الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

إبراهيم العسال: مكتبة «الاسكوريال» فى أسبانيا شاهدة على فضل العرب والمسلمين على أوروبا

إبراهيم العسال: مكتبة «الاسكوريال» فى أسبانيا شاهدة على فضل العرب والمسلمين على أوروبا
إبراهيم العسال: مكتبة «الاسكوريال» فى أسبانيا شاهدة على فضل العرب والمسلمين على أوروبا




حوار - علاء الدين ظاهر

قال د. إبراهيم العسال المحاضر فى الحضارة الإسلامية بجامعة قرطبة، عضو لجنة التراث بالاتحاد الأندلسي، أستاذ التاريخ والآثار الإسلامية، أنه عندما تتواجد أمة فى بلد لمدة قرن من الزمان، فإنها تؤثر فيها كثيرا وفى تاريخها وكل نواحى الحياة بها، فما بالك بثمانية قرون كاملة، هو عمر الوجود العربى الإسلامى فى الأندلس، الذى انتهى بالسقوط فى حمراء  غرناطة فى يناير 1492.  وتابع العسال فى حواره مع «روزاليوسف» اليومية: هذا الوجود أثر فى اللغة والفكر والثقافة والعلوم والتراث، فعلى مستوى اللغة على سبيل المثال يتفق الباحثون على أن 30% من الجذور اللغوية الإسبانية ذات أصول عربية، كما يعدون الكلمات الإسبانية ذات الأصول العربية بنحو 10 آلاف كلمة.. إلى نص الحوار.

