الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عدسة الكاميرا ترصد معاناة الغلابة فى «سينما 30»

عدسة الكاميرا ترصد معاناة الغلابة فى «سينما 30»
عدسة الكاميرا ترصد معاناة الغلابة فى «سينما 30»




لا يكف المخرج والمؤلف محمود جمال عن التجريب والإبداع فى نصوصه المسرحية ففى كل عمل يفاجئنا بما هو جديد وغير مألوف، لم يقدم نصا يشبه الآخر بدءاً من «1980 وانت طالع» للمخرج محمد جبر ونهاية بآخر عروضه على مسرح الدولة «يوم أن قتلوا الغناء» إخراج تامر كرم، ثم «سينما 30» تأليفه وإخراجه والذى قدمه مؤخرا على خشبة مسرح الهوسابير، اتسمت نصوصه بالتنوع الشديد والصدق فى طرح وتناول القضايا سواء كانت اجتماعية أو سياسية، وحصل مؤخرا على جائزة الدولة التشجيعية عن نص عرض «هنكتب دستور جديد» للمخرج مازن الغرباوي.
«سينما 30» يتناول قصة مخرج سينمائى هبط على أهل قرية فقيرة وقرر أن يصنع بهم أول فيلم ناطق من خلال تصوير واقعهم المتردي، فى البداية يفزع أهالى هذه القرية من الكاميرا ومن كشفها لهم ولأعماق أنفسهم، ويحاولون مقاومة هذا الرجل وطرده خاصة بعد سماعهم لفتوى تحريم الوقوف أمام الكاميرا لأنها تشترط التمثيل وهو ما يعنى احتراف الكذب، وبالتالى يسعى الشيخ وعمدة البلد ومأمورها إلى إخراج هذا الرجل من البلدة، لكن بالتدريج وبعد أن يعلم الأهالى أن هذا الفعل قد يساعدهم على فضح ظلم العمدة ومأموره يبدأ البعض فى الاستجابة له وفى التعرف على هذا الاختراع الغريب ثم التحدث إلى الكاميرا والاعتراف بما فى داخلهم من أمور ربما خجلوا منها فى الواقع ثم يقرر المخرج صناعة عمل سينمائى عن القرية وأهلها رغم محاربة العمدة والمأمور له، بينما يقف الأهالى بجانبه ويساعدونه على اتمام عمله برغم ما لقيه بعضهم من تعذيب على يد العمدة ومأموره وفى النهاية يصنع المخرج الفيلم بعد معاناة طويلة مع أهل القرية وعمدتها ثم يتركها عائدا إلى القاهرة.
لم يتوقف إبداع العمل عند طرح هذه الفكرة فى حد ذاتها، لأنها سبق وأن قدمت فى أعمال سابقة، قدمها من قبل عام 1995 المخرج السينمائى الإيطالى تورناتورى فى أحد أهم وأشهر أعماله السينمائية «the star maker» وتشبه فكرة «سينما 30» الفيلم السينمائى فى إطار كشف الذات واكتشاف النفس أمام الكاميرا وحب الظهور والتعرف على داخليات كل ما يجول بخواطرنا من أحلام والتى ربما لا نجرؤ على الإفصاح عنها بالواقع، مثلما فعل بطل الفيلم مع أهل القرية الإيطالية التى أعلن فيها عن صناعة فيلم ضخم وبحثه عن وجوه سينمائية تصلح للفيلم السينمائى وبالتالى اكتشاف طاقات وجوانب إنسانية عديدة من خلال عدسة هذه  الكاميرا التى طافت بينهم، بينما هنا فى العمل المسرحى قدم محمود جمال معالجة مختلفة وجديدة لنفس الفكرة، وطافت الكاميرا بين وجوه ونفوس أهالى هذه القرية حتى أن المخرج اضطر لدفع مبالغ من المال مقابل جسلة واحدة لكل شخض، جاء الاختلاف فى تفاصيل وصف وتجسيد تفاصيل الريف المصرى بشكل واقعى للغاية فى تلك الفترة التى لم يكن يسمع فيها أهالى القرى والأرياف شيئا عن السينما ثم الإسقاط المستتر وغير المباشر على الواقع المصرى الحالى مما قد تعانيه هذه المجتمعات من حالة خوف وجهل من السلطة الأعلى وتفضيل التفكير فى وضعهم الاقتصادى بدلا من التعرض للأذى على يد من يحكم هذه القرية وهذا ما فعله البعض الذى تحاشى النظر والتعامل مع الكاميرا خوفا من بطش العمدة واتباعه فعلى حد قول البعض «مش الكاميرا دى بتشوف تبقى شوافة وخطر علينا»، خشى البعض من فضح الكاميرا لواقعهم المتردى أو لما بداخلهم من أفكار ومشاعر قد يؤدى فضحها إلى عواقب وخيمة.
