الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كنت شاهدًا على أخونة وخيانة «الجزيرة»

كنت شاهدًا على أخونة  وخيانة «الجزيرة»
كنت شاهدًا على أخونة وخيانة «الجزيرة»




مصطفى كفافى يكتب:

لم يكن مكتب الجزيرة بالقاهرة إلا نموذجا متمردا على تناول الإعلام لجميع ملفات الوطن فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.. كان الصحفى التليفزيونى حسين عبد الغنى مدير المكتب آنذاك واحدًا من الصحفيين القلائل المشهود لهم بالكفاءة حين عهد إليه بتأسيس وإدارة هذا المكتب.
كُنت وقتها مذيعا لنشرات قناة النيل للأخبار وسافرت مع هذه التجربة الإخبارية المصرية إلى اهم مناطق النزاع.. الأراضى الفلسطينية، حيث قمت بتغطية الانتخابات التشريعية 2005 التى فازت بها حركة حماس ثم حرب تموز لبنان 2006 وصولًا إلى الصراع فى إقليم دارفور بالسودان وهو ما رفع من سقف طموحاتى المهنية للانطلاق نحو تجربة إخبارية أخرى بعد العمل فى النيل للأخبار من عام 2002 حتى عام 2009.. إلى تجربة أكبر تتيح لى التنقل فى هذه المناطق الخطرة.
نجحت فى اختبار المراسلين بالجزيرة رغم دخول عشرات الصحفيين التليفزيونيين فى مصر فى هذا الامتحان.. شفع لى وقتها صغر سنى.. وسفرى لبعض مناطق النزاع.
كانت النيل للأخبار وقتها المدرسة المدافعة عن الحكومة والدولة وكانت الجزيرة على النقيض تماما تكشف المستور وتقرأ ما وراء السطور.
كانت الجرأة هى الدافع وحرية السفر هى الهدف.. أبهرتنى آليات العمل التليفزيونى المتقدمة تكنولوجيا وأبهرتنى الإمكانات اللوجستية لهذه المحطة الإخبارية.
ومع مرور عدة أشهر اكتشفت أن كلمة الانحياز للإخوان ليست بالأمر الهين بل إن الكلمة الحقيقية هى التبعية المطلقة لا جندة الجماعة ومحاولة تسويقها فى أى خبر أو محفل عبر أعضائها دائمى التردد على المكتب.. وإن مدير المكتب الوافد حديثا من الدوحة عبد الفتاح فايد والذى حل محل حسين عبد الغنى ما هو إلا رسول الدوحة إلى المكتب من أجل أخونته.
وإن أحد أسباب غضب الدوحة على مديرها السابق بالقاهرة حسين عبد الغنى هو محاولته التوازن بين أطياف المعارضة وهو الأمر الذى أغضب قيادات إخوانية بالقاهرة ودفعتهم للشكوى من عبد الغنى إلى إدارة المحطة.
وانقلبت وقتها آليات العمل بالمكتب إلى ما لا تحمد عقباه.. واستبدل التحيز الخفى للجماعة بشكل فج صارخ.. حتى يثبت فايد الضعيف مهنيا كفاءته فى إدارة هذا الملف.
كان من المنطقى عند التحضير لإعداد قصة إخبارية عن رغيف الخبز أن تكون هناك ثلاثة محاور:
مواطنون.. مسئول.. صحفى محايد.
على قاعدة الرأى والرأى الآخر والرأى المحايد.
وكان الخلاف دائما ما ينصب على الضيف الذى من المفترض أن يكون محايدا.
فتقترح أن يكون صحفيا متخصصا فى تغطية هذا الملف فيأتى الرفض ويفرضون عليك أن يكون صحفيا إخوانيا ولا يهم إن كان متخصصًا فى هذا الملف من عدمه المهم أن يكون إخوانيا وليس معارضا فقط.. كان يمنع منعا باتا دفع مكافأة للضيف الذى ينتمى الى أى حزب سياسى معارض أو حكومى.. كان ضيوف الإخوان لهم نصيب الأسد من المكافآت.. ووصل الأمر إلى نقل تفاصيل المكتب إلى الدوحة والشكوى من أى شىء يقوض من فرض سطوتهم على المكتب.. وسط تذكر مكتوم من المصورين والصحفيين العاملين بالمكتب.
