الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الناجون من مجزرة «المعترف» يروون ساعات الرعب

الناجون من مجزرة «المعترف» يروون ساعات الرعب
الناجون من مجزرة «المعترف» يروون ساعات الرعب




تحقيق - ميرا ممدوح


رفعت يدها وهى تنظر إليها بدون أن تنطق بكلمة ثم كسرت «حنان عادل» 28 عامًا حاجز الصمت الذى خيم على المتواجدين بغرفتها  ولتقول  « مش هغسل إيدى لأن دم «مارفى» عليها قتلوها وهى على إيدى».
«حنان» إحدى الناجيات من حادث إطلاق النيران الذى وقع فى طريق دير الأنبا صموئيل المعترف بمحافظة المنيا فى صعيد مصر، حيث يبعد الدير عن مدينة مغاغة حوالي 60 كم على الطريق الصحراوي الغربي ، تتذكر ما حدث  فى اليوم وترويه بينما تنساب الدموع على خديها وترفض محاولات من حولها فى التوقف عن الكلام.
بداية الأحداث
« كان يوماً عادياً ورحلة اعتدنا القيام بها باستمرار» هكذا بدأت حنان حديثها وقبل وصولنا للدير فوجئنا بصوت «فرقعة» فتوقعنا أنها إحدى عجلات الأتوبيس نظرًا لأننا كنا نجلس فى مؤخرة الأتوبيس، وبعضنا أنزل الستائر لحمايته من الشمس إلا أننا فوجئنا بأشخاص ملثمين يطلقون النيران على سائق الأتوبيس ووالد زوجى الذى كان يجلس بجواره.
وعقب ذلك قاموا بإطلاق النيران على الأتوبيس من الخارج بشكل عشوائى ثم دخل اثنان منهم احدهما طلب منا اعطاءه الحلى الذهبية والفلوس التى معنا والآخر قام بجمعها منا، مضيفة _ والكلام مازال على لسان حنان_ قالوا لنا هاتوا الغنيمة ورددوا الشهادتين، وهو الأمر الذى رفضناه فقاموا بإطلاق النيران داخل الأتوبيس ثم الخروج وإطلاق النيران من الخارج.
مريم عادل أحد الناجيات وشقيقة حنان ترجع بذاكرتها ليوم الحادث فتقول: لم يكتفوا بإطلاق النيران علينا داخل الاتوبيس  بل بعد نزولهم استمروا فى عملية إطلاق النيران على أمل اشتعال الأتوبيس وإحراق من يعيش منا حيًا، إلا ان الله بدد خطتهم- بحسب تعبيرها-.
«السيدة بدرية» أو أم صموئيل كما يطلقون عليها أقاربها والتى أصيبت فى الحادث بطلق فى قدمها  قالت: أول ما شفتهم افتكرت ما حدث لشهداء ليبيا فنفس المنظر وملابس متشابهة، مضيفة: الإرهابيون أخذوا منا كل شىء وقاموا بإطلاق النيران علينا.
يتذكر «بشرى» سائق الأتوبيس ماحدث يومها ويكمل حديثه: كانت رحلة عائلية بدأت من عزبة حنا التابعة لمركز الفشن محافظة بنى سويف مرورًا بمركز بنى مزار التابع لمحافظة المنيا حيث اصطحبنا باقى أفراد الأسرة والذين يقيمون هناك ثم توجهنا إلى الدير، وفى الساعة التاسعة والنصف تقريبًا وقبيل وصولنا للدير بحوالى عشرة كيلو مترات فوجئت بعربة دفع رباعى تحاول قطع الطريق علينا.
وحاولت تفاديها إلا انهم بادروا بإطلاق النار على إحدى عجلات الأتوبيس مما اضطرنى للوقوف، وما إن توقفت حتى قام أحدهم بإطلاق النيران لتصيبنى طلقة فى صدرى، وقام آخر بإطلاق النيران على « محسن» الذى كان يجلس بجانبى فأصيب بثلاث طلقات أخرى فى قدمى.
ويضيف: لم أفقد الوعى ولكنى قمت بإلقاء جسدى على عجلة القيادة فظن الإرهابيون أننى فارقت الحياة، إلا انى كنت أسمع صوت « تبديل خزائن الرصاص» والذى مازال صداه فى أذنى، وعقب ذلك قاموا بإطلاق النيران من الخارج والدخول إلى الأتوبيس وإطلاق النيران على المتواجدين بداخله.
