الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

د. شوقى علام مفتى الجمهورية: رمضان.. فرصة الناس لعمل الخير

د. شوقى علام مفتى الجمهورية: رمضان.. فرصة الناس لعمل الخير
د. شوقى علام مفتى الجمهورية: رمضان.. فرصة الناس لعمل الخير




أكد د. شوقى علام مفتى الجمهورية ان شهر رمضان فرصة عظيمة لكل مسلم عليه أن يغتنمها بالطاعة والذكر ، مطالبا باستغلال الشهر الفضيل ليكون دافعاً لخطاب دينى قوى يواجه الفكر المتطرف ويبتعد بالناس عن أفكار الجماعات المتشددة
واوضح فى حواره أن الإفتاء نجحت فى رصد ما تستند إليه  داعش لتضليل الناس، حيث إن داعش تعتمد على خمسين آية تؤولها وتفسرها لتبرر أفعالها، وفيما يلى نص الحوار..
■ ونحن فى شهر رمضان كيف يتم استغلال هذا الشهر الكريم لإصلاح حال الأمة الإسلامية؟
- لقد رغَّبَ الله تعالى فى الدعوة إلى الله وإلى فعل الخيرات مطلقًا فقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، وأكد ترغيبه على مواسم الطاعات بصفة خاصة والتى منها شهر رمضان الكريم الذى نستقبله هذه الأيام، فقال صلى الله عليه وسلم: «أتاكم شهر رمضان، خير وبركة، يغشاكم الله فينزل فيه الرحمة، ويَحُطُّ الخطايا، ويستجيب الدعاء، فأروا الله فيه من أنفسكم خيرًا، فإن الشقى من حرم فيه رحمة الله عز وجل»، ونحن إذ نستقبل شهر الطاعات وشهر الرحمات وشهر المغفرة علينا أن نتأسى بمعلِّم البشرية كلِّها النبى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان يلقاه كل ليلة من رمضان، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة» وفى المسند: «ولا يُسأل شيئًا إلا أعطاه»، وقال الحسن البصري: «إن الله تعالى قد جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يَسْتَبِقُون فيه بطاعته»، وإذا كنا اليوم نستقبل هذه النسمات العطرة والجو الروحانى الأمثل وهذه الأيام المباركات نتمنى أن يكون الخطاب الدينى فى شِقِّه الدعوى يدعو الناس إلى البر والتقوى والعمل الصالح، فى أيام يُضاعَف فيها الأجر وتصير النافلة فى مقام الفريضة، والفريضة تعدل سبعين فريضة فيما سواه، فقد ورد فى صحيح ابن خزيمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فى آخر يوم من شعبان فقال: «أيها الناس قد أظلكم شهرٌ عظيمٌ، شهرٌ مبارك، شهر فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه»، فكيف نترك هذا السباق فى مضمار الخير وننصرف عنه إلى غيره ونحن ينتظرنا الجزاء العظيم والجائزة الكبرى؟!  نؤمِّل فى هذه الأيام المباركات ونحن نستقبل شهرًا عظيمًا اختصه الله تعالى بالكثير من الفضل، ففيه نزل القرآن الكريم، وفيه تحقق للمسلمين النصر العظيم على أعدائهم، وفيه يسعى المسلم لأن ينتصر على شهواته ونفسه، نؤمِّل من خطابنا الدينى مع بداية هذا الشهر الكريم أن يكون خطابًا دعويًّا يدعو إلى الخير ويكون مفتاحًا له، ويدفع الشر ويكون مغلاقًا له، فرمضان موسم للطاعة تتوق نفوس الناس فيه إلى الطاعة وإلى طلب المغفرة، ويكونون فى أكثر حالاتهم استعدادًا لسماع خطاب دينى يقدم الأهم على المهم، كما فعل صلى الله عليه وسلم فى دعوته للناس، والتى تجسدت فى منهجه حينما قال لمعاذ رضى الله عنه لما أرسله إلى اليمن: «إنك تأتى قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات فى اليوم والليلة».
