضوء رؤيتهم وتفسيرهم لأحداث تاريخية، ألقت بظلالها عليهم وتركت أثرا فى حياتهم.
■ تكتب الشعر والمسرح وتترجم ما الذى وجدته فى كل منهم ولم تجده فى الآخر؟
- كانت بداياتى مع المسرح فى النصف الأول من عام 2011 وتحديدا عندما تكون بداخلى إدراك ووعى مختلف حول المجتمع الذى أعيش فيه وقضاياه وطبقاته والقوى الفاعلة التى تشكل دعائمه، وفى تلك الفترة بدأت أشعر أن بداخلى رغبة جارفة بأن أعبر عن الصراع الدرامى الذى يدور حولى فى كل مكان وعلى لسان شخصياته ووجهات نظهرهم اتفقت أو اختلفت معها، ورأيت فى نفس الوقت أن العديد من الشعراء المجددين قد وقعوا فى فخ المباشرة والخطابية والحماس الثورى على حساب مشاريعهم الإبداعية المتميزة فشعرت بالفزع والرهبة الشديدة.
ولكن فرض المسرح الشعرى نفسه على اللحظة الراهنة وكان الاختيار المثالى بالنسبة لى وكانت مسرحية «الورد البلدى» مسرحيتى الشعرية الأولى والمسرحية الشعرية الأولى على الإطلاق التى تؤرخ لثورة يناير المجيدة وبدأت علاقتى بالمسرح تتوطد تدريجيا.
أما بالنسبة للترجمة فقد ترجمت أيضا بخلاف «الجبل العميق» مجموعة من القصص العالمية للأطفال وهى ما زالت قيد النشر، وللترجمة عالم آخر وبريق مختلف يدفعنى للتعمق فى منتج ثقافى مغاير، ليس بروح القارئ أو حتى الناقد ولكن بروح الشريك والباحث المدقق مما يخلق بعدا وعمقا ثقافيا مختلفا فى اختياراتى وتناولى للفن والأدب.
■ كتبت بعض الأغانى لفرق مستقلة برأيك ما أبرز الاختلافات بين الشعر الغنائى والشعر بشكل عام؟
- الشعر هو الشعر حتى ولو اختلف المسمى «عمودى، تفعيلى، نثرى، غنائى» بالطبع السمات العامة للقصيدة تختلف حسب المعطيات والآليات التى تعتمد عليها فى اختيارك ولكن الجوهر لا يتغير، وبالنسبة للشعر الغنائى وأغانى الفرق المستقلة فلها طابع مختلف، فهى تميل لسرعة الإيقاع وبساطة الكلمات وأن كانت عميقة الأفكار جادة المعانى وهو ما يطلب مهارة خاصة وقدرة عالية على تطويع النص وترويض المفردات، وكذلك التفاعل مع الفرق المستقلة هو تفاعل ذو طبيعة خاصة، وذلك فى سبيل التلاقى فى مساحة مشتركة تحقق التوازن بين النص واللحن والأداء وخصوصا أن الكثيرين يهتمون بشكل كبير بتفاصيل العمل الأخرى على حساب الفكرة والمضمون وهذا ما يقيد الشاعر ويصعب مهمته.
■ بعض الكتاب يفضلون التركيز والتخصص فى نوع أدبى محدد كى ينجزوا ويركموا مشروعًا واضحًا ومحددًا كيف تتعامل مع مثل هذه الفكرة؟
- أعتقد أننى أتعامل مع تلك الفكرة من نفس المنطلق تقريبا. ولكنى أختلف فى رؤيتى للأعمال القليلة التى قدمتها حتى الآن فالارتباط الوثيق بين المسرح والشعر لا يمكن تجاهله وخاصة أن أعمال المسرحية هى أعمال شعرية «الورد البلدى، بنادورا» أو غنائية «ترام الرمل، أحوال شخصية، الصندوق الأسود» ومشروعى الآخر «زجلوتير» قائم فى الأساس على دمج الزجل بالكاريكاتير للتعبير عن شخصيات أثرت شكل بارز فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر. ليبدو الأمر كتنويعات مختلفة على نفس اللحن السائد، أو كأدوات مختلفة يجب استخدامها جميعا لتشييد بناء واحد وهو الشعر.
■ فى دواوينك هناك حضور بارز لتفاصيل الحياة الصغيرة التى نمر عليها دون أن نلتفت لها لكن تتوقف طويلا أمامها وترى داخلها صورًا وأفكارًا مختلفة ما سر الشغف بتلك التفاصيل التى تبدو معتادة وعادية؟
- أنا لا أراها تفاصيل صغيرة ولا أشعر بأنها معتادة ولا مكررة، على العكس تماما خصوصية الحياة تعتمد فى جوهرها على الاختلافات البسيطة والتفاصيل المهملة، والاختلافات الواضحة الكبيرة بين الأشخاص والأماكن والأحداث والمشاعر هى ناتج تلك الأمور البسيطة المتراكمة التى تزاحمنا وتفرض سطوتها بدون أن نشعر وتتحكم فى مصائرنا وقراراتنا وكل ما حولنا، ولذلك أشعر دائما أنه يجب على أن انصت بدقة لتلك التفاصيل وواضعها دائما نصب عينى وأفتش عن أسرارها ودوافعها وخفاياها لعلها تجود على بفهم مختلف أو قصيدة جديدة.