كان يرتدون زيًا يشبه «الافارول» – بحسب كلام بشرى السائق- ولم أتبين إذا كانوا يرتدون شارات تحمل علم داعش أما لا، فأنا عقب إصابتى كنت خائفًا أن يسمعوا صوت « أنفاسى» فيعودوا ليطلقوا النار مرة أخرى ويقتلونى.
ويضيف: لم يقم الإرهابيون بإنزال أحد من الأتوبيس، وبعد انتهائهم من إطلاق النيران علينا تصادف مرور عربة ربع نقل محملة بعمال من دير الأنبا صموئيل المعترف فقاموا بانزالهم وقتلهم جميعًا.
ويكمل: عندما حاولوا الفرار بسيارتهم لم تعمل فقاموا بإحراقها وأخذ السيارة التى كانت تقل عمال دير الأنبا صموئيل للفرار من موقع الحادث، لافتًا إلى أن بعض المتواجدين فى الأتوبيس والذين لم تكن إصابتهم بالغة قاموا بالنزول منه فى محاولة لطلب النجدة.
«لقد اختاروا مكان ارتكابهم للواقعة بعناية» هكذا وصف «السائق» تخطيط الإرهابيين للحادث، مضيفًا: «المدق» الذى يصل بنا إلى الدير طوله حوالى 20 كيلو مترًا وهو طريق غير ممهد كما انه بعد منتصفه لا توجد أية شبكات للاتصال مما يصعب علينا طلب النجدة أو المساعدة.
النجاة بشق الأنفاس
لم تكن النجاة من المجزرة بالأمر السهل فالصحراء تحيط بالمجنى عليهم من كل مكان ولايوجد إمكانية لإجراء اتصال هاتفى أو طلب استغاثة إلا أن حنان عادل قامت بالخروج من الأتوبيس وقامت بالجرى حتى وجدت سيارة أخرى نقلتها لمكان تستطيع إجراء اتصال هاتفى بأقاربها الذين حضروا للمكان وبدأت عملية نقل المصابين والجثامين.
حنان أحد الناجيات المحظوظات فهى لم تصب بطلقات نارية فى جسدها، وتتواجد بمستشفى معهد ناصر للتأكد من عدم وجود أى إصابات غير ظاهرة، إلا ان حالتها النفسية تسوء فلم تكد تنتهى من الحديث عما جرى فى هذا اليوم حتى تعالت صرخاتها وبكاؤها، فقدت حنان فى هذا الحادث زوجها  هانى محسن  وابنتها مارفى، ونجت هى لترعى ابنها 6 شهور وابنتها مارينا والتى تتلقى العلاج ايضًا.
ألم وعزاء
« رحيل تبكى على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين» إحدى آيات الكتاب المقدس والتى نصف واقعة قتل الملك هيردوس لأطفال بيت لحم منذ 2017 عامًا بحثًا عن المسيح تتكرر اليوم فى طريق دير الأنبا صموئيل المعترف فالناجيات أغلبهن سيدات فقدن أزواجهن وأطفالهن، ويرفضن التعازى وكأنهن ينتظرن حضورهن، كان هذا حال سامية عدلى والتى فقدت زوجها سميح وابنيها هانى وسامح واثنين من أحفادها، التى لا تكف عن ترديد كلمة «الحمدلله»، والكل حولها يحذرون الزوار من إبلاغها بوفاة زوجها وأولادها.
  سامية جاءت من أمريكا مع زوجها حيث تعيش منذ ثمانى سنوات  لرؤية أبنائها واحفادها، وغادرتها للتقضى أجازة هى وزوجها عقب شفائه من مرض صعب لتأتى إلى مصر لتوفى «نذرًا» كانت قد قطعته « للقديس صموئيل المعترف» فى حالة شفاء زوجها.
تعالت صرخات مريم عادل فور رؤيتها للقس سامح موريس راعى كنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية، والذى حضر مع مجموعة من شباب الكنيسة لمؤازرة المصابين وتقديم العون والمساعدة لهم.
مريم  التى فقدت زوجها سامح اسرائيل 30 عامًا وأصيبت هى وابنها جون « أربع سنوات» فور رؤيتها  لراعى قصر الدوبارة ظلت تصرخ» بيعلموا كده ليه بيكرهونا ليه» وما أن بدأ يتحدث إليها هدأت صرخاتها وبدأت تروى ما حدث وهى تمسك بهاتف محمول عليه صورة زوجها مرددة سامح مات.
