الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«معجم رمضان».. قاعدة بيانات الشهر الكريم لـ«فؤاد مرسى»

«معجم رمضان».. قاعدة بيانات الشهر الكريم لـ«فؤاد مرسى»
«معجم رمضان».. قاعدة بيانات الشهر الكريم لـ«فؤاد مرسى»




كتب – خالد بيومى


يشغل شهر رمضان المعظم مكانة شديدة الخصوصية فى الوجدان الإنساني، تدفع باستمرار نحو سبر أغواره، وإدراك معانيه، لذا حظى هذا الشهر الكريم باهتمام بالغ من الناس، فأعدوا وتجهزوا له، واستقبلوه بحفاوة وسرور، وأقاموا لياليه وأحيوها بإخلاص وفرح، وفاضت دموعهم وهم يودعونه ولسان حالهم يردد : «لا أوحشنا الله منك يا رمضان».
وعن الهيئة المصرية العامة صدر حديثاً كتاب «معجم رمضان» للباحث فى التراث الشعبى فؤاد مرسي، والذى يحاول من خلاله الإلمام بعناصر شهر رمضان وتفاصيله بما يشكل قاعدة بيانات مهمة، حيث لا يوجد مرجع شامل عن رمضان ولكن تتناثر مواده بين المراجع، حتى العنصر الواحد يضطر الباحث فى كثير من الأحوال إلى اللجوء إلى عشرات المراجع من أجل استجماع نثاراته. ولا سيما أن وجوه شهر رمضان وأطيافه من التنوع بحيث تستوعب المزيد من الجهود غير المتعارضة.
فيبدأ المعجم بتعريف شهر رمضان الذى اشتق اسمه من الرمض (حر الحجارة من شدة حر الشمس) ويقول ابن دريد : «إنهم لما نقلوا أسماء الشهور أسموها بالأزمنة التى وقعت فيها، فوافق رمضان أيام رمض الحر وشدته فسمى به، ثم كثر استعمالها فى الأهلة وإن لم توافق ذلك الزمان.
■ وفى باب «أجندة رمضان»:
يرصد الباحث العديد من الأحداث التاريخية الكبرى التى غيرت معالم الحياة، حيث يشير «ابن كثير» فى كتابه «البداية والنهاية» إلى أن التوراة أنزلت على سيدنا موسى عليه السلام فى رمضان، وفيه أنزل الزبور على سيدنا داود عليه السلام، وذلك بعد التوراة بأربعمائة واثنين وثمانين سنة، كما أنزل فيه الإنجيل على سيدنا عيسى عليه السلام بعد الزبور بألف وخمسين عاما، كما يروى أن سيدنا عيسى عليه السلام رُفع فى رمضان، وفيه بدأ نزول القرآن الكريم، آخر الرسالات السماوية التى أنزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما شهد غزوة بدر الكبرى وفتح مكة، وجرت فيه معركة كبرى غيرت مجرى التاريخ العربى «عين جالوت» التى انتهت بانتصار المسلمين على المغول، وفيه فتح المسلمون الأندلس على يد القائد طارق بن زياد وفيه دخل الإسلام اليمن فى السنة العاشرة من الهجرة الشريفة.
■ أحداث وقعت فى رمضان
كان أول رمضان صامه المسلمون يوافق  2 هـ - 26 فبراير 624 م، وقيل: «إن فرض صيام رمضان كان يوم الاثنين 1 شعبان 2هـ، وفتح المسلمون مصر فى 20 هـ - 14 أغسطس 641 م، بقيادة عمرو بن العاص فى عهد الخليفة عمربن الخطاب، كما رحلت السيدة عائشة رضى الله عنها فى 17 رمضان 58 هـ- 13 يوليو 1165م، ودفنت بالبقيع».
وفى 6 رمضان  63 هـ - 9 مايو 683م فتحت بلاد السند على يد القائد الأموى محمد بن القاسم فى أواخر عهد الوليد بن عبد الملك، وفى 7 رمضان 361 هـ - 22 يونيو 972 م تم اكتمال  بناء الجامع الأزهر وافتتاحه للصلاة، وبناه القائد الفاطمى جوهر الصقلى بالقاهرة .
وفى الأول من رمضان 732هـ 27 مايو 1332 ولد العلامة ابن خلدون رائد علم الاجتماع فى تونس، ورحل 25 رمضان 808هـ 16 مارس 1406 بالقاهرة .
وفى 3 رمضان 11 هـ  - 22 نوفمبر 632م رحلت السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة الرسول بستة أشهر.
وفى 9 رمضان 212 هـ - 1 ديسمبر 827 فتحت صقلية على يد زياد بن الأغلب.
