الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المثقف الانتهازى.. نموذج من شخصيات محفوظ الإبداعية





قد يستخدم المثقف مهاراته فى إرساء قواعد وأساسات الحرية الفكرية والتعددية الفكرية فى البلاد على اعتبار أنهم النخبة المستنيرة وقد يصب هذا فى نطاق مصالحهم الهادفة للارتقاء بالمجتمع وقد يستخدم البعض الآخر منهم هذه المهارات للصب فى نطاق مصلحته الشخصية.
 
 
 
كان المبدع الراحل نجيب محفوظ أحد أهم من قدموا لنا صورة المثقف فى أعمالهم، خاصة فى رائعته «اللص والكلاب»، التى قدم لنا فيها نموذجًا للمثقف الصحفى الذى يقوم بترسيخ قيم وأفكار تخدم أهدافه ومصالحه الشخصية، حتى لو كانت هذه الأفكار تضليلا لعقول البسطاء من الناس، وهو ما حدث بالفعل مع شخصية «رءوف علوان»، المواطن البسيط ذى النزعة المتمردة على الأوضاع الذى سار على أفكار سعيد مهران، فانتهى نهاية مؤلمة.
 
 
 
هل كان محفوظ يرسم تلك الشخصية ويرى فيها امتدادًا للانتهازية وهل مازال بيننا مثل هذه النماذج التى لا تنشد إلا خدمة مصالحها الشخصية على حساب عقول البسطاء الموجهة من قبلهم وهل للمجتمع دور فى وجودهم إن وجدوا هذا ما سنعرفه من بعض المثقفين والكتاب المعاصرين.
 
 
 
الروائى يوسف القعيد قال: سعيد مهران ورءوف علوان وجهان لعملة واحدة، وهذا النموذج موجود بالفعل فى كل زمان ومكان مع اختلاف التفاصيل، ولكن ليس كل الصحفيين والمثقفين انتهازيين مثله، ولكن هذه المهنة التى امتهنها علوان كانت ذات حيثيات خطيرة، تؤهله للتأثير على عقول البسطاء من الناس والقراء العاديين، فكان صحفيا يكتب مقالاته فيقرأه الجميع ويصدقه، وأرى من وجهة نظرى أن رءوف علوان وسعيد مهران هما وجهان لعملة واحدة، فالأول كان انتهازيا بالثقافة والاكتساب والثانى كان انتهازيا بالفطرة، فكان لديه دائما الاستعداد للانقضاض على الأغنياء وسلبهم ما يمتلكون لمجرد أنهم أغنياء.
 
 
 
بينما يرى الروائى فؤاد قنديل أن هذا النموذج للمثقف لا يوجد بين الأدباء، ويرجح أن فى تلك الفترة التى كتبت فيها الرواية كانت تنتشر مثل هذه النماذج بكثرة، وهذا ما ظهر أيضا فى رواية فتحى غانم «الرجل الذى فقد ظله»، فسنجد هذا النموذج أيضا من المثقفين الذين ينادون بأفكار ويكتبون عن قيم إنسانية كبرى، لكنه فى حياته الحقيقية يسير عكس ما يروج له، وهذا النموذج ربما لا يكون موجودا لدى كتاب الرواية والشعر أو الأدب بشكل عام، لأنهم ليس لديهم فرص للانتفاع من خلال كتاباتهم مثل هؤلاء المثقفين الذين ينتفعون من كتاباتهم، وقد تنامى هذا النموذج الآن وأصبح من الطبيعى أن يستغل الإنسان الأوراق المتاحة أمامه، وهذا ما نراه حتى فى فئة الإعلاميين الذين ينادون بأشياء عكس ما يفعلون حقيقة.
 
 
 
يختلف مع الرأى السابق الكاتب أحمد أبو خنيجر، الذى يرى أن هذه الشخصيات المستغلة التى تروج لشيء لا تؤمن به موجودة فى الإعلام والصحافة والأدب أيضا، ويعتقد أن هذا النموذج غالبا ما نجده فى الإعلام والصحافة، وقد انتشر هذا النموذج نتيجة عدم وجود رقيب على شيء، فكل شخص يقول ما يريد دون أن يحاسبه أحد وهذا من ضمن أوجه الفساد فى البلد فلا قانون رادع نحتكم إليه فنجد بعض الكتاب يكتبون ما يروق لهم ولا يطبقونه على أنفسهم، ومن يصدق هذا الكلام الذى يتشدق به هؤلاء المثقفون يكونون غالبا من الأفراد العاديين الذين يخضعون تحت ضغط الحاجة، خاصة أن هذه النوعية من المثقفين يتمتعون بألفاظ وأفكار براقة وأخاذة، وهذا يمتد للأدباء أيضا الذين يرسخون لأفكار وأهداف لصالح جهة ما بعينها.
 