فيما تصر «بسنت عياد»  13 عامًا على رؤية أختها «مارينا» 11 عامًا والتى مازالت فى مرحلة الأفاقة عقب إجرائها عملية جراحية لاصابتها بطلقات نارية فى منطقة الحوض، فما كان من أهلها الا اصطحابها بسريرها حيث ترقد إلى غرفة أختها لتراها.
بسنت والتى أصيبت فى الحادث بطلق نارى فى القدم، ومعها أختها مارينا ووالدتها نورا وتوفى شقيقهم الوحيد بيشوى « 15 عاماً»، بدأت فى البكاء عندما رأت أختها تتألم على السرير بينما حاول من حولها بإثنائها عن البكاء وهم يوعدونها بالبقاء بجانب أختها فى نفس الغرفة.
بسنت طالبة فى الصف «السادس الابتدائى» وبينما ترقد على سرير المستشفى تتساءل عن نتيجتها فى الامتحانات، وتبتسم لمن حولها قائلة:لم أجب بالشكل الجيد فى الامتحانات»
الطفل «جون»  أربع سنوات والذى أصيب فى يده وقام الأطباء بمعهد ناصر بإجراء عملية جراحية له، يستعد لنقله من قسم رعاية الأطفال إلى جانب والدته « مريم» بعد تحسن حالته الصحية واستقرارها.
وتكمل السيدة بدرية المعروفة بأم صموئيل : أطلقت على ابنى صموئيل تيمنًا بالقديس الأنبا صموئيل، وذلك لأنى أثناء فترة الحمل لم أكن أعرف إذا كان الجنين ولدًا أو بنتًا إلى أن جاءنا أحد رهبان الدير وتنبأ بانجابى ولد ووقتها قررنا تسميته صموئيل.
وبينما تقاوم الحزن والألم بابتسامة تقول: هما مفكرين بما فعلوه أننا سنتوقف عن الصلاة؟!، أبدًا هنصلى وهنروح الكنيسة وهنتمسك بالمسيحية أكثر.
فيما يجلس « عم بشرى»  كما ينادى عليه كل من حوله على سريره بمعهد ناصر وينظر إلى «محفظته» والفلوس الموجودة بها والتى اصطبغت بدمه، وأخرى تمزقت بفعل اختراق الرصاص لها مرددًا «الحمدلله أنا قولت مش هيسبونى».
«بشرى» سائق الأتوبيس والذى تلقى أولى الضربات ليصاب بطلقة أعلى الصدر وثلاث طلقات فى القدم يؤكد أن الطريق للدير بالرغم من أنه غير ممهد وطريق صحراوى ولا يوجد فيه أى شبكات للتليفون إلا أنه كان طريقًا آمنًا، فلم نسمع من قبل عن أى حوادث حتى لو كانت « سرقة» _ والكلام على لسان بشرى_.
بينما يكمل بشرى « 50 عامًا» الذى يعمل عريف شرطة بمديرية أمن بنى سويف،  إلى جانب عمله كسائق، وهو أب لأربعة شباب أكبرهم فى الخامسة والعشرين من عمره، حديثه يسرح بناظريه مرددًا « الحمدلله كنت خايف أسيب أولادى» .
إسعاف المصابين
«12» حالة استقبلها معهد ناصر  من المصابين، هذا ما أكده الدكتور هانى مصطفى راشد مدير مستشفى معهد ناصر، مضيفًا خلال الأربع والعشرين ساعة الأولى قمنا بإجراء حوالى 8 عمليات جراحية تتنوع ما بين شظايا وطلقات نارية وكسور.
وأضاف: لدينا خطة طوارئ فى مثل هذه المواقف، ففور وقوع الحادث تم إعلان حالة الطوارئ وحضور ما لايقل عن 16 من الاطباء والأستشاريين لإجراء العمليات كما قام وزير الصحة بإجراء ثلاث عمليات بنفسه.
وأشار: ولدينا أيضًا مخزون من الأدوية وأدوات الجراحة المختلفه تكفى لاسعاف 150 شخصًا فى الحالات الطارئة، مشددًا أن معظم الحالات مستقرة وتتلقى العلاج اللازم.
ولفت» راشد» إلى وجود وحدة للدعم النفسى فى مثل هذه الأحداث بها استشاريون نفسيون وأخصائيون اجتماعيون، يقومون بزيارة المرضى والتأكد من سلامتهم نفسيًا وارشادهم لتجنب الصدمات التى تتبع مثل هذه الحوادث.