الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مستشرق مجرى غواه حب الأزهر فارتدى «العمامة والكاكولا»

مستشرق مجرى غواه حب الأزهر فارتدى «العمامة والكاكولا»
مستشرق مجرى غواه حب الأزهر فارتدى «العمامة والكاكولا»




كتب – خالد بيومى


«جولد تسيهر» «1850- 1921» مستشرق مجرى،  يهودى الديانة، ارتحل إلى الشرق الأوسط عقب أن أرسلته وزارة التعليم المجرية إلى الخارج فى بعثة دراسية، وأقام فى سوريا والقاهرة، ويعدها «جولد تسيهر» من أسعد أيام حياته، حيث تضلع فى اللغة العربية على شيوخ علماء سوريا، وفى القاهرة درس بالأزهر وتعلم من شيوخه ما يدرسونه عن العقيدة الإسلامية والتشريع الإسلامى، ويعد تلميذا للسيد جمال الدين الأفغانى، وكان أول أوروبى يتلقى العلم بالأزهر، وقد أعجب بالزى الأزهرى وتزيا بزيه، وكان هذا بالنسبة لغيره من المستشرقين امتيازا عظيما.
وقد أصدرت هيئة الكتاب طبعة جديدة من كتابه الشهير «مذاهب التفسير الإسلامي»، وصدرت طبعته الأولى عام 1954.
ووصف د.عبد الرحمن بدوى منهجه بأنه كان يمتلك نوعا من التجربة الروحية الباطنية، استطاع عن طريقها أن ينفذ فى النصوص والوثائق كى يكتشف من ورائها الحياة التى تعبر عنها هذه النصوص، ويتبين التيارات والدوافع الحقيقية التى استترت خلف قناع من الكلمات، فهو إذ نقد الحديث، فليس لكى يبين أنه موضوع أو غير موضوع، وإنما ليدرك الميول المختفية والأهواء المستورة التى يعبر عنها أصحابها فيما يصنعون أو يروون من حديث، وهو إذا بحث فى تفسير القرآن، لم يقصد إلى بيان أخطاء المفسرين، أو ترجيح رأى الواحد على رأى الآخر،  وإنما هو يرمى إلى الكشف عن الاتجاهات التى لا تعد الاختلافات بين المفسرين إلا مظهراً خارجيا لها، سواء من هذه الاتجاهات وتلك الميول والأهواء ما هو سياسى صريح، وما هو دينى خالص، وما هو مزيج من الدين والسياسة.
وكان «جولد تسيهر» من أعمق العارفين بعلم الحديث النبوى، وقد قادته المعايشة العميقة لمادة الحديث الهائلة إلى الشك فى الحديث وكان يعتبر القسم الأعظم من الحديث بمثابة نتيجة لتطور الإسلام الدينى والتاريخى والاجتماعى فى القرن الأول والثانى، فالحديث بالنسبة له لا يعد وثيقة لتاريخ الإسلام فى عهده الأول، عهد طفولته، وإنما هو أثر من آثار الجهود التى ظهرت فى المجتمع الإسلامى فى عصور المراحل الناضجة لتطور الإسلام،  ويقدم «جولد تسيهر» مادة هائلة من الشواهد لمسار التطور الذى قطعه الإسلام فى تلك العصور التى تشكل فيها من بين القوى المتصارعة، والتباينات الهائلة حتى أصبح فى صورته النسقية.
ويصور «جولد تسيهر» التطور التاريخى للحديث ويبرهن بأمثلة كثيرة وقاطعة كيف كان الحديث انعكاسا لروح العصر،  وكيف عملت على ذلك الأجيال المختلفة،  وكيف راحت كل الأحزاب والاتجاهات فى الإسلام تبحث لنفسها من خلال ذلك عن إثبات لشرعيتها بالاستناد إلى مؤسس الإسلام، وأجرت على لسانه الأقوال التى تعبر عن شعاراتها.
وكان «جولد تسيهر» أول من أرسى المنهجية التى تعتمد على النقد الدينى التاريخى، وسار على نهجه الاستشراق الحديث والمعاصر فى مجال الإسلاميات، فيما اعتبر نقلة كبرى فى مجال المنهجية النقدية الاستشراقية، وهى منهجية قامت على أساس من نظرية فلسفية هى نظرية الشك المنهجى لـ«ديكارت».
وكتابه «مناهج التفسير الإسلامي»، عمل مبتكر من حيث المنهج وأسلوب البحث، طريف فى عرض مناحى الدراسات القرآنية، وتاريخ الثقافات الإسلامية فى جانب من أهم جوانبها، فهو يفتح من هذه الجهة ميادين جديدة للنظر العلمى،  ويرسم نماذج ومُثلاً من مذاهب التفسير لا يستغنى الباحث العربى عن ترسمها واحتذائها فى بحوثه ودراساته سواء القرآنية وغير القرآنية.
واعتمد المؤلف فى عرض مذهب التفسير عند الصوفية على التفسير المنسوب لابن عربى، والفصل الأول من الكتاب يتناول تاريخ النص وما فيه من اختلافات فى القراءات والأسباب التى يرجع إليها فى هذه الاختلافات، فيتحدث عن تفسير ابن عباس ومن تابعه من حيث الاقتصار على الشرح الحرفى الذى لا يكاد يتجاوز النحو ودلالة الألفاظ، وفى الفصل الثانى يتعرض للتفسير بالمأثور، وفيه الحديث عن تجنب تفسير القرآن، والإسرائيليات فى التفسير، والتفسير بالرأى، والحديث عن مفسرين أمثال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والطبري.
وفى الفصل الثالث ينتقل إلى الحديث عن التفسير فى ضوء العقيدة، فيذكر مذهب أهل الرأي: مثل مذهب المعتزلة ومخالفيهم فى تناول القرآن، وتصانيف المعتزلة فى التفسير،  ويذكر الزمخشرى وكتابه «الكشاف» والفخر الرازى وتفسيره، ومنهج الأشاعرة . وفى هذه المرحلة أصبح تفسير القرآن أكثر تدقيقا، وأشد عمقا فدخلت فيه المسائل الكلامية والنزعات العقلية.
وفى الفصل الرابع ينتقل إلى التفسير فى ضوء التصوف الإسلامى،  فيبين التفسير عن طريق التأويل والرمز ويتعرض لرأى ابن عربى فى العقيدة، وفى الفصل الخامس ينتقل إلى التفسير فى ضوء الفرق الدينية، فيذكر تفسير الشيعة والخوارج، وفى الفصل السادس والأخير ينتهى إلى التفسير فى ضوء التمدن الإسلامى فيستغرق الاتجاه العصرى فى تفسير القرآن، وهو اتجاه من نادى بأن باب الاجتهاد ما زال مفتوحاً.