غطيت من مكتب القاهرة الانتخابات البرلمانية لعام 2010 وشاهدت حرص المحطة على وضع كاميرات مخصوصة للدوائر التى تخوض فيها أسماء إخوانية بارزة، المعركة الانتخابية..
تدخل فايد فى جميع تفاصيل هذا التسويق الإخوانى بعد تجهيز الدوحة له وإطاحتها بالشخص الذى حاول التوازن فى عرض وجهات نظر المعارضة.. وليس المعارضة والحكومة.
يومًا بعد الآخر اكتشف زيف شعار الجزيرة الرأى والرأى الآخر وأتأكد بالدليل القاطع أن المحطة للتسويق لأفكار وأجندة الجماعة وأجد نفسى مضطرا بعد الدخول فى هذا المعترك إلى أن أسوق لهؤلاء بعد دراسة وعمل فى مهنة الصحافة التليفزيونية تلزم الشخص أخلاقيا أن يلتزم الحد الأدنى على الأقل من الإنصاف.
وتظل تكتشف أن النيل للأخبار بكل مساوئها وبيروقراطيتها كانت أشرف وأكثر مهنية وإنصافا من الجزيرة.
وبدأت ثورة يناير.. وعملت الجزيرة على نقل محطات التمركز والانطلاق بالتظاهرات.. تحددت على الهواء الساعة ويعاد التجمع وتنقل بالصوت والصورة تفاصيله.
تحريض واضح على الثورة بدلًا من نقل وجهتى النظر.. ثم أتى الاجتماع الذى جمع عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية بأطياف المعارضة فى ميدان التحرير وكان من بينهم القيادى الإخوانى عصام العريان الذى عقد مؤتمرا صحفيا بعدها لعرض ما تم بهذا الاجتماع.
من خبرتى فى التعامل مع هذه الجماعة الانتهازية علمت أن لقاؤهم مع سليمان لا بد أن تكون فيه صفقة تفاوض... وكشفت الأيام بعدها أنهم طلبوا من سليمان الانسحاب من الميدان مقابل إنشاء حزب سياسى إلا أن الرفض كان إجابة قاطعة من ثعلب المخابرات المصرية.
رفعت يدى وسألت العريان فى هذا المؤتمر: على أى أساس تفاوضتم مع سليمان.. النظام يراكم جماعة محظورة قانونيا وأنتم تنادون بإسقاطه... إذن على أى أساس أتى اللقاء... من أجل أى هدف.. لا بد أن يكون هناك هدف لكم.. ماهو؟ لم يرد العريان واكتفى بجمل انشائية فضفاضة لا تسمن ولا تغنى من جوع.. سألته مرة أخرى على أى أساس تعقد مؤتمرا صحفيا للحديث باسم الثورة وأنت شخصيا قلت لى عن شباب الثورة «إنهم شوية عيال مش حنضيع وقتنا معاهم».
أعترف بأن السؤال كان مزعجا جدا للعريان... ورغم أن الروح الصحفية بعد المؤتمر كانت من الزملاء المشاركين مؤكدة قوة الأسئلة إلا أن عبد الفتاح فايد مدير المكتب الإخوانى كان له رد آخر.
طلب منى العودة سريعا للمكتب من أجل لقائه منفردا.. وأول ما قاله: إنت إزاى تهاجم الدكتور العريان؟ وكان ردى: والله الدكتور العريان هو ضيف وأنا صحفى تليفزيونى مهنى لا يهمنى إن كان إخوانيا أو يستطيع التواصل هاتفيا لصناع القرار فى الدوحة.. أنا أريد واجبى وهذا ما رأيته.. طال النقاش وامتد فى هذه النقطة حتى وصل إلى كلمة واضحة من فايد.
