الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السيدة «روزاليوسف» نموذج للوطنية والمعارضة الإيجابية فى مقالات تنشر لأول مرة

السيدة «روزاليوسف» نموذج للوطنية والمعارضة الإيجابية فى مقالات تنشر لأول مرة
السيدة «روزاليوسف» نموذج للوطنية والمعارضة الإيجابية فى مقالات تنشر لأول مرة




إعداد - سوزى شكرى

ضمن إصدارات مؤسسة «روزاليوسف التوثيقية والأرشيفية»، والتى تبنتها المؤسسة ويتوالى إصدارها تحت عنوان «من تراث روزاليوسف» بدعم من رئيس مجلس إداراتها المهندس «عبد الصادق الشوربجى»، لكى تقرأ الأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل عن  مدرسة «روزاليوسف الصحفية»، وتميزها وصمودها.. والمعارك التى خاضتها دفاعا عن الحريات، وتًفردها فى تناول الموضوعات والشخصيات بالنقد الموضوعى.
صدر مؤخرا كتاب بعنوان «مقالاتى الصحفية» بقلم السيدة «فاطمة اليوسف»، الكتاب من إعداد وتقديم الكاتب الصحفى والمؤرخ «رشاد كامل» رئيس تحرير  مجلة صباح الخير الأسبق.

 

السيدة «روزاليوسف» تمنت وطلبت من أبناء «روز اليوسف» نشر ذكرياتها عن أيام الصحافة، بقولها: «إن حياتى كلها فى هذه الصفحات، وأرى نفسى فى كل هذه الصفحات ثائرة، لم أكف أبداً عن الثورة ولم أسترح، ولا أظن أنى تمنيت يوماً الراحة أو سعيت لها.. إنها قصة مصر منعكسة على الصفحات لم تضطهد مصر يوماً إلا وأضُطهدت «روزاليوسف»، إنه التاريخ نفسه سجلته الأقلام على هذه الصفحات، لن اطالب بشىء لأنى واثقة أن الشعب يحفظ لى تعويضى، وواثقة أنه فى يوما ما سيمسك واحدا من الناس بقلمه ليكتب تاريخ الصحافة فى مصر وسيكتبه من صفحات «روز اليوسف» وسينصفنى.
الكاتب الصحفى «رشاد كامل» أحد أبناء «روزاليوسف» الصادقين الأوفياء، حقق أمنية السيدة «فاطمة اليوسف»، واصدر العديد من الإصدرات المميزة، التى تحكى وتسرد مسيرة السيدة العظيمة، وفى هذا الإصدار جعل عنوانه «مقالاتى الصحفية»، مما جعلنا نشعر أن «فاطمة اليوسف» تحدثنا من عالمها وتذكرنا بقيمة أهم وأنقى مؤسسة صحافية.
يحوى 58 مقالاً للسيدة «روزاليوسف»، تنشر لأول مرة، وتعكس هذه المقالات صورة مصر فى فترة زمنية تصل إلى ثلاثة وثلاثين عاماً، من عام 1925 حين أصدرت مجلتها «روز اليوسف»، وحتى رحليها إبريل 1955.. ويقول الكاتب «رشاد كامل»: «فى هذه المقالات تروى السيدة «روزاليوسف» قصة صدور المجلة ومدى الصعوبات والظلم والاضطهاد الذى عانته، وهى مقالات نادرة لم تكن تكتبها بانتظام، تتحدث فيها بكل الصدق والصراحة والشجاعة والجراة، تكتب من معارك الفن إلى معارك السياسة..وصولا إلى معارك حرية الصحافة.