كما ذكرنا فى بداية المقال يتجه دائما محمود جمال إلى التجريب أى صناعة تجربة مسرحية مغايرة لتجاربه السابقة أو لتجارب من حوله من زملائه المخرجين، ففى هذا العمل كان التجريب على مستوى صناعة الصورة المسرحية، فبما أن أحداث العرض تدور عام 1930 أراد جمال أن يعيش الجمهور والممثلون على خشبة المسرح هذه الحالة بشكل متكامل بتقديم العرض «أبيض وأسود» وكأنك جلست فى قاعة المسرح لمشاهدة أحد أفلام الأبيض والأسود القديمة وحتى يضعك صناع العمل تحت هذا التأثير قبل بدء العرض بعشرين دقيقة تفتح شاشة سينما فى عمق المسرح ويستعرض خلالها المخرج أهم أفلام السينما الأبيض وأسود التى صنعت على مدار السنوات الماضية، ثم تبدأ أحداث العرض وتشاهد أنت أيضا هؤلاء الممثلين فى صورة أبيض وأسود كاملة استطاع أن يصنعها المخرج مع مهندس الديكور ومصممة الملابس والمكياج والإضاءة، حيث تم طلاء الممثلين جميعا بمسحوق رمادى اللون بدءاً من وجوههم وحتى كفوف أيديهم وأرجلهم، لكن للأسف رغم جودة الفكرة إلا أنها لم تكتمل بشكل محكم بسبب عدم اتقان صناعة المكياج للممثلين الذين كان من الواضح أنه من خامة رديئة كانت تزول مع سيلان عرق البعض كما أنه لم ينفذ بجودة عالية، لكن فى هذه النوعية من التجارب «عروض الجامعة» لابد من التماس العذر، نظرا لأنها تجربة بكر فمعظم المشاركين بها من شباب الجامعة لم يدخل أغلبهم عالم الاحتراف، بجانب أن هذه العروض تكون محدودة الإمكانيات المادية وبالتالى يحسب لفريق العمل هذا الجهد المبذول فى تحدى الإمكانيات لصناعة تجربة جديدة وصورة مسرحية مختلفة، خاصة بعد أن خرجت كما أرادوا لها أن تكون أو بمعنى آخر وصلت الرسالة المرجوة من صناعة العمل بهذا الشكل، فالسعى لتحقيق مبدأ التعايش لدى الجمهور ليس فقط على مستوى تصميم ديكور قرية فقيرة أو ملابس أهلها ولكن أيضا فى الذهاب بالجمهور لما هو أبعد من ذلك بوضعه فى أجواء قديمة وكأنه يشاهد أحد أعمال سينما زمان وهو مجهود يستحق الإشادة والدعم حتى ولو لم تتوفر فيه كامل عناصر الاحتراف والإمكانيات اللازمة.
قاد المخرج محمود جمال حوالى 60 ممثلاً وممثلة على خشبة المسرح وبرغم أن هذا العدد قد يصعب السيطرة عليه بشكل قوى إلا أن جمال استطاع بمهارة شديدة السيطرة على هؤلاء جميعا وإن كان هناك مشاكل فى صوت ومخارج ألفاظ البعض تعذر معها وصول الكلام بشكل واضح للجمهور خاصة فى المشاهد الجماعية والتى اتخذت طابع التظاهر من قبل أهالى القرية ضد العمدة والمخرج، كانت مساحة الصوت عريضة وواسعة وخرج بعض الكلام بشكل سريع ومبهم لم يتمكن الجمهور من سماع معظمه، فضلا عن احتياج البعض للتدريب على الإلقاء والتمثيل بشكل أكبر، لكن فيما عدا ذلك جاءت الأدوار الفردية أكثر قوة واحترافية من المشاهد الجماعية مثل دور المخرج ومساعده والعمدة والمأمور وكذلك الشاب الذى تم تعذيبه على أيديهم بالجلد بعد أن سار وراء حلمه أمام الكاميرا كان الأكثر مهارة وتلقائية بأدائه خاصة بعد تعرضه لهذه الحادثة.
شارك فى بطولة العرض حسن خالد، هانى حسام «ماجيك»، شروق حسنى، نادين أشرف، محمد عبد الله، محمد عبد الرازق، عمرو صلاح، أحمد صلاح، صلاح محمد ، وإسلام ديكور الدكتور حمدى عطية، أزياء أميرة صابر، مكياج شروق حسني، حصل العرض على المركز الأول على بمهرجان الجامعة وهو تابع لكلية تجارة جامعة عين شمس، كما حصل على جائزة أفضل مخرج، وأفضل ثانى ديكور ومن المقرر عرضه ثلاثة أيام متواصلة يوم 14، 15، و16 يوليو المقبل على خشبة مسرح الهوسابير استعدادا لمشاركته ضمن فعاليات المسابقة الرسمية بالمهرجان القومى للمسرح.