إنت يا مصطفى اشتغلت فى النيل للأخبار وإن كان الخط الأحمر فى النيل للأخبار هو مبارك فالخط الأحمر فى الجزيرة هو جماعة الإخوان.
انترعت هذا التصريح من فايد وخرجت وانا على يقين انتى لن أستطيع الاستمرار فى هذه الأجواء التى تبتعد عن كل ما طمحت إليه من مهنية واحتراف.. وأدركت أن العمل فى أجواء التليفزيون الحكومى أنقى من هذا الدنس.
آخر لقطة كانت لى على الجزيرة يوم التنحى يوم جمعة الزحف كُنت وقتها أمام بوابة الحرس الجمهورى بصلاح سالم.. حيث أقيمت صدادات حديدية أمام منزل مبارك.. نقلت على الهواء نزول المروحيتين إلى قصر الاتحادية وإعلان التنحى على الهواء.
تركت الجزيرة يوم واحد مارس بعد أن استوطنتها قادة الجماعة وبدأوا فى إملاءات صريحة على فايد..
قامت الجزيرة وقتها قبل إنشاء الجزيرة مباشر مصر بعمل منتدى سمى بالجزيرة توك.. هل تتخيل أن هذا المنتدى النقاشى كان أعضاء جماعة الإخوان فى كل المحافظات هم من يتولون إرسال الأخبار له.. وعندما تسأل أين الصحفيون المهنيون لا تجد إلا ردودا على شاكلة: أهل مكة أدرى بشعابها..
تابعت إنشاء الجزيرة مباشر مصر من وقت انطلاقها حتى إغلاقها وتنبأت بسقوطها بعد ميلهم السافر فى نقل مظاهرات الإخوان والدفاع عنهم.. عرفت زملاء يجهرون بانتمائهم للجماعة كنوع من أنواع الحماية وفرض السيطرة.. وتأكدت بالدليل القاطع أن كل ما قيل عن الرأى والرأى الآخر كان محاولة لتجميل وجه قبيح يستتر خلف دعم إخوانى من جماعة سرية تسيطر على مقاليد الأمور عند صانع القرار بالدوحة.. وإن وصول الجزيرة لكل الانفرادات فى أفغانستان والشيشان وجميع مناطق النزاع كان بسبب تغلغلهم فى أوساط الجماعات الجهادية.
وعلمت أن استبعاد وضاح خنفر.. المسئول الإعلامى السابق لحركة حماس فى السودان والمدير العام للجزيرة سابقا بعد فضيحة مراسلاته السى آى إيه التى نشرتها ويكيليكس.. علمت أن استبعاده تمثيلية ويؤكد على هذا الأمر إنشاء الدوحة موقع هافينجتون بوست الذى يديره الآن خنفر بعد إقالته.
علمت أيضًا أن التصعيد يقوم فى المحطة على أساس انتمائك إما للتنظيم وإما لمشروع الدولة الإسلامية فى أى صورة.. إن كنت صحفيا مهنيا تريد العمل بحرية فتأكد أن الأمر بالغ الصعوبة مع أجندة جماعة سرية تعمل من أجل إسقاط الأوطان.
يمول النظام القطرى أكثر من 87 موقعًا إخباريًا باللغتين العربية والإنجليزية وبعض هذه المواقع يدار أو يمول بالاشتراك مع شركات أمريكية مشبوهة وبعضها يدار بواسطة إسرائيليين!
يملك نظام قطر أكثر من 28 قناة موجهة باللغة العربية (دون شبكة قنوات الجزيرة وبين سبورت) 7 منها مخصصة لمصر أشهرها قناة مكملين و3 لليبيا و2 لليمن و2 لسوريا وأغلبها يبث من تركيا وقبرص.
تتبنى هذه المواقع والقنوات نفس الخطاب الإعلامى وتسير على نفس النهج... وتزيد تكلفتها السنوية على 12 مليار دولار.
كنت شاهدا على أخونة مكتب الجزيرة بالقاهرة... أعترف وأشهد أمام الله أنه كان المؤسسة الأولى بمصر التى تتم أخونتها قبل المحاولات الأخرى للجماعة التى انتهت بفضل الله بالفشل.