■ هل هذا التأثير امتد للثقافة الشعبية كذلك أم فقط مجرد ألفاظ لغوية؟
بالطبع، فتجد كثيراً من الأمثال الشعبية فى المجتمع الاسبانى مرتبطة بأمثال ذكرها القرآن الكريم نفسه فى بعض آياته منها على سبيل المثال، المثل الأسبانى القائل «إن فلانًا حمار محمل بالعلوم» وهو نفس المعنى فى الآية القرآنية «مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا»، كذلك عندما يزورك صديق فأنت تقول له «البيت بيتك» وهذا التأثير مازال قائما فى المجتمع الأسبانى إلى اليوم، كذلك الموسيقى الأندلسية مازلت تنعم برائحة المعزوفات العربية، فدارسو موسيقى الفلامنكو الأسبانية الشهيرة يعرفون جيدا أن أحد أنواعها يعرف بالكونتو خوندو أى النغم الجليل، وهو النوع الذى يرجع إلى أيام العرب فى الأندلس.
■ هل تأثرت الحضارة الإسلامية فى أسبانيا بمظاهر التدمير والخراب التى لاقته؟
لم تشهد أى من حضارات الدنيا معاناة كما شهدت حضارة المسلمين فى الأندلس منذ لحظة السقوط فى القرن الخامس عشر حتى بعض الأحداث المتفرقة فى السنوات الأخيرة، ولهذا يعتبر بقاؤها حتى الآن أحد أسرار عظمتها وشموخها وهو ما يأخذ العقل والقلب. فبدءا من لحظة سقوط بنى الأحمر فى غرناطة والضربات متتالية وموجعة لكل ما هو إسلامى فى أسبانيا.. تدمير وقتل وتعذيب وتشويه ومحاكم تفتيش وخلافه، حتى فى العصر الحديث فبعد كل حادثة إرهابية فى أوروبا تجد بعض الأصوات العنصرية فى أسبانيا تحارب هذا التراث الخالد وتدعو إلى محو هذا التاريخ، فعلى سبيل المثال كانت هناك مطالبات بحذف اسم الجامع من مسجد قرطبة وتسميته بالكاتدرائية، وهو ما لاقى اعتراضا واسعا فى الأوساط العلمية والثقافية وحالت دون ذلك، وبقى الجامع باسمه المزدوج الجامع الكاتدرائية كإحدى العلامات البارزة للتراث الإسلامى فى أسبانيا وفى أوروبا كلها.
■ إذا.. بقاء الآثار الإسلامية بعد كل هذا إنجاز كبيرا؟
بالطبع، ويحسب إلى الأوساط العلمية والثقافية هناك، فيكفى احترام العلماء الأسبان للحضارة العربية ووجود أقسام علمية كبيرة متخصصة لدراسة الفنون الإسلامية وتاريخ الحضارة العربية هناك، مثل: «جامعات غرناطة وإشبيلية ومالقا ومدريد وبرشلونة وجامعة قرطبة التى اتشرف بالانتماء إلى قسم تاريخ الفن والآثار بها». يكفى عليك فقط أن تمشى فى شوارع «قرطبة وغرناطة والمريا ومالقا وكل ضواحى الأندلس» لترى الآثار العربية والإسلامية هنا وهناك، كذلك تماثيل العلماء العرب فى كل مكان مثل ابن رشد فى مدخل سور قرطبة وابن البيطار عالم الدوراء الشهير فى مالقا، وتماثيل عبد الرحمن الداخل والحكم المستنصر والحاجب المنصور.
■ وما أهم الآثار الإسلامية الباقية فى أسبانيا إلى الآن؟
كثير فى الحقيقة، على رأسها مسجد قرطبة الجامع ذو الإبداعات المعمارية من أسقف مركبة وأروقة عمودية على جدار القبلة والتيجان القوطية، وأيضا قصر الحمراء فى غرناطة التحفة المعمارية، فمن لم ير الجامع والحمراء فقد فاته الكثير فى فنون الزخرفة والعمارة الإسلامية، وهناك القصبات الأندلسية فى مالقا والتى كانت عبارة عن ثكنات عسكرية للدفاع عن المدن التى تقام بها، كذلك جنة العريف فى غرناطة، وقصر الجعفرية فى سرقسطة، وقلعة شريش فى أشبيلية ومئذنة الخيرالدة فى أشبيلية، وحمامات الأميرال العربية فى فالنسيا، وغيرها كذلك من الآثار التى تحولت إلى كنائس.
■ ما حقيقة تحول عدد كبير من الآثار الاسلامية إلى كنائس فى أسبانيا؟
هذا صحيح ويوضح الفارق بين الشعوب والحضارات، وعمرو بن العاص عندما فتح مصر فى القرن السابع الميلادى لم يتم تحويل كنيسة واحدة إلى مسجد، بل أعاد عمرو الأقباط ، وأقام لهم كنائسهم، ولم تٌهدم الآثار الفرعونية الموجودة وبقيت الأهرامات وأبو الهول وهى على بعد كيلومترات قليلة من الفسطاط عاصمة المسلمين الأولى، وكان أسهل ما يمكن لعمرو بن العاص أن يهدم كل هذه الآثار، إلا أنه لم يفعل، وقد ذكرت ذلك فى أسبانيا ذات مرة فى جلسة علمية، وقالوا لى إن محمد الفاتح حول كنيسة «أيا صوفيا» إلى مسجد بعد فتحه القسطنطينة، فأجبتهم بأن ذلك كان بعد تحويل جامع قرطبة إلى مسجد بحوالى 224 سنة، وهو سبب كافٍ، وما حدث للمسلمين فى أسبانيا فكان على النقيض تماما، فلم يبق أثر إسلامى واحد دون تشويه، فمسجد قرطبة الكبير تحول إلى كاتدرائية إلا أنه احتفظ باسمه المركب «لا مسكيتا كاتدرال» ومعناها الجامع الكاتدرائية، وأيضا مسجد «فالنسيا الكبير» المعروف الآن بـ «كاتدرائية العذراء»، والتى كانت فى عهد المسلمين بالأندلس هى «الجامع الكبير»، حيث أعادها الكمبيادور كنيسة سنة 487هـ / 1094م، ثم أعادها المرابطون مسجدًا، حتى سقطت فالنسيا فى يد ملك أراغون، فشرع فى بناء الكاتدرائية، أيضا مسجد أشبيلية الجامع ومسجد طليطة الجامع ومسجد باب المردوم فى طليطة، ومسجد الحمراء فى غرناطة وغير ذلك من الأمثلة كثير، إلا أنه بعد كل هذه القرون عادت الآثار الاسلامية لتجذب ملايين السياح سنويا إلى الجنوب الأسبانى لتكون شاهدة على عظمة الحضارة الإسلامية هناك.