ويتابع كامل: «توصلت إلى مقالات كثيرة تتطلب الآلآف من الصفحات «بالفعل كنز»، لذا اخترت لهذا الكتاب كل ما يتعلق بالصحافة ومعاركها وذهابها المتكرر إلى النيابة ووقوفها أمام المحاكم، وصمودها، والتحقيقات التى جرت معها، وإيمانها بدور الصحافة، إنها صحافة الشعب منه وإليه، كما تروى «فاطمة اليوسف» فى مقالاتها ذكرياتها مع رؤساء الحكومات والأحزاب». وفى هذا التقرير نرصد بعض من مقالاتها المفصلية والفارقة فى التاريخ.
■ هدم الشخصيات المزيفة أول واجب وطنى
كانت أكثر معارضى حزب الوفد.. وكانت أكثر عنادا وتحديا مع زعماء حزب الوفد وقتها وهما «مصطفى النحاس باشا»، و«مكرم عبيد باشا»، هذه الخصومة وصلت لحدتها.. فوجهت رسالة غضب فكتبت مقال عنوانه «هدم الشخصيات المزيفة أول واجب وطنى»  بتاريخ 4 نوفمبر 1936..  وجاء فيه: «عن خطر يهدد مصر.. الخطر هو الشخصيات المزيفة  التى عانت منها مصر، شخصيات بلا مبادئ..من صفتها حب الذات الذى كان قوامها ووقود حركتها، ولا بأس من إعطاء المبادئ إجازة إن جدت، يدعون أنهم مع حرية الفكر والقلم والنشر، مع الأسف تاريخ حزب الوفد ملىء بهولاء التجار، هؤلاء  شر بلاء على مصر وعلى أخلاق جيل نحرص على أن ينشأ وسط جو نقى.. ذراته معطرة بعطر مبادىء وعطر الأخلاق التى يتعلق بها وببقائها بقاء الأمة.
■ ماذا تجنى الوزارة من مصادرة صحف المعارضة
نشر فى 1 نوفمبر 1937، طرحت فى هذا المقال أسئلة على النحاس باشا: «ماذا جنت الوزراء  من الإمعان فى مصادرة الصحف المعارضة؟.. هل تحول أصحاب الصحف عن موقفهم، فانضموا إلى صفوف المؤيدين؟ أم تحطمت أقلام الكتاب؟ أم فقدت الصحافة قراءها؟ أم هبط منسوب توزيعها؟ بالطبع لا شىء من هذا كله، ولا يمكن أن يكون شيئًا من هذا، إذن ما الذى يدفع بالوزراء إلى هذا العمل الذى لا يمكن ان يقابل بالرضا حتى من الغارقين فى الوفدية النحاسية، لن تجنى شيئا للأسف،  هذا المقال تحدث  بسخرية عن مصادرة الصحف, وتقول لرفعة النحاس باشا: خدعوك من أقنعوك أن المصادرة تقتل  الصحف.. وأوقعوك فى مأزق، نحن المعارضين أشفق الناس عليك من نتائجها وعواقبها.
■ استعيذ بالله من الشيطان الرجيم واقرأ ياصاحب المقام الرفيع
كتبته فى  22 مارس 1937  مقال بسخرية وبحدة قوتها المعتادة فى مواجهة أعدائها وجاء فيه: «لا أعلم هل تقرأ أم أن العدد سوف يصبح غذاء لفيران مخزن عابدين، وإذا كنت غاضبا فاهدأ حتى تقيم الأمور، ووفر غضبك لموقف آخر غير خلافك مع الصحف المعارضة، اذكر يا صاحب المقام «النحاس باشا»، عن أن من قبلك صادر الأعداد واستخدم تكميم الأفواه، وكان النحاس باشا يسخر من هذا الفعل، وأن المصادرة ضعف وأن الازمات لا تعالج بهذا، المعارضة تلقى إقبالا وآذانا صاغية، بينما أنت على رأس الوزارة، انتبه لرغبات الشعب ولا فرق بين فرد وفرد، فاذا كانت هناك طراطير فلماذا لا يتم توزيعها بمتقضى العدل والمساوة مادمت أنت المعز لمن تشاء.
