الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

وكيل الأزهر : للمحكومين الحق فى إبداء الرأى ولو كان فى تقييم أداء الحاكم نفسه

وكيل الأزهر : للمحكومين الحق فى إبداء الرأى ولو كان فى تقييم أداء الحاكم نفسه
وكيل الأزهر : للمحكومين الحق فى إبداء الرأى ولو كان فى تقييم أداء الحاكم نفسه




أكد د.عباس شومان وكيل الأزهر أن المجتمَعاتُ المسلِمةُ ابتُلِيَتِ فى الواقعِ المشهودِ بدَعَواتٍ تَظهَرُ بين الفَيْنةِ والأخرى تُنادِى بالخُروجِ على الحاكِمِ، وتُزيِّنُ للعامَّةِ استباحةَ نَزْعِ اليدِ مِن طاعةِ وليِّ الأمرِ.
وأوضح أنه من المرفوض ظُهُورِ معارَضةٍ مسلَّحةٍ فى بعضِ الدول تَعمَلُ على نَزْعِ مَقالِيدِ الحُكمِ مِنَ الحُكَّامِ بقُوةِ السلاحِ مِمَّا أدَّى إلى حُدوثِ تَخريبٍ وتدميرٍ للمُمتَلَكاتِ العامَّةِ والخاصَّةِ، بَلْ وسَفكٍ لدماءِ الأبرياءِ وتَرويعٍ للآمِنينَ؛ فقدْ باتَ مِنَ الضروريِّ توضيحُ العَلاقةِ بينَ الحاكِمِ والمحكومِ، وبيانُ حُكمِ الخروجِ على الحاكِمِ فى الشريعةِ الإسلاميةِ الغرَّاءِ.
شدد فى كلمته، التى أرسل الأزهر نصها اليوم، على أن إقامةُ أنظِمَةِ الحُكمِ وتَنصيبُ الحُكامِ ضَرورةٌ تَقتضيها حِراسةُ الدينِ وسياسةُ أمورِ الدنيا، ويَتَطَلَّبُها استِقرارُ المُجتمَعاتِ واستِتبابُ الأمنِ فيها، وأن شريعةُ الإسلامِ تَستوعِبُ أنظمةَ الحُكمِ المعاصِرةِ على اختلافِ أسمائِها، بما فيها مِن أنظِمةٍ رئاسيةٍ ومَلكيةٍ وسُلطانيةٍ وأميريةٍ، ولا يَتعيَّنُ نظامٌ خاصٌّ كما يَزعُمُ بعضُ مَن قلَّ فى الدينِ فَهمُهُم مِمنْ حَصروا نظامَ الحُكمِ فى نَسَقِ الخلافةِ
ولفت إلى أن الإسلامُ لا يَعرِفُ للحاكمِ مَركزًا خاصًّا؛ ومِنَ الطبيعيِّ أنْ يُوجَّهَ له النصحُ، وأنْ يُسألَ عن أفعالِهِ، بلْ ويُحاسَبَ عليها كذلكَ وَفْقَ ما هو معمولٌ به فى هذا الشأنِ، باعتِبارِهِ فردًا مسئولًا عن أفعالِهِ وتصرفاتِهِ.
وقال شومان أن للحاكمِ على المحكومينَ حَقُّ الطاعةِ، وعدمُ خروجِهِم على مقتضَى البنودِ التى تُنظِّمُ العَلاقةَ بينَ الحاكمِ والمحكومِ، ما لم يَثبُتْ إنكارُهُ شَيئًا مَعلومًا مِنَ الدينِ بالضرورةِ، أو يأمُرْ بمعصيةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ولا سِيَّما إذا أدَّى الخروجُ على الحاكمِ - بأيِّ شَكلٍ كانَ هذا الخروجُ - إلى مَفاسِدَ.
وأكد أنه على الحاكمِ أنْ يُشاوِرَ أهلَ الرأيِ والخِبرةِ مِنَ المحكومينَ فيما يحتاجُ إلى مَشورةٍ، وأنْ تكونَ المشاوَرَةُ بقَصدِ الاهتداءِ إلى القرارِ المحقِّقِ للمصلحةِ والدافِعِ للمَفسَدَةِ، ويكونُ إصدارُ القرارِ الذى يَدخُلُ فى اختصاصاتِ الحاكمِ مِن سُلطاتِهِ التى لا يُنازَعُ فيها، وإنْ لم يكنِ القرارُ على وَفقِ المشورةِ؛ فالحاكمُ هو المتحمِّلُ لنتيجةِ قرارِهِ سواءٌ وافَقَ رأيَ الذين استشارَهُم أو خالَفَهُ.
