الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«العراف».. فرج فودة وقراءة الطالع العربى حكمة العالـِم أم حظ الدجال؟

«العراف».. فرج فودة وقراءة الطالع العربى حكمة العالـِم أم حظ الدجال؟
«العراف».. فرج فودة وقراءة الطالع العربى حكمة العالـِم أم حظ الدجال؟




كتبت- مروة مظلوم

ندرة هم من أطلوا بأفكارهم خارج الصندوق.. من  تصوروا الأمور بشكل مختلف عن النمط التقليدى للتفكير.. طمعاً  فى أن تمتد رؤيتهم لأبعاد وربما أزمان مختلفة.. والأمر يتجاوز التطور العلمى إلى الأفكار والمعتقدات لدى البشر، فهى تمثل ما يؤمنون به وما يعتقدون به فى هذه الحياة وكيف نشأت وكيف ستنتهى ولماذا جاءوا وغيرها مما نجده مختلفاً بين شخص وآخر ومكان وآخر، بل وبين زمان وآخر؟.. من هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم إخراج أفكار الصناديق المغلقة كان د.فرج فودة.
ربما جيل «الفيس بوك والتويتر» لا يعلم من هو «فرج فودة»، وربما مر اسمه بشكل عابر مقترناً بحادثة مقتله إثر اعتداء إرهابى طاله على خلفية آرائه وكتاباته التنويرية، الداعية إلى محاولة الوصول إلى فهم أكثر استنارة  للإسلام، «فرج فودة» لمن لا يعرفه هو مفكر ذو طبيعة صدامية وأحد رموز التيار العلمانى العقلانى فى مصر والعالم العربي.

 

