الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دراسة حديثة عن دار رؤية للنشر «الإسلام فى المغرب».. بعيون باحث أمريكى

دراسة حديثة عن دار رؤية للنشر «الإسلام فى المغرب».. بعيون باحث أمريكى
دراسة حديثة عن دار رؤية للنشر «الإسلام فى المغرب».. بعيون باحث أمريكى




كتب – خالد بيومى


بعنوان «الإسلام فى المغرب» صدر عن دار«رؤية للنشر والتوزيع» كتاب للباحث الأنثروبولوجى الأمريكى «ديل إيكلمان»، ونقله إلى العربية د.محمد أعفيف أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة محمد الخامس.
ويعد الكتاب دراسة حول الإسلام كما يتمثله الناس ويحبونه على المستوى المحلى فى غرب المغرب، والتى يشكل الضريح فيها قبلة للزيارة مثل الصالح سيدى «أمحمد الشرقى».
ويعرف المؤلف هؤلاء الصالحين بأنهم شخوص أحياء أو أموات يعتقد أن لهم «درجة» خاصة عند الله، تجعلهم فى وضع يمكنهم من القيام بدور الوسيط بين البشر وعالم الغيب، ومنح البركة لأتباعهم ومريديهم.
وعلى أساس هذا التصور، لعب الصالحون فى الماضى أدواراً دينية واجتماعية وسياسية واقتصادية فى مجتمعات الشمال الأفريقى بصورة عامة وفى المجتمع المغربى بصفة خاصة، فقد كونت شبكة المعتقدات المرتبطة بالصالحين والزوايا عنصراً مركزيا متكاملاً داخل رؤية منسجمة لكل من وقائع العالم الاجتماعى وعلاقة الإنسان بالغيب، وعندما نصل إلى القرن التاسع عشر نكتشف أن الزوايا والطقوس المرتبطة بالصالحين،  تشكل النمط المهيمن، وبدون منازع، فى الإسلام السائد فى مدن شمال أفريقيا وقراها.
واتخذ الباحث الزاوية الشرقية أو مدينة «أبى الجعد» جسماَ مجهرياً يمكن تعميم خصائصه على كيان المجتمع ككل، حيث يشارك كل سكان البوادى بشكل أو بآخر فى الأنشطة المرتبطة بالصالحين والزوايا إلى وقت قريب.
وفى الماضى كان معظم سكان المدن يشاركون فى هذا النمط من الأنشطة أيضاً.
ويقصد أضرحة «أبى الجعد» عشرات الآلاف من الزوار فرادى وجماعات على مدار السنة، إلا أن أكبر توافد عليها، يكون بمناسبة انعقاد الموسم السنوى الذى يقام للولى سيدى «أمحمد الشرقى» أواخر سبتمبر وبداية شهر أكتوبر من كل عام، فخلال أسبوعين يتضاعف عدد سكان المدينة، عندما يقصدها أتباع الزاوية الشرقاوية من الفرق القبلية التى تمكث كل واحدة منها ثلاثة أيام، تجدد خلالها العهد مع الزوايا ورجالها، وفى أوقات أخرى من السنة، يخرج أحفاد الولى الشرقاوى إلى البوادى لزيارة أتباعهم والدعاء لهم مقابل ما يتلقونه منهم من هدايا اعتادوا على منحها لهم، مما يؤدى إلى تنشيط العلاقات الاجتماعية، والاقتصادية.
وهذه الأنشطة لا تغيب عن بال المسئولين الحكوميين الذين يرون أن ما يرتبط بالصالحين والزوايا من طقوس وغيرها، ما هو إلا بقايا أيديولوجيا تنتمى إلى الماضى، ولا يعتقد فى صحتها إلا أقل الشرائح الاجتماعية تطوراً.
ويشير الباحث إلى أزمة الزوايا فى المغرب والتى تتمثل فى  تغير منظور الناس إلى حملة التصوف الشعبى غير المنظور الذى قصدوه فى البداية من دعوتهم إلى التصوف، وأصبحوا لأول مرة يقومون بعدد كبير من الأدوار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وأصبحت العامة ترى فى المعرفة الدينية عند هؤلاء أسراراً، تنتقل من شخص لآخر عبر أنماط العلاقات «القرابية»، وكانت معتقدات الصالحين والزوايا يُحافظ على بقائها فى إطار هرمية ضمنية يتراتب فيها أولئك المتميزون بالمعرفة أو «الأسرار» وبقية أفراد المجتمع الذين  ليس باستطاعتهم الوصول إلى تلك الأسرار.
ويؤكد الباحث أن معتقدات الزوايا أعطت صيغة للإسلام، كانت ذات دلالة مهمة بالنسبة للقبائل وسكان المدن طيلة أربعة قرون، حيث تمت صياغتها فى مجتمع يحافظ عليها وارتبط استمراريتها بسيرورة اجتماعية خاصة، ولم تكن مجرد أفكار أفلاطونية مجردة، كما أن أيديولوجية الزوايا أبعد من أن تكون أيديولوجية ساكنة، حيث استمدت هذه الأيديولوجية حيويتها أساساً من مرونتها وقدرتها على التكيف مع المواقف المختلفة التى وجدت فيها، وفى المدن ظهرت بدائل أخرى من أنماط المعتقدات الإسلامية، أعطت صيغة مثالية لما يجب أن تكون عليه علاقة الإنسان بقوى الغيب. وابتداءً من أربعينيات القرن العشرين لوحظت دلائل تغيرات مماثلة فى البوادى، وذلك بعد أن طغى التعامل المادى بين الزاوية وأتباعها، إذ أصبحت الهدايا التى كانت تقدم عيناً «مواشى، حبوب» تعطى نقداً للزاوية، الأمر الذى عمل على تنامى شعور الاتباع، مما دفعهم إلى إعادة تقييم علاقتهم بالصالحين والزوايا تقيييماً ذرائعياً.
ويفسر الباحث تراجع دور الصالحين بالمجتمع المغربى إلى تنامى الفوارق الاجتماعية، الذى ساعد على الإسراع بها، وإقرار نظام الحماية بالمغرب  عام 1912 الذى أحدث بلبلة فى أفكار كثير من المغاربة، وعلى قيام ثورة فى النشاط الأيديولوجى الظاهر، ففى البداية  ازداد تقبل الناس للتيارات الأيديولوجية الموجودة آنذاك فى المشرق الإسلامى، حيث إن المسلمين فى تلك البقاع سبق لهم أن عانوا من تجربة الهيمنة الأجنبية التى لم يعان المغاربة منها إلا بعد إقرار نظام الحماية الفرنسية.