■ وفى باب الأحداث والنوادر الغريبة نقرأ:
فى الرابع والعشرين من رمضان 152 هـ وقع زلزال شديد ضرب بلاد الشام التى قلقلت من دورها وجدرانها العدد الكثير كما ذكر «أبو شامة» فى كتابه: «عيون الروضتين فى أخبار الدولتين النورية والصلاحية»، وفى الرابع عشر من رمضان 215 هـ استحدث الخليفة المأمون العباسى بدعة التكبير عقب الصلوات الخمس وأول ما بدئ فى ذلك جامع بغداد والرصافة كما ذكر ابن كثير فى كتابه (البداية والنهاية).
ويورد ابن الأثير فى كتابه (الكامل) أنه فى رمضان عام 571هـ انكسفت الشمس جميعها، وأظلمت الأرض حتى ظهر الوقت كأنه ليل مظلم.
وشهد الرحالة عبد اللطيف البغدادى صيام شهر رمضان بمصر عام 597هـ - 1201م .حيث افترس القحط الحياة فى مصر وقد يئس الناس من زيادة النيل وارتفعت الأسعار وكان الفقراء يأكلون لحوم بنى آدم، وقد رأى البغدادى فيما رأى امرأة مشججة الرأس يسحبها الرعاع فى السوق وقد ظفر معها بصغير مشوى تأكل منه، وأهل السوق ذاهلون عنها، ومقبلون على شئونهم.
■ وفى باب «مظاهر احتفالية» نقرأ:
عن مدفع الإفطار ويرجع ظهور المدفع إلى عهد الوالى المملوكى «خوش قدم» الذى كان قد تلقى مدفعاً هدية من أحد المصانع الألمانية، وفى أول يوم من رمضان 869هـ - 26 أبريل 1465م، أمر الوالى بتجربة المدفع، ومع غروب شمس ذلك اليوم دوّت أول طلقة فى سماء القاهرة، فظن الصائمون أن هذا إيذانا لهم بالإفطار، وفرحوا بذلك التقليد الجديد واستحسنوا ذلك الاختراع وفى اليوم التالى تجمع الناس بانتظار انطلاق المدفع، وعلم الوالى بسبب تجمهر الناس فما كان منه إلا أن أمر بأن يطلق المدفع عند غروب الشمس طوال أيام رمضان.
أما فانوس رمضان فقد ظهر عندما استقبل المصريون فى الخامس من رمضان عام 358هـ الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وكان قدومه إليها ليلاً، فاستقبله أهلها حاملين مشاعل ملفوفة من الجوانب التى كانت ملهمة لفكرة الفانوس المعروف الآن.
كما تناول المعجم الأسواق فى شهر رمضان حيث كانت القاهرة مركزاً للتجارة العالمية، وانعكس ذلك على حركة البيع والشراء بها، فأصبحت أسواقها أكثر بقاعها ازدحاماً وضجيجاً، وخلال شهر رمضان كان الازدحام على الحوانيت أكثر المظاهر إثارة وتشويقاً فى أسواق القاهرة، خاصة وأن أهلها كما لاحظ الرحالة كانوا يشترون طعامهم مطهياً من الأسواق، واستمر هذا الوضع حتى مقدم الحملة الفرنسية فى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، ويعزى ذلك إلى قلة «الوقود» اللازم لعمليات الطهى بالمنازل وارتفاع أسعاره. ولاشك أن الفترة المحددة للإفطار، وهى لحظة الغروب، كان يسبقها صخب يمتد إلى وقت السحور.
ويذكر المقريزى أن سوق «الشماعين» بالنحاسين كان يمتد من جامع الأقمرإلى سوق الدجاجين فى القاهرة، وكان من أهم الأسواق خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين وكان شهر رمضان موسم عظيم لشراء الشموع الموكبية التى تزن الواحدة «عشرة أرطال» فما دونها، أما سوق «السكرية» بباب زويلة  فكان يعج بأنواع الياميش وقمر الدين وكانت رخيصة السعر وفى متناول الجميع.
 ■ وفى باب ختم القرآن نقرأ:
فى العصر المملوكى كان ينظم احتفال موكبى يعد خصيصاً بمناسبة ختم القرآن، حيث كان يتم إنشاد القصائد ثم يجتمع المؤذنون ليكبروا جماعة فى موضع ختم القرآن، ثم يؤتى بفرس أو بغلة ليركبها القارئ الذى تولى الختمة، حتى بيته، وأمامه القراء يقرأون والمؤذنون يكبرون والفقراء يذكرون، وقد يضيف البعض إلى ذلك ضرب الطبل والدف والأبواق.