■ تتحدث دوما عن كونك تتعامل العامية المصرية بوصفها لغة فى حد ذاتها وليست مجرد لهجة محلية من أين تستمد هذا التصور؟
- تتمتع العامية المصرية بالمقومات الأساسية لأى لغة مستقلة أو كانت لها منابع وأصول معروفة ومتعددة من بينها العربية الفصحى ولكنها ليست المنبع الوحيد الوحيدة فلا يستطيع أحد أن ينكر أصولها القبطية والفرعونية القوية الضاربة بأصولها فى التاريخ، وأيضا لا يستطيع أحد أن ينكر ما دخل عليها من ألفاظ تركية وفارسية بل وحتى الفرنسية والإنجليزية التى استطاعت أن تطوعهم بداخلها وتتعامل معهم كألفاظ عامية أصيله قابل للتصريف والتداول بقواعد خاصة بالعامية وحدها.
والعامية كلغة حيه لما يزيد عن مئة مليون مصرى فهى مفهومة بشكل كامل وعميق داخل مصر وخارجها فى كل الأقطار المحيطة ولكل الشعوب المجاورة، تعكس الثقافة المصرية وتؤثر على المحيطين بمصر، بعكس اللهجات المحلية فى بلاد أخرى لا يفهمها إلا أهلها، وهى اللغة التى تستخدم بشكل أساسى فى الأعمال الأدبية والفنية المصرية «السينما، الغناء، المسرح، الأغانى، المسلسلات»، وغيرها بل وتستخدم فى الرواية والإعلام وبعض الجرائد والمواقع الإلكترونية ولا يمكن فهم التراث المصرى من سير وأمثال وحكايات ومواويل وغيرها من مكونات الشخصية المصرية بدون الاعتماد على العامية المصرية كمرجع ثابت ونموذج مفسر ومؤصل لتلك الشخصية، وهى لغة متطورة تزيد حصيلتها ومفرداتها، مواكبة للأحداث والزمان والمكان ومفردات العلم والعصر الحديث، بالطبع كونها غير معتمدة رسميا كلغة للبحث العلمى والمخاطبات الرسمية وغيرها حدد كثيرا من تنميط كتابتها وتأسيس طريقة موحدة للكتابة ولكن ساعد بشكل آخر على انتشار لهجات مستقلة ومختلفة من اللغة العامية الأم.
■ ديوانك الأخير «حرب الردة» عنوانه إشكالى لما اخترت هذا العنوان؟
- الصراع هو السمة الغالبة على حياتنا اليومية، ونعانى جميعا منه بدرجات مختلفة ويمكن أن نضيف لتلك المعاناة والصراع، اختلافنا وصراعنا الدائم مع ذواتنا وتغير وجهات نظرنا وقناعتنا وأفكارنا بشكل درامى وحاد، حتى وأن لم نعترف بهذا. وديوان «حرب الردة» يدور فى ثلاثة جولات معنونة تعبر عن الأفكار التى تدور برأسى حول الإنسان وصراعه مع نفسه ومع الآخر ومع الوطن والحياة، وفى كل جولة يبذل قصارى جهده حرصا على الانتصار ولكنه ينقض عهده وينكث على عاقبيه ولا يبدو الأمر محسوما بل هو كر وفر وانتصار وهزيمة فى حالة مستمرة وديمومة لا تنتهى.
■ المرأة حاضرة فى أعمالك بقوة ما دور المرأة فى حياتك وفى كتابتك؟
- ديوان « الأسد الحلو « كان مدخلى للتسلل لعالم المرأة والتعرف عليه بشكل صحيح. حاولت فى تلك المرحلة وأثناء التحضير للديوان حرصت أن احضر بشكل موسع حلقات نقاش ودوائر بحث تتناول المرأة وقضاياها، وأن اتابع ما يكتب ويذاع حول مشكلاتها وهمومها ورؤيتها للعالم ولنفسها وللمجتمع من حولها بشكل مكثف. ولكن ما بدأ كمحاولة متواضعة لاصطياد قصيدة أو اقتناص فكره تحول تدريجيا لنافذة أثيرة تطل على عالم مدهش ملىء بالأحداث والتفاصيل وأدركت أن المرأة الشرقية على وجه العموم والمصرية على وجه الخصوص قد تغيرت وتطورت وأصبحت أكثر تعقيدًا وخصوصية وأن العديد من الرؤى والمعطيات التى ما زال يتم تسوقيها وطرحها على السطح قد فقدت صلاحيتها ولم تعد تخص هذا العصر ولم تعد تؤثر على المرأة الجديدة أو تعنيها.
وقد تناولت قضايا المرأة فى العرض المسرحى «أحوال شخصية» الذى قدم فى مسرح مكتبة الإسكندرية، وهو عرض غنائى يعبر عن خلال حكايات أربع فتيات من محافظات مصرية مختلفة ومن طبقات وشرائح اجتماعية تبرز عن الصراع بين القديم والجديد وبين المكتسب والمتوارث.
■ ما هو عملك القادم؟
- انتهيت مؤخرا من ديوان جديد ومسرحية شعرية للأطفال وأتمنى فى الفترة القادمة أن انتهى من بعض المشاريع الأدبية التى بدأتها منذ فترة، حتى يتثنى لى أن أراجع نفسى قليلا حول مرحلة ما أعتقد أنها على وشك الانتهاء.