■ تجديد الخطاب الدينى المصطلح الأكثر إلحاحًا فى هذه الأيام فى ظل موجة التطرف والقتل والحرق من قبل منشقين عن الصف الإسلامى والتى للأسف يلصقها البعض فى الإسلام، ما الذى يجب فعله من وجهة نظر فضيلتكم لتقديم خطاب دينى قادر على القضاء على هذه الظاهرة؟
-  يجب التأكيد على أن دور الخطاب الدينى مهم جدًّا فى هذه المرحلة، لدحض حجج المتطرفين والغلاة فى الدين، والذين ذهبوا من أجل تبرير أفعالهم الإجرامية من قتل وسفك للدماء إلى الاستدلال بآيات قرآنية وأدلة من السنة النبوية مقطوعة عن سياقها بفهم عقيم ينم عن جهل مطبق، مصدرين للآخر خطابًا دينيًّا يبرر العنف بكل أشكاله وفى حق الجميع، فى الوقت الذى نهى الإسلام عن القتل والترويع، ومسألة ضبط الخطاب الدينى تتطلب مراجعة أمينة له وتجديدًا مهمًّا وضروريًّا لكى يكون الخطاب الدينى رادعًا للعنف والإرهاب ودافعًا للعمل ومحفزًا على الدعم والتعاون والتدافع فى الأرض لإعمارها وعمارتها، وعليه فلا بد أن يحارب الخطاب الدينى الأفكار المتطرفة والهدامة التى تسعى لنشر الخراب والفتن عبر اجتزاء النصوص الدينية وتأويلها بغير حقها، وتنزيلها على وقائع وأحداث لا تمت لها بصلة، فيجب على المتصدرين للخطاب الدينى أن ينتبهوا لمثل تلك الأفكار والمحاذير وأن يتصدوا لها بوعى وعلم وبصيرة عبر نشر فكر إسلامى وسطى يعبر عن صحيح الدين وسماحته وإيجابيته فى الحياة الدنيا، كما أنه لا بد أن يتصف الخطاب الدينى المأمول بمجموعة من الخصائص التى تناسب العصر ليكون فيه الحل لكل ما يعن للمسلم فى أمر دينه، خطاب يكون قوامه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ويتصف بالوسطية والاعتدال، ويكون خطابًا عالميًّا يخاطب الجميع ولا يقتصر على المسلمين، ويدعو إلى التفاؤل والعمل ونبذ الكسل والإحباط وغيرها من الصفات التى تقرب الناس إلى الدين ولا تكون سببًا لنفورهم من الدين.
 ■ تقوم دار الإفتاء منذ فترة بمحاولة رصد أفكار الجماعات المتشددة، فهل نجحت الجهود فى  إضعاف الفكر الإرهابى ؟
- الإسلام ضد التطرف على طول الخط، لكننا إن لم نفهم العوامل التى تقدم لتبرير العنف، فلن نتمكن أبداً من استئصال هذا الوباء.. ولابد من فهم ذلك حتى نبنى مستقبلا أفضل يضع نهايةً لهذا الوضع الذى يؤزم العالم.
وفى دار الإفتاء المصرية نقوم بتفنيد المزاعم التى تنشرها الجماعات الإسلامية المتطرفة، ومن ضمن الإجراءات التى اتخذناها، أننا أنشأنا منذ عامين مرصدًا يرصد فتاوى هذه الجماعات المتطرفة، ونتابع كل ما تنشره على مواقع الإنترنت بلغات عدة، حيث استطعنا أن نجمع عددًا ضخمًا من هذه المزاعم المتطرفة وقمنا بالرد عليها وإظهار زيف انتمائها للإسلام، من خلال مجموعة من التقارير التى تم ترجمتها إلى لغات عدة.
كما أن الدار تسعى لإيصال رسالتها وردودها على الجماعات المتطرفة إلى أكبر قدر ممكن من الناس فى مختلف بلدان العالم، لذا فقد استغلت الدار الفضاء الإلكترونى ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك عقدت لقاءات مع الشباب فى مراكز الشباب والجامعات وأماكن التجمع لنتأكد من وصول رسائلنا إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
والحمد لله وجدنا نتائج إيجابية لتلك الجهود التى نقوم بها فى دار الإفتاء، فهدفنا من هذا هو وقاية الشباب المتحمس من الوقوع فى شَرَك هذه الجماعات الإرهابية، وقد أعددنا أيضًا برنامجًا للمراجعة كعلاج لمن وقع من الشباب فى شباكهم، وبذلك يقوم مرصد الإفتاء بعمل مزدوج يتمثل فى التحصين والعلاج.
■ ما نقاط القوة والجذب التى تستخدمها  الجماعات المتشددة لجذب الشباب لأفكارها ؟
- الجماعات المتطرفة على رأسها «داعش» تقوم باستغلال النصوص الدينية من القرآن الكريم والسنة لتبرير أفعالهم الإجرامية، لأنهم غير مؤهلين لتفسير تلك النصوص، بل يلوون عنقها ويسخرونها لتحقيق مصالحهم السياسية.