■ هل الآثار الإسلامية الباقية فى أسبانيا معمارية فقط؟
هذا سؤال مهم، لأن الناس يفهمون خطأ هذا، يكفينى ويكفى باحثى الحضارة الإسلامية فخرا وجود مكتبة عظمية فى قلب المعقل التاريخى للبلاط الأسبانى فى «سان لورينزو دى إسكوريال» فى مدريد اسمها مكتبة الاسكوريال والتى تعج بالمخطوطات العربية والإسلامية والكنوز الشاهدة على عظمة حضارة الإسلام فى شتى علوم المعرفة وشاهدة على فضل العرب والمسلمين على أوروبا، وهذه المرة ليست آثاراً معمارية بل آثاراً ورقية فى شكل مخطوطات.
■ هل حافظ الأسبان على المخطوطات أم طالها التدمير كذلك؟
دعنى أقول لك أن أول عمل قامت به قوات الملكة «ايزابيل» وزوجها «فرناندو» عند دخولها آخر المعاقل العربية، غرناطة عام 1492، هو حرق المخطوطات العربية، وشهدت ساحة باب الرملة، المعروفة اليوم باسم «بيبالرمبلا» فى غرناطة أكبر عملية لحرق الكتب العربية، وصدر أمر بمعاقبة كل من يحتفظ بكتاب عربي، فعمد الجميع إلى حرق كتبهم، ويقال إن الكتب العربية بقيت فترة طويلة تستعمل فى غرناطة للتدفئة، لكن الأسبان عادوا وانتبهوا غلى هذا الخطأ، فعادوا يجمعون ما يمكنهم جمعه من المخطوطات العربية وازداد هذا الاهتمام بمرور الزمن، وأخذ الكثيرون يدعون إلى تصليح هذا الخطأ، فهناك الآن مشروع ضخم لإجراء مسح شامل للمخطوطات العربية الموجودة حاليا فى أسبانيا.
 ■ وما أهم كنوز المخطوطات فى أسبانيا؟
نصف مخطوطات «مدريد» توجد فى مكتبة «الاسكوريال» وفيها حوالى ألفى مخطوط عربي، كما يوجد سبع عشرة مدينة اسبانية وأهمها مدريد التى تحتفظ بـ 19 موقعا توجد فيها مخطوطات عربية، وغرناطة فيها 17 موقعا، و6 مواقع فى برشلونة و2 فى قرطبة، بالإضافة إلى مدن عديدة أخرى مثل طليطلة وسرقسطة وسالمنكا وغيرها، أما المخطوطات العربية فى المكتبة الوطنية بـ«مدريد» والتى أسسها الملك فيليب الخامس عام 1711، فيها قسم خاص للمخطوطات ومنها المخطوطات العربية، واهتم بفهرستها العديدون، وكان أهمهم «ميغيلروبليس» ثم المستشرق «درنبورغ»، وحسب الوثائق المتوفرة فإن المكتبة قامت بتعيين أشخاص منذ القرن الثامن عشر لنسخ المخطوطات العربية، وكان راتبهم 16 ريالا.
■ حدثنا عن مكتبة الاسكوريال وأهم كنوزها؟
تعتبر المكتبة حاليا إحدى أهم المكتبات التاريخية فى العالم، لاسيما بفضل مخطوطاتها اليونانية والعربية النادرة، لكنها خسرت الكثير من الكتب بفعل الحريق الذى اندلع فى عام 1671 وأثناء حروب نابليون، ومع ذلك ما زالت تحتوى على مجموعة ثمينة تصل إلى أكثر من 40 الف مجلد، وتعد المخطوطات العربية من أهم مجموعة المكتبة، رغم فقدانها ألفى مخطوطة بفعل الحريق، وتتنوع كتب الاسكوريال بين مخطوطات فى الطب مثل كتاب الصناعة الطبية للرازي، وفى الصيدلة مثل كتاب المخدة لابن وافد، وفى النبات مثل كتاب ابن البيطار، ومخطوطات فى علوم القرآن والحديث واللغة والأدب، كذلك مخطوط التعريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي، وهو مخطوط فى غاية الأهمية وبه رسوم الآلات الطبية الجراحية التى استعملها العرب آنذاك.
■ كيف يمكن الاستفادة والتعاون بين مصر وأسبانيا فى قضايا التراث بوجه عام؟
التعاون ممكن لأننا بيننا مكون أساسى مشترك فتجمعنا حضارة واحدة وهى الحضارة الإسلامية، لكن هذا التعاون يحتاج إلى إرادة وأدارة وهما ما نجحت فيه مكتبة الاسكندرية على سبيل المثال سنة 1997، حين أهدت الملكة «صوفيا» ملكة إسبانيا مكتبة الإسكندرية نسخة ميكروفيلمية كاملة من مجموعة مخطوطات دير الإسكوريال بإسبانيا، وهذه المجموعة تتألف من 553 فيلماً تشتمل على 3108 مخطوطات، كذلك تجربة المكتبة الوطنية فى مراكش تجربة تستحق الدراسة، لكن ما يميز القاهرة تحديدا هو امتلاكها تراثا فريدا يحتاجه العالم فلما لا يمكن عرض التحف الأثرية الموجودة فى المخازن، والتى لا يراها أحد ولا يستفيد منها أحد، يمكن عرضها فى معارض ثقافية فى قصر الحمراء وفى قرطبة وغيرها، وكذلك وعمل بروتوكولات بين متاحف التراث الإسلامى بين مصر وأسبانيا وهو ما نسعى إليه بالفعل الآن، كذلك أتمنى كما كررت سابقا الاستفادة من التجربة الأسبانية فى سياحة التراث الثقافى والاستفادة منها فى تحقيق معدلات سياحية أكبر بكثير من المحقق فى سنوات ما قبل الثورة، كذلك اتفاقيات بين الجامعات من تبادل طلابى وتبادل خبرات أساتذة هنا وهناك وتبادل أبحاث علمية فى كل المجالات.