■ كلمة هادئة.. إلى زملائى رجال الصحافة
كتبت فى 5 يونيو 1933  مقال بعنوان «كلمة هادئة إلى زملائى رجال الصحافة» تحدثت فيه عن وجود محنة تمر بها حرية الرأى وعلى حد قولها: «الأمر وما  فيه أن حرية الرأى فى مصر تعانى محنة سوداء وتأبى الحكومة إلإ أن تخاصم الصحافة، وأسباب هذه المحنة معروفة ومظاهر هذا الخصام يلخصها قانون النشر الذى يكبر ويتضخم ويتحرج بسرعة عجيبة، ولن أتكلف مناقشتها لأنى راضية بهذه الخصومة، فخورة بذاك العداء، وأنا وزملائى  رجال الصحافة المصرية  جنود هذه الحرية المغلولة،  نعمل على فك أسرها، ورغم أن الأسرة الصحفية متناحرة ومتخاصمة، وخلال الشهور السابقة أدت الخصومة السياسية بين رجل صحافتنا إلى التطرف فى النقد مما جعل البعض يلجؤا إلى القضاء ليحتموا بظل القانون، وقانون النشر الذى ساق زملاء المهنة إلى أقفاص المجرمين، مع العلم أن حرية الرأى هى صاحبة الجلالة، التى ينحنى لها جميع الصحفيين، ليس لها حد مادام هناك حسن الظن، وأصبحنا نزج إلى السجون واحد يلى الآخر، إنى أتألم لا لما أوقعه بى القضاء، ولكننى أتألم مثلما تألم قيصر من قبل طعنة «بروتس»، لذلك أوجه ضحكة رثاء لمن شرفونى بشماتتهم».
 ■ لسنا بوقاً لأحد وأنما نعبر عن أنفسنا
قبل أن تصادر وزارة الداخلية أحد أعداد مجلة «روز اليوسف» كانوا يزعمون أن المجلة تنطق بلسان «رفعة على ماهر باشا»، رئيس الوزارة القائمة، وأنهالت على «روز اليوسف» البلاغات، فكتبت «فاطمة اليوسف» فى 23 مارس 1940 تحت عنوان «لسنا بوقاً لأحد وإنما تعبر عن أنفسنا» ، تحكى أن إسهامات المجلة فى الحركة الوطنية وخطتها صريحة ولا تخفى على أحد  اللهم إلا أصحاب النفوس التى صرفتها الأغراض الحزبية والمصالح الشخصية، وخطتنا بالمجلة تتلخص فى أننا نصرح بما  نزل فى قلوبنا منزلة الإيمان، فما كنا يوماُ طوال الأعوام التى سلخناها فى خدمة القضية المصرية - بوقاً ينفخ فيه غيرنا، وإنما كان رائدنا وسيكون دائما فى معالجة شئون البلاد، وحى ضميرنا ونجى قلوبنا، ولن نهاجم إلإ من خرج عن الدستور أو لم ينصف الشعب، ومن ناصرناهم وخرجوا عن مواقفهم قولنا الصراحة، ونحن لا نحرف عن خدمة الصالح العام، وهذا يبان منا لمن يريد أن يسمع أو يفهم .
■ لماذا اعتقل رئيس التحرير
كتبت هذا المقال بتاريخ  15 أغسطس 1950، بعد القبض على إحسان عبد القدوس، ووضعه فى سجن الأجانب، الخبر الذى تم نشره فى كل صحف مصر،  لم يكن القبض على رئيس تحرير «روزاليوسف» مسألة محلية ينحصر نطاقها داخل جدران المجلة، قالت: «ليست هذه المرة الأولى التى أهاجم فيها، خمس وعشرين عاما قضيتها أقول الحق وأعانى الاضطهاد فى سبيل قوله، إحسان «ولدى» فى أحضان الجهاد، هذا ما أدخره لنا رجال الحكومة، كل ألوان القسوة والاعتقال والتحقيقات، إن اعتقال رئيس تحرير رسالة موجهة ليس فى شخصى فقط بل هو اعتقال الأقلام التى تكافح من أجل قضية الرأى والحرية، من يسجن ويقتل الأجساد والأشخاص لا يستطيع قتل واعتقال الأقلام، السجن يزيدنا قوة، وأذكر نقيب الصحفيين أن الحبس الاحتياطى فى جرائم الرأى بدعة لم يعد يعرفها بلد حديث غير مصر، لأن صاحب القلم لن يهرب من محاكمة، وواجب على النقيب إزالة هذه البدعة.