 
 
ويؤكد الكاتب باسم شرف أن مثل هذه النماذج ستظل بيننا فى المجتمعات النامية والتى نمثل أحدها لأن هذه المجتمعات ينتشر فيها الفساد بل إن هذه هى الشخصيات المسلط عليها الضوء والمحتفى بها طوال الوقت ولأنهم أمام الجميع يعدون من النماذج والشخصيات الناجحة فى المجتمع يحتذى بهم البسطاء ويتخذونهم قدوة رغم أن هدفًا مثل هذه النماذج ينحصر فى الكسب السريع فى المقام الأول سواء كان كسبا ماديا أو معنويا وقد رأيت هذا ينتشر فى جميع المجالات ليس فى مجال الكتابة فقط وبعض هؤلاء يعملون تبعا لتوجيهات الأمن لهم ليس توجيهات مبادئهم وأفكارهم الخاصة.
 
 
 
وترى الكاتبة سهير المصادفة أن بعض مقدمى البرامج الحوارية يوجهون مجتمعًا بأكمله لمصالحهم الشخصية، وأن هذا النموذج انتقل من زمرة المثقفين إلى زمرة الإعلاميين وتخص بالذكر منهم مقدمى البرامج الحوارية الذين انتقلوا من مضمار الصحافة إلى مضمار الإعلام وتقديم البرامج فهى تشعر بأنهم يوجهون المجتمع بأكمله لمصلحتهم الشخصية وتشير إلى أنها ليست ضد ان يتم الدفاع عن اى حزب مثلا ولكن ضد أن تخفى حقائق وتظهر حقائق أخرى وهذا ما تقول انه يحدث كل يوم.
 
 
 
وتضيف: هذه الشخصية لم يعد لها مكان بين الأدباء كما كان فى فترة من الفترات، ومن يصدقون هؤلاء وينساقون وراءهم عادة ما يكونون من الناس البسيطة التى لا تقرأ، ولذلك فكرهم لا يزال محدودا يحتاج إلى أن يساق فكريا وثقافيا، ولهذا كان دور محفوظ مهما فهو أرخ جيدا لأنه ألم بعصره وبمجرياته.
 
 
 
ويقول إبراهيم عبدالمجيد: أمثال هؤلاء من المثقفين يوجدون بكثرة فى العصور الشمولية أكثر من العصور الليبرالية، يثيرون أفكارا تقدم للناس تبعا لأهدافهم، ولكنه يعتقد أن هذا المثقف لو كان صحفيا يكون تأثيره أقوى، لأن قراءه أكثر والنظم الشمولية تكون ولاؤها أكثر للأفراد المتحققين وليس للعامة الكادحين أو البسطاء، وخطورة هذا الصحفى المثقف انه يخاطب الرأى العام نحن لدينا فى مصر عادة فرعونية ان كل عصر يأتى يكشف مساوئ العصر الذى يسبقه فمثل هؤلاء النفعيين والانتهازيين يكشف عنهم الستار يوما ما.
 
 

سهير المصادفة
 
ويقول الكاتب الطاهر شرقاوى دائما ما تبدو شخصية رءوف علوان الروائية مثيرة للبحث والتأمل، ومن القدرة البارعة على تصويرها فى الرواية يبدو وكأن نجيب محفوظ استلهمها من شخصية واقعية يعرفها، عموما رءوف علوان شخصية قديمة ومتواجدة فى كل الأزمان تقريبا، وفى كل المهن والأعمال، تلك الشخصية الانفصالية التى تقول خلاف ما تفعل، ولأن المثقفين والكتاب والصحفيين أناس مثلهم مثل بقية الخلق فبالتالى وجود هذه الشخصية بينهم وارد، أود أن أقول إننى تعلمت أن أفصل فى نظرى إلى الأشخاص بين السلوك الشخصى وبين الإبداع، وربما يكون هذا الفصل الذى نجحت فى إقامته داخل رأسى قد أراحنى كثيرا فلم يعد وجود تلك الشخصية مقلقًا لى أو حتى مثير للاشمئزاز، باعتبار أن السلوك البشرى دائما ما يكون غريبا وغير متوقع، وبالتالى استطعت أن أقرأ الإبداع بدون أن أجعل شخصية الكاتب عنصرا مهما فى عملية التلقى، ورءوف علوان موجود فى المجتمعات الأخرى، وفى الغرب أيضا، ويكفى أن نقرأ السير الذاتية لنرى ما يمكن أن نصفه بالأمور اللا أخلاقية والتى قد تصدر عن كتاب كبار ... ويبدو أن نجيب محفوظ كان مهتما برصد تلك الشخصية لأنها ظهرت فى روايته «الحب فوق هضبة الهرم» .. عندما اكتشف بطل الرواية زيف كاتبه الصحفى المفضل.
 
 
 
فؤاد قنديل
 
ويقول الكاتب هانى عبدالمريد: هذا النموذج هو المثقف الخائن والوسط الثقافى ملوث بهم، يخون بلده ومبادئه وقيمه العليا لصالح قضيته ومصلحته الخاصة، ولكن المشكلة أن مثل هؤلاء المثقفين يكونون أكثر إقناعا نظرا لتمكنهم من الإقناع، وأنا شخصيا لدى قناعة قديمة بأن الوسط الثقافى به نسبة تلوث كبيرة، ومع الأسف نحن نعيش فى مجتمع يعتبر الكاتب والمثقف مرجعا وصاحب مصداقية وعلم، ولا يعيد التفكير فيما يطرح عليه من أفكار.
 
 
 
 
أحمد أبو خنيجر