الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نجيب محفوظ .. راهب فلسفة الجمال




 
احتفالا بمرور ذكرى ميلاد الأديب المصرى العالمى نجيب محفوظ المولود فى 11 ديسمبر 1911، وتوفى فى 30 أغسطس 2006، نواصل تقديم شهادات حول حياة وكتابة أديب نوبل من عدد من الأدباء والمثقفين الذين عاملوه عن قرب.
 
 

 
يوسف الشاروني: لقد أرسى نجيب محفوظ دعائم الرواية المصرية، ومهد طريقها لمن يتلوه من أجيال، ولو رجعنا إلى شباب نجيب محفوظ سنجد أنه قام بمحاولات يتلمس فيها طريقه الأدبي، فقد عالج الشعر فى مرحلة مبكرة، من عمره وذلك على إثر تجربة عاطفية مر بها ثم اتجه إلى دراسة فلسفة الجمال، ومر بأخطر مرحلة فى حياته حيث كان يقول: كنت أمسك بيد كتابا فى الفلسفة، وفى اليد الأخرى قصة طويلة من قصص توفيق الحكيم أو يحيى حقى أو طه حسين، وكانت المذاهب الفلسفية تقتحم ذهنى فى نفس الحظة التى يدخل فيها أبطال القصص من الجانب الآخر، ووجدت نفسى فى صراع رهيب بين الأدب والفلسفة، ومنذ عام 1936 سار نجيب محفوظ فى الموكب الأدبى حتى صار أحد الذين يتولون قيادته، وكانت ميزته الأولى أنه كاتب متطور فى موضوعاته وأسلوبه، يحاول دائما أن يجدد نفسه ويكتشف كل يوم عالمه المتغير، وكان الأثر الذى يتركه نجيب محفوظ فى نفوس قرائه بعد قراءة رواياته يشوبه التشاؤم بسبب هزيمة أبطاله وضعف شخصياته، وقد يحدث لهم بعد فوات الوقت تغير فجائى تكون نتيجته أنهم يدفعون ثمنه فادحا مثلما حدث لكامل بطل السراب، وعباس الحلو أحد أبطال زقاق المدق، وحسنين فى بداية ونهاية.
 
وكانت الطبقة الوسطى البيئة الاجتماعية التى تناولها محفوظ فى رواياته، كما كانت القاهرة البيئة المكانية التى يتحرك فيها أبطاله، وقد عبر محفوظ عما يضطرم فى هذه الطبقة من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها، وعن الحرص والحذر الذى يتسم به موقف بعض أفرادها والحياد الدقيق الذى يتسم به موقف البعض الآخر.
 

 
الروائى محمد جبريل: لقد أعلن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل فى وقت كانت الحياة المصرية تنشد نسمة هواء مصدرا للفرحة، باعثا على تجديد الثقة بالنفس، وكل شىء كان دافعا للإحباط، وأن لا أمل من قراءة رواية الحرافيش، والفتوة، فأعمال نجيب محفوظ تعبر عن حالين متناقضتين: القهر وهذا شأن معظم فتوات نجيب محفوظ، والمدافع وهم قلة مثل عاشور الناجى فى الحرافيش، والحبيبة شخصية أساسية فى أعمال نجيب محفوظ، وعاطفة الحب لا تكتمل بتكامل الروح والجسد، والعقل والقلب فى تحقيق السعادة للإنسان المحب، المحب عنده واحد من اثنين: إما كمال عبد الجواد الذى يكشف حبه لعايدة بما يجعلنا نحس برفيف أجنحة الملائكة حولها، وإما ياسين عبد الجواد الذى لا يعرف من الحب إلا الشهوة البهيمية، ولا يعرف فارقا بين العشق والزواج.
 
ثم يفسر جبريل سر تأجيل نجيب محفوظ لزواجه حتى وصل إلى الثانية والأربعين من عمره، بأنه كان نتيجة خوفه من أن يعطله الزواج وما يترتب عليه من مشاغل الأسرة والأبناء عن إنتاجه الإبداعي، فلما توهم أنه قد انتهى من الإبداع بعد الثلاثية قرر الزواج، وكان فى ذلك متأثرا بالعقاد ومتابعة حياة المتزوجين فى أسرته.
 
وأشار جبريل إلى بعض الشخصيات الواقعية التى استوحى منها نجيب محفوظ شخصياته الروائية مثل «عائشة» صغرى الاختين فى الثلاثية، التى استمدها محفوظ من فتاة اسمها عائشة لم تجاوز التاسعة من عمرها لكنها كانت أقوى شخصية بين البنين والبنات فى «الكتاب» الذى أمضى فيه نجيب محفوظ أعوام تعليمه الأولى، ومثل بطل السراب «كامل» واسمه الحقيقى حسين بدرالدين، الذى كان ثريا ضيع كل ما يملك حتى لجأ إلى التسول، وسعيد مهران بطل «اللص والكلاب» مستمدا شخصيته من شخصية أحد السفاحين واسمه محمود أمين سليمان.
 
 

 
 وقال الروائى إبراهيم عبدالمجيد: عندما بدأ نجيب محفوظ مشروعه الروائى بكتابة الروايات الفرعونية كان متأثرا بمشروع جورجى زيدان العربى الإسلامي، لكنه وهو الابن البار لثورة 1919 كان ولاؤه الأكبر للفرعونية، لكنه سرعان ما انحرف بموضوعه من التاريخ إلى الفن، وتخلى عن فكرة تقديم تاريخ مصر من خلال الرواية، إلى تقديم الرواية ذاتها كجنس أدبى خطير، ولقد استقر الرأى بين نقاد الأدب على أن «اللص والكلاب» هى بداية مرحلة ما بعد الواقعية، لكن المؤكد أن «أولاد حارتنا» التى كتبها عام 1959 هى أيضا كانت رواية تجريبية من حيث استلهامها للكتب المقدسة لأول مرة فى تاريخ الرواية العربية، وقد حدث تأثيرا متبادلا بين نجيب محفوظ وكتاب القصة القصيرة فى الستينيات، وظهر ذلك واضحا فى مجموعته القصصية «تحت المظلة» التى نشرت قصصها عام 1968 بعد هزيمة يونيو 1967، وكان المجتمع المصرى فى حالة انهيار وتفتت بسبب الهزيمة، والعالم كله كان فى حالة غليان وثورة وغضب من الشباب والحركات الثورية، لكن فى المقابل هذا التأثير جاء ضعيفا من قبل نجيب محفوظ على الروائيين بعده أمثال صنع الله إبراهيم وبهاء طاهر وجميل عطية إبراهيم ورضوى عاشور والغيطانى والقعيد ويحيى الطاهر عبدالله وإبراهيم أصلان وإبراهيم عبد المجيد وسلوى بكر ومحمد المنسى قنديل، فالقاهرة لا تشغل مساحة كبيرة عند أى منهم، ثم أنهم غير معنيين بقضايا الوجود والمصير الإنسانى الكبرى، كما هو الحال فى اللص والكلاب، والشحاذ، والطريق، والحرافيش، وأولاد حارتنا، كما أنهم فتحوا باب التجريب فى الرواية على مصراعيه.