لعب فودة دوراً مهمًا فى الحياة الإبداعية والفكر العربى المعاصر، وكرّس كتاباته للدفاع عن حرية الفكر والتعبير والمعتقد، وحرية الإبداع الثقافى والفني، وأمن دائماً بأن المستقبل هو للتنوير والعقلانية وللخلق والإبداع وليس لجيوش الردة والظلام والعودة إلى الوراء.. وفى طريقه لنشر فكره اصطدم برجال الدين أو التكتلات الدينية فى هذا الوقت، إذ احتدم الجدل حول كتاباته وتضاربت الآراء وتصاعدت حتى بلغت حدا كبيرا من العنف أدى فى النهاية إلى اغتياله، فقد كان يدعو إلى فصل الدين عن الدولة، ويرى أن تحكيم الشريعة من الرجعية لأن الزمن تغير، والأحوال تغيرت، وكان يدعو إلى أن تكون الدولة مدنية بعيدة عن الدين..
■ العراف «فودة»
كان فودة سابقا لعصره من حيث قدرته على قراءة واستشراف المستقبل فاقت كل توقع وكل تصور، فهو لم يكن مجرد مثقف مصرى يحلم بدولة مدنية عمادها العدل.
فقد كان يرى ويستشعر خطورة وحجم تمدد الفكر المتشدد والمتطرف فى غزو البلاد العربية تحت راية  الإسلام، جدد أفكاره وطور أدواته ووجد أن أسهل طريقة لغزو الدول هو تدميرها ذاتيا من الداخل وباسم الدين.
نظرة فودة المرعبة للمستقبل كانت أشبه بنبوءات الدجال الذى ضرب الحظ باب عقله فى المساء بأحداث وقعت وتقع إلى الآن، توقع فودة سقوط  صدام، وقال إن صدام وضع أول مسمار فى نعش نظامه، وكتب نهايته بيده بغزو الكويت، كما توقع انقسام العراق لعدة دول بعد سقوط صدام وتصفية الجيش العراقى تماماً، وهو ما حدث بعد حوالى 11 عاماً من وفاته، كما توقع تقسيم العراق لمناطق  طائفية  سنية وشيعية وكردية وهو ما يبدو أنه يمهد له الآن.
كما كشف فودة فى كتاباته أن إيران ستحدث فتنة فى العالم الإسلامى والعربي، وستستخدم ورقة الدين لمحاولة تصدير ثورتها وتوسيع إمبراطورتيها، كما ستعتمد على الميليشيات الشبابية المسلحة، وستكون شرارة الفتنة بين المسلمين من خلال تقسيمهم لسنة وشيعة.
وحذر من خطر الثورة الإسلامية لعدم امتلاك الإسلاميين برامج سياسية أواقتصادية حيث سيؤدى ذلك فى النهاية إلى انهيار الدول ونشر الفتن والانقسامات والقتل والخراب، وذكر أن نمو الإسلام السياسى هو جزء من اتجاه عام فى جميع البلاد الإسلامية، يمكن أن يطلق عليه اسم الثورة الإسلامية، وأن هذا الاتجاه العام، بنجاحه فى إيران، قد أحدث انقلاباً جوهرياً فى أساليب ووسائل الأحزاب السياسية الإسلامية فى العالم الإسلامي، حيث طرح منطق الثورة الشعبية، أو التغيير العنيف، كبديل لأسلوب التعايش مع النظم الديمقراطية والعمل فى ظلها.
كما أشار فرج فودة أن الصراع العربى الإسرائيلى فى طريقه للتآكل بعد معاهدة السلام، وأكد أن صراع الشرق الأوسط سيتحول إلى إيران، أما الصراع المسلح فسوف يتجه إلى الجنوب حيث مصادر المياه داعيا لتأمين منابع مياه النيل ومساره.
واعتبر المفكر الراحل أن الإسلام على مفترق طرق، طريق منها يدفع نحو حمامات الدم نتيجة للجهل وضيق الأفق وانعدام الاجتهاد المستنير، وطريق آخر أن يلتقى العصر والإسلام، وسبيله الوحيد هو الاجتهاد المستنير، والقياس الشجاع، ولذلك اهتم بتعريف حدود الاجتهاد، وتطبيقاته.
■ المناظرة القاتلة
طبيعة فودة الصدامية فى كتاباته قادت خطواته إلى نهاية مأساوية، وبداية  النهاية كانت فى مناظرة شهيرة بطلاها فودة والشيخ محمد الغزالي، وقبل المناظرة كانت هناك موجات تصعيد من تنظيمات متطرفة ضد فودة بسبب آرائه وأفكاره أدت إلى ما حدث فى 8 يونيو،حيث أنه فى الأول من يونيو 1992 أعلنت الهيئة العامة للكتّاب برئاسة الدكتور سمير سرحان، عن مناظرة فى معرض الكتاب بعنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية»، شارك فيها الشيخ محمد الغزالي، والمستشار محمد مأمون الهضيبي، المتحدث باسم جماعة الإخوان حينها، ود.محمد عمارة، فى مواجهة فرج فودة، ود.محمد أحمد خلف الله، العضو بحزب التجمع، وانتظر الجميع هذه المناظرة النارية التى سبقتها حملات إعلامية محمومة وحشد من جانب الجماعات المتطرفة التى حاولت تهيئة الرأى العام لعدم تقبل أفكار فرج فودة والادعاء بكفره وإلحاده وارتداده عن الدين.
نتيجة لهذا الحشد الإعلامى حضر المناظرة التى أقيمت فى استاد القاهرة ما لا يقل عن 30 ألف شخص أغلبهم من أنصار الجماعات المتطرفة والإخوان، وسط هتافات مدوية واعتراضات وصيحات وهتافات ضد فودة الذى لم يكن قد بدأ الحديث بعد.. قبل المناظرة بأيام قليلة أصدرت جبهة علماء الأزهر بيانا ناريا ضد فودة، وطالبت لجنة شئون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه الجديد الذى أطلق عليه اسم المستقبل، وزادت فى بيانها قسوة عندما اتهمت فودة بالكفر وأوجبت قتله ونشرت صحف موالية ذلك البيان، وتلقفته أيادى أنصار الجماعة الإسلامية وأعدوه كمنشورات وزعوها فى المناظرة .
بدأت المناظرة بكلمة للشيخ الغزالى ذكر فيها أهمية الحفاظ على الهوية الإسلامية وتبعه المستشار الهضيبى المتحدث باسم الإخوان، الذى ركز على أهمية أن يكون الجدال والنقاش بين «الدولة الإسلامية» و«الدولة اللا إسلامية» مؤكدا أن الإسلام دين ودولة وليس دينا فقط، وخلال تلك الكلمات كانت الصيحات تتعالى والصرخات تشتد والحناجر تزأر، وتخيف كل من يعترض على أحاديث الغزالى والهضيبي.
فرج فودة كان آخر المتحدثين، أمسك الميكروفون بثبات ورباطة جأش، رغم الحرب النفسية التى شنها عليه أنصار التيارات المتطرفة، وبدأ كلامه للرد على ما دار من حديث، بالإشارة إلى دولة الخلافة وما بعد الخلافة الراشدة، مُستشهدًا بكلمات للإمام الغزالى نفسه تؤكد ذلك.
أفحم فودة الحاضرين باستشهاده بكلمات لهم أنفسهم، ووفقا لما ذكرته صحف مصرية فقد قال فودة إن الشيخ الغزالى ذكر أن الإسلاميين منشغلون بتغيير الحكم أو الوصول إلى الحكم دون أن يعدوا أنفسهم لذلك، كما أشار إلى ما قدمته بعض الجماعات المحسوبة على الاتجاه المؤيد للدولة الدينية، وما صدر عنها من أعمال عنف وسفك للدماء كما استشهد بتجارب لدول دينية مجاورة على رأسها إيران قائلًا إذا كانت هذه هى البدايات، فبئس الخواتيم، ثم قال للجميع الفضل للدولة المدنية أنها سمحت لكم أن تناظرونا هنا ثم تخرجون ورؤوسكم فوق أعناقكم، لكن دولا دينية قطعت أعناق من يعارضونها .
وأضاف فودة فى المناظرة: «لا أحد يختلف على الإسلام الدين، ولكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية، وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة، رؤية واجتهاداً وفقهاً، الإسلام الدين فى أعلى عليين، أما الدولة فهى كيان سياسى وكيان اقتصادى واجتماعى يلزمه برنامج تفصيلى يحدد أسلوب الحكم».
وذكر فودة فى المناظرة كما تروى الصحف المصرية قائلا: «أنا أقبل أن تهان الشيوعية ولكنى لا أقبل أن يهان الإسلام، حاش لله، أما أن يختلف الفرقاء فى أقصى الشرق وأقصى الغرب، ويحاولوا توثيق خلافاتهم بالقرآن والسنة ومجموعة الفقهاء، حرام، حرام، نزّهوا الإسلام وعليكم بتوحيد كلمتكم قبل أن تلقوا بخلافاتكم علينا، قولوا لنا برنامجكم السياسي، هؤلاء الصبيان الذين يسيئون إلى الإسلام بالعنف وهو دين الرحمة، هؤلاء الصبيان منكم، أم ليسوا منكم؟
التنظيم السري
إذا كان التنظيم السرى جزءاً من فصائلكم أم لا، تدينونه اليوم أم لا؟ هل مقتل النقراشى والخازندار بدايات لحل إسلامى صحيح؟ أو أن الإسلام سيظل دين السلام، ودين الرحمة، والدين الذى يرفض أن يُقتل مسلم ظلماً وزوراً وبهتاناً لمجرد خلاف؟ .
■ «اقرأ» مفتاح الإجابة
ويختم فرج فودة كلمته قائلاً: «القرآن بدأ بـكلمة اقرأ، وسنظل نتحاور لنوقف نزيف الدم ونصل إلى كلمة سواء، وأنا أؤكد لكم أنه ليس خلافاً بين أنصار الإسلام وأعدائه، هو خلاف رؤى، وهذه الرؤى لا تتناقض مع الإسلام، لكن الفريق الذى انتمى إليه لم ير أبداً أن الإسلام دين العنف، الإسلام هو دين القول بالتى هى أحسن، ولأجل هذا نحن ندين الإرهاب لأنه قول وفعل بالتى هى أسوأ، التاريخ نقل إلينا حوار أبى حنيفة مع ملحد، كان الحوار بالحروف لا بالكلاشينكوف أدعو الله للجميع أن يهتدوا بهدى الإسلام وهو دين الرحمة، وأن يهديهم الله ليضعوا الإسلام فى مكانه العزيز بعيداً عن الاختلاف والفُرقة والإرهاب، وعن الدم والمطامح والمطامع».
انتهت المناظرة وشعر الجميع أن فودة أطلق كميات من الثلج على رءوسهم، فقد توقفت الصيحات وتحولت لهمهمات، واختفت الصرخات وحلت محلها أصوات تصفيق الحاضرين من المؤيدين للدولة المدنية ولفودة، وبعدها بأسبوع كان المفكر المصرى فى رحاب ربه بسبب كلماته فى هذه المناظرة، الأمر الذى جعل د.سمير سرحان رئيس الهيئة العامة للكتاب يبكى بحرقة لشعوره بالذنب ولكونه وراء خروج فكرة هذه المناظرة التى أودت بحياة المفكر الكبير، وأعتمد قاتله عبد الشافى  رمضان على فتوى لعمر عبد الرحمن مفتى الجماعة الإسلامية بقتل المرتد.