ولفت إلى أن للمحكومينَ الحقَّ فى إبداءِ الرأيِ ولو كان فى تقييمِ أداءِ الحاكمِ نفسِهِ، شَريطةَ أن يكونَ ذلك فى حدودِ التعبيرِ عن الرأيِ بالطُّرُقِ والوسائلِ المشروعةِ، ومِن خِلالِ الآلياتِ المنظِّمةِ لذلك، دونَ خروجٍ أو تطاولٍ ينالُ مِن مكانةِ الحاكمِ أو شَخصِهِ، فإذا كان النَّيْلُ مِنَ الغَيرِ - وإن كانَ مِن عامَّةِ الناسِ - مِنَ الجرائمِ المعاقَبِ عليها فى شريعتِنا؛ فإنَّ هَيبةَ الحاكمِ ورمزيَّتَهُ تَزيدُ مِن قُبحِ التطاوُلِ وجُرمِ المتطاوِلِ.
وقال: إنْ نصوصُ شريعتِنا جاءت صريحةً فى وجوبِ طاعةِ وليِّ الأمرِ فى أيِّ نظامِ حُكمٍ توافَقَ عليه الناسُ؛ وهذه الطاعةُ التى أوجَبَها الشرعُ الحكيمُ للحكَّامِ ليستْ لكونِهم أحرارًا يفعلونَ ما شاءوا متى ما شاءوا، ولا لكَونِهم لا يُسألونَ عمَّا يفعلونَ، بلْ لأنَّ فى ذلك حِكمةً عظيمةً ومَصلحةً كبيرةً؛ وذلك لِئَلَّا يَتقاتَلَ المحكومونَ فيما بينهم عَصبيَّةً للحاكمِ أو ضِدَّهُ، ولذا مَنَعَ الشارِعُ الحكيمُ الخروجَ على الحاكمِ ولو كان فى المحكومينَ مَنْ هو أَصلَحُ مِنهُ
وأوضح انه إذا تَغَلَّبَ واحدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ على وليِّ الأمرِ، وبايَعَهُ الناسُ طَوْعًا وكَرْهًا حاكِمًا لهم، جاز ذلك مع كونه وِلايةً بغَيرِ حقٍّ؛ لِمَا فى اختيارِهِ مِنِ اخْتيارٍ لأخَفِّ الضرَرَينِ: سَفْكِ دماءِ الناسِ والإذْعانِ للمُتغلِّبِ؛ حيثُ لا يَخلُو خَلعُهُ مِن سَفْكٍ لدماءِ المسلِمينَ وتَصَدُّعٍ لأركانِ الدولةِ.
وشدد على أنه فى كلِّ الأحوالِ، فإنَّ طاعةَ المحكومينَ لحاكِمِهِم مُتوقِّفةٌ على ألَّا يأمُرَهُم بمعصيةٍ أو يُقِرَّ أَمْرًا فيه مخالَفَةٌ صريحةٌ لشريعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فإنْ أَمَرَهُم بشَيءٍ مِن ذلك فلا طاعةَ لمخلوقٍ فى معصيةِ الخالِقِ، موضحا أنه ليس للحاكِمِ أنْ يُحاسِبَ صاحِبَ رأيٍ على رأيِهِ ما لم يَتعرَّضْ له بما يُعَدُّ إهانةً تُوجِبُ عِقابَهُ.
وشدد قائلا: «تعبيرَ الرعيَّةِ عن رأيهِم فى سياسةِ الراعى وإدارتِهِ لشئونِهِم حَقٌّ مَشروعٌ، ومُقابَلَةُ هذا الحَقِّ بالعُنفِ اعتِداءٌ، وثَمَّةَ خَيْطٌ فاصِلٌ بينَ التعبِيرِ عنِ الرأيِ والخُروجِ على أنظِمَةِ الحُكمِ القائِمَةِ، فإذا توافَرَتْ شُروطُ البَغيِ والخُروجِ على الحاكِمِ، ومنها إعلانُ جَماعةٍ مِنَ الناسِ الخروجَ عن طاعةِ الحاكِمِ ابتداءً، وامتِلاكُهُم تأويلًا سائِغًا، وتَحيُّزُهُم واستِعدادُهُم لقِتالِ الحاكِمِ ومَنْ مَعهُ؛ كانَ للحاكِمِ الحَقُّ فى رَدْعِهِم بالقُوَّةِ المناسِبَةِ لدَفْعِ شَرِّهِم.