■ وفى باب «وقفيات شهر رمضان»:
تكشف لنا وثائق الأوقاف التى سجلت وقائع الممارسة الاجتماعية لنظام الوقف على مر التاريخ عن أن شهر رمضان قد حظى باهتمام كثير من الواقفين.. وابتداء من العصر الأموى ظهرت علاقة مباشرة بين الوقف وصوم رمضان فى الممارسة الاجتماعية؛ إذ أخذ الواقفون يهتمون بتخصيص جزء من ريع وقفياتهم أو للإنفاق من هذا الريع لتمكين غير القادرين على صوم الشهر الكريم، بما فى ذلك من توفير لطعام الفطور أو السحور.
■ وفى باب الموائد والولائم نقرأ:
أوقف الكثير من الأثرياء بعض ممتلكاتهم للإنفاق منها على وجوه البر والإحسان فى هذا الشهر، حتى أن البعض على الرغم من سعة ثرائه لم يكن يحول عليه الحول إلا وخزائنه خاوية، وليس لديه مال يستحق عليه زكاة الفطر ومن أبرزهم الإمام الليث بن سعد ( 93- 175هـ / 712- 791م ) فقيه أهل مصر الذى كان قد ورث عن أبيه أرضاً خصبة شاسعة بقرية قلقشندة «محافظة القليوبية» وكانت له أرض بناحية بورسعيد والجيزة، ومع ذلك كان ينفق كل ماله على الفقراء والمحتاجين الذين كان يطعم فى اليوم الواحد ثلاثمائة منهم، وعلى العلماء وطالبى العلم، وحين أصابه عطاء الحكام لم يزده ذلك إلا زيادة فى الإنفاق وتوسعة على الفقراء، كما اشتهر العالم والأديب الصاحب بن عباد ( 326- 385 هـ) خصوصاً فى هذا الشهر الكريم.
وقال أبو الحسين محمد بن الحسين النحوي: «كان الصاحب لا يدخل عليه فى شهر رمضان بعد العصر كائناً من كان فيخرج من داره إلا بعد الإفطار عنده! وكانت داره لا تخلو فى كل ليلة من ليالى شهر رمضان من ألف نفس مفطرة فيها، وكانت صلات الصاحب بن عباد وصدقاته فى هذا الشهر الجليل تبلغ مبلغ ما يطلق منها فى جميع شهور السنة كاملة.
■ رمضان فى الأمثال الشعبية
كما تطرق المعجم إلى شهر رمضان فى الأمثال الشعبية وهناك عدة أمثال ارتبطت بشهر رمضان منها: «يصوم يصوم ويفطر على بصلة»، ويفسره أحمد باشا تيمور بقوله: «أى صام ثم فطر على شيء زهيد لا يغنى عن الجوع، كما يضرب لمن يمتنع عن شيء مدة ثم يقع فى أردأ أنواعه، و«اللى ما يصوم ويصلى رزقه يولي» يقصد به أن البركة تذهب عن أرزاق من لا يصومون ولا يصلون ويحض على إتيان فروض الله وطاعته .
■ وفى باب «أطعمة وأشربة»
 نجد توصيفا لبعض الأطعمة والأكلات الشهيرة فى رمضان مثل: الخشاف وهو عبارة عن مجموعة من الفواكه سواء المجففة أوالطازجة، المنقوعة فى الماء المحلى بالكر أو اللبن وقد يضاف إليه قمر الدين، وبعض المكسرات كاللوز وعين الجمل والبندق. ومن أشهر الفواكه المستخدمة فى تحضير الخشاف المشمش والتين والخوخ والزبيب، والقطائف، ورد فى لسان العرب أن القطائف طعام يسوى من الدقيق المرق بالماء، شبهت بخمل القطيفة التى تُفرش، وتقف القطائف موقف المساواة مع الكنافة على المائدة الرمضانية، أما تاريخها فيعود إلى العصر العباسى وأواخر العصر الأموى.
■ التوحيش
تعرض المعجم لبعض الممارسات المنقرضة خصوصا الجانب الفلكلورى ومنها التوحيش «وداع رمضان» حيث يظهر التحسر على انقضاء الشهر الكريم بداية من العشر الأواخر من رمضان ومعظم الأقوال والقصائد التى يجرى إنشادها تبدأ عادة بالمطلع: «لا أوحش الله منك»، ولا يقوم بهذا التوحيش المنشدون المحترفون فحسب، ولكن يملأ المؤذنون المنشدون فضاء الحى بتوحيشهم الذى يواصلونه منذ الإمساك وحتى إقامة أذان الفجر ومن أشهر نصوص التوحيش:
لا أوحش الله منك يا شهر الصيام
لا أوحش الله منك يا شهر القيام
لا أوحش الله منك يا شهر الولائم.