ودار الإفتاء المصرية عبر مرصدها الذى أنشأته لرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التى تعتمد عليها الجماعات المتطرفة، قامت برصد ما يقرب من خمسين آية استغلتها داعش للقيام بالعمليات الإرهابية، مشيرًا إلى أن الدار قامت بالرد على تلك الشبهات وتفنيد ونقد تفسير داعش المشوه لها، وبيان المعنى الحقيقى لهذه الآيات.
ولقد أوضحنا أن آيات القرآن الكريم والمبادئ الأساسية التى يرتكز إليها الإسلام تدعو إلى احترام الإنسان مهما كانت عقيدته أو جنسه أو لونه، وتدعو إلى حرية العقيدة وإلى التعايش المشترك بين البشر والتعاون من أجل عمارة الكون.
■ البعض يرى أن الإسلام لا يعترف بالتواصل مع الحضارات الأخرى، فما تعليق فضيلتكم ؟
- الرد على هذا أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان حريصًا على التواصل مع الحضارات الأخرى، ففى مكة تواصل مع الأنصار فى بيعتى العقبة الأولى والثانية، وتواصل مع زعماء القبائل وكذلك أرسل المسلمين فى الهجرة الأولى إلى الحبشة، وهذا التواصل يحتاج لذكاء وخطط مدروسة ووعى بقضايا المجتمعات التى نتواصل معها حتى يؤتى ثماره، لا أن يتم بصورة عشوائية حتى لا يعطى نتائج سلبية.
 والإسلام لم يهدف أبدًا إلى صراع الحضارات أو العيش فى عزلة وانغلاق عن الآخرين،فمنطلقات التشريع الإسلامى تسعى إلى التواصل والتعارف، يقول تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، ومواقف النبى صلى الله عليه وآله وسلم تدل على أن هذا مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام، حيث سعى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله إلى التواصل مع كافة الحضارات التى كانت موجودة فى ذلك العصر عبر الرسائل وإرسال الرسل، وكانت رسائل النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى زعماء تلك الأمم تضم عبارات التقدير والاحترام وهو أدب من آداب التواصل، ويدل على عدم الصدام ودعوة للتعارف والحوار.
وعليه فإننا أمام منطلق من منطلقات الدعوة الإسلامية وهو ضرورة التواصل مع المجتمعات الأخرى، وإبلاغ الدعوة وتوضيح وجهة النظر وليس فرض الإسلام فرضًا، فكل النصوص متوافرة على أنه لا بد من التواصل وتبليغ الرسالة مع الحفاظ على حرية الاعتقاد.
وكلما حدث انغلاق وعدم تواصل مع الدول والأمم الأخرى يحدث تأخر وتراجع،  والمسلمون مطالبون فى كل وقت وحين أن ينفتحوا على العالم بالطريقة المدروسة التى تفيدهم.
■ كيف نواجه عمليا تشويه سمعة الإسلام بما يقوم به هؤلاء الإرهابيون باسم الدين؟
- التطرف والإرهاب أثَّرا بشكل كبير على سمعة الدين الإسلامى فى الغرب فهى على المحك الآن، بدلًا من أن تكون صورة الإسلام مشرقة كما كانت فى البداية، مشيرًا إلى أن الإسلام دخل إلى دول جنوب شرق آسيا على أيدى التجار الذى اعتنوا بالجانب الأخلاقى فى تعاملهم مع الناس فكانوا خير دعاة للإسلام، ولم يحتاجوا لخطب أو مواعظ، ولكنهم كانوا دعاة بأخلاقهم الإسلامية وتعاملاتهم الحسنة.
والمسلمون اليوم لديهم تحديات كبيرة داخل الدول الإسلامية وخارجها؛ لذا فإن عليهم بذل مزيد من الجهد لإزالة الصورة المشوهة التى تسبب فيها الإرهابيون، كما أن عليهم أن يظهروا بصورة حضارية وأخلاقية فى الداخل والخارج تعبر عن حقيقة الإسلام».
كما  أن المسلمين فى الغرب هم جزء لا يتجزأ من أوطانهم الأوروبية والغربية، وعليهم دور كبير فى تحسين صورة الإسلام باندماجهم الإيجابى والفعال، وأنهم إذا أظهروا أنفسهم بهذا المسلك الحضارى يكونون قد فعلوا الكثير فى توصيل رسالة الإسلام وصحيحه.
وعلى الجاليات المسلمة فى الخارج ألا تنشغل بخلافات «تافهة» فيما بينهم يمكن أن يجرى حولها حوار يعزز من احترام جميع الثقافات والآراء.