الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مساجد لها تاريخ الجامع الأموى بدمشق (3)

مساجد لها تاريخ الجامع الأموى بدمشق (3)
مساجد لها تاريخ الجامع الأموى بدمشق (3)




ينتسب الجامع الأموى إلى الفنون المعمارية الشامية التى ازدهرت على يد الأمويين الذين تمَّ فى عهدهم إنشاء العديد من الأعمال العمرانية من مدن ومساجد وقصور، وقد ذكر المؤرخون أن الوليد أنفق فى بناء الجامع خمسة ملايين وستمائة ألف دينار. وضمَّ الجامع الكثير من النفائس منها مصحف عثمان الذى كانت له خزانة خاصة به إلى جانب المحراب وظلّ حتى الحريق الأخير.
كما زود الجامع فى كل العهود بساعات اختلفت ألوانها وأشكالها وفنونها باختلاف العصر، وتمَّ العثور على الساعة الفلكية المعقدة التى تسمى (البسيط) تحت بلاط الصحن، وكان قد صنعها العالم الفلكى (ابن الشاطر الدمشقي) فى القرن الثامن الهجري.
وللجامع أوقاف تجمّعت خلال العصور جعلته من أغنى مساجد العالم، وكانت مواردها تصرف فى سُبلٍ شتى، منها رواتب العلماء والمدرسين والمؤذنين والخدم وطلاب العلم، ومنها ما يصرف للفقراء.
لم تكن وظيفة الجامع فى العهود الماضية تقتصر على شئون العبادة فقد حفل بالنشاطات السياسية والاجتماعية، وكان مركزاً للإشعاع الثقافى والعلمى فقد أنشئت حوله عشرات المدارس والمكتبات حتى أصبح يؤلف معها وقتئذ مدينة جامعية حقيقية، وتضم بعض هذه المدارس أضرحة لقادة وملوك فاتحين مثل (صلاح الدين الأيوبى وأخيه الملك العادل والظاهر بيبرس).
فضلاً عن المدارس ودور العلم فقد كانت تتجمّع حول الجامع وعند أبوابه كل النشاطات الاجتماعية والسياسية، وهنا يأتى دور الجامع الأساسى فى تداول أحوال المسلمين الاجتماعية والسياسية فى فترات زمنية كثيرة حيث كان يلتقى الخليفة بالشعب، وكذلك لقاء الخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم.
الأموى عبر التاريخ
ذكر ابن عساكر مؤرخ مدينة دمشق أن الوليد بعد الانتهاء من بناء الجامع، وكان على المنبر يخطب الجمعة دخل عليه موسى بن نصير وبرفقته موكب كبير جداً يتألف من ثلاثين أميراً من أمراء الأندلس والشمال الإفريقي، حيث زُفَّ إليه خبر فتح الأندلس، فاحتفل بالقائد المظفّر موسى وافتتاح المسجد.
ظلَّ المسجد مركزاً للحياة السياسية والثقافية والدينية لأبناء مدينة دمشق لفترات زمنية طويلة، فلم يكن مجرد مكان دينى للعبادة، بل كانت له صفة سياسية وتعليمية واجتماعية.
تعرّض المسجد خلال تاريخه الطويل إلى كوارث الطبيعة كالزلازل من جهة والحرائق المتكررة التى لحقت به من جهة أخرى جراء الغزوات المتتابعة على مدينة دمشق، فكان الحريق الأول أيام الفاطميين سنة461هـ -1068م، حيث رميت المدينة بالنيران فاحترقت أجزاء منها، ولحق بالمسجد الكثير من الأضرار من جراء هذا الحريق حيث دمرت الزخارف وبعض لوحاته الفسيفسائية، وبعد هذا الحادث جرت محاولات كثيرة لإعادة ترميمه، ولكنها لم تكن تأخذ الطابع العلمى لذلك باءت جميعها بالفشل.
أما الحريق الثانى الذى تعرّض له فكان أثناء ولاية تكنز على دمشق740هـ-1339م، وتعرضت المئذنة الشرقية لحريق عام794هـ.
وفى العام 884هـ-1479م احترق المسجد، ويقال بأن سبب الحريق قد أتى من الأسواق المحيطة بالجامع، أما الحريق الأخير الذى تعرض له فكان فى العصر العثمانى 1311هـ-1893م، وبهذا الحريق يعتقد المؤرخون أنه قد احترق مصحف عثمان.
جرت بعد هذا الحريق عملية ترميم لم تمسّ أصالة الجامع، ولم تغير تخطيطه العام، أما العناصر الزخرفية فقد طرأ عليها تعديل طفيف، ولكنها بقيت ضمن الخط الهندسى الأساسي، ونهض أهل دمشق لإنقاذه، فجمعوا التبرعات، وتطوّع العمال وأهل المهن للمشاركة فى إعادة بناء الجامع، وتمَّ هذا الترميم خلال تسع سنين.
ومنذ ذلك التاريخ لم يلق هذا الصرح المعمارى العناية والاهتمام إلى أن أصدر الرئيس الراحل حافظ الأسد المرسوم الجمهورى رقم (36) تاريخ/6-10-1991 لإعادة ترميمه، وإبراز دوره الحضارى والإنسانى والثقافى حتى غدا قبلة السيّاح والمهتمين بفنون العمارة الإسلامية من كل أنحاء العالم.
واليوم، ونحن على أبواب الاحتفال بدمشق عاصمة للثقافة العربية نأمل أن يكون للجامع الأموى دوره فى تعميق التواصل الإنسانى والفكرى، وأن يستعيد دوره الفكرى والثقافى ضمن فعاليات الاحتفالية.