■ إلى جمال عبد الناصر.. إنك فى حاجة إلى الخلاف تماما كحاجتك إلى الاتحاد..
كتبت خطابا إلى الزعيم جمال عبد الناصر بتاريخ 11 مايو 1953  تدعم دوره فى الحفاظ على الوطن، وتبلغه عن أن احتياجه للمؤيدين لا يقل عن احتياجه للمختلفين معه وذكرت: «إنك فى حاجة إلى الخلاف مثلما تحتاج إلى المتحدين معك إذ أن كل مجتمع سليم يقوم على هذين العنصرين معا، ولا يستغنى بأحدهما عن الاخر، الاتحاد للغايات البعيدة والمعانى الكبيرة، والخلاف للوسائل والتفاصيل، أسرة الوطن بها التباين والخلاف موجود فى أدق التفاصيل، فقد قرأت أنك تتطالب بالنقد وبالآراء الحرة النزيهة، ولكن كيف يكون الرأى حرا وعلى الفكر قيوداً؟، فهل تستبدل الرقابة حديدها بحرير، القيود مفسدة للأفكار، الناس لا بد أن يختلفوا لأنهم مختلفون خلقا ووضعا وطبعا، لا تصدق أن الحرية شىء مباح فى وقت ولا يباح فى وقت آخر، فإنها الرئة الوحيدة التى يتنفس بها المجتمع ويعيش، والإنسان لا يتنفس فى وقت دون الآخر، يتنفس حين ينام وحين يأكل وحين يحارب أيضا، ادعوك أن تجرب إطلاق الحريات / والتجربة كلها لا تحتاج إلا إلى الثقة فى المصريين، وأنت أول من تجب عليه الثقة فى مواطنيه .
■ رد جمال عبد الناصر: «لا نريد أن يشترى الحرية أعداء الوطن، جاجتنا إلى الخلاف من أسس النظام.
وصل إلى «روز اليوسف» ردا من الزعيم جمال عبد الناصر، على ما كتبته فاطمةاليوسف، جاء فيه: «أحييك وأشكرك لتقديرك لما أبذله من جهد فأنى أشعر بالعرفان لإحساسك به، وأوافقك الرأى نعم نحتاج إلى الخلاف فى التفاصيل بقدر حاجتنا إلى الاتحاد فى الغايات، فأنا مؤمن به وأثق من أسس الحرية بل من أسس النظام، وأنا أكره كل قيد على الحرية، على أن تكون الحرية للبناء وليس للهدم ويكون الفكر خالصا لله والوطن، لا أخشى من إطلاق الحريات، إنما أخشى أن تصبح هذه الحريات كما كانت قبل ثورة 23 يوليو، سلعا تباع وتشترى، فقد صدمت لما أتيح لى أن اطلع على وثائق الدولة على مأساة الحرية، لقد كان للحرية سوق وكانت للأسعار التى تدفع فيها، وأنا هنا لا أقصد جميع الصحفيين، وإنما أقصد الذين قرأت أسماءهم فى كشف المصاريف السرية، وأنا أريد أن اصون الحرية من هذا العبث، ونحن لا نريد أن يشترى الحرية غيرنا، ومن يدرى أن يكون من بينهم أعداء الوطن، أعداء الوطن على استعداد دفع أغلى الأثمان فى سبيل استغلال طيبة الشعب وخداعه، لذا النقد مباح ونرحب به ونلح فى طلبه للصالح الوطن.