■ مؤلفات فودة
قدم فودة للمكتبة العربية عدة مؤلفات قيمة منها: «الحقيقة الغائبة، حوارات حول الشريعة، الطائفية إلى أين؟ الملعوب، نكون أو لا نكون، حتى لا يكون كلاما فى الهواء، النذير، الإرهاب، حوار حول العلمانية قبل السقوط». المفكر الراحل من مواليد بلدة الزرقا بمحافظة دمياط فى أغسطس 1945، حصل على درجة البكالوريوس فى الاقتصاد الزراعى من جامعة عين شمس فى يونيو 1967، وفى الشهر نفسه استشهد شقيقه الملازم محيى الدين فودة والذى كان يصغره بعام واحد فى حرب 5 يونيو 1967، ولم يتم العثور على جثمانه.
عمل معيداً بكلية الزراعة فى جامعة عين شمس، وحصل على درجة الماجستير فى الاقتصاد الزراعى عام 1975، ثم على درجة دكتوراه الفلسفة فى الاقتصاد الزراعى من جامعة عين شمس فى ديسمبر 1981، وكان عنوان رسالته: «اقتصاديات ترشيد استخدام مياه الرى فى مصر».
عمل مدرساً بجامعة بغداد فى العراق، ثم خبيرا اقتصاديا فى بعض بيوت الخبرة العالمية، ثم أسس مجموعة فودة الاستشارية المتخصصة فى دراسات تقييم المشروعات بالتوازى مع مهنة التدريس، اغتيل على يد متطرفين فى 8 يونيو من العام 1992.