الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أسامة جاد: أرقام المبيعات ليست مؤشرا على القيمة الفنية أو الأدبية

أسامة جاد: أرقام المبيعات ليست مؤشرا على القيمة الفنية أو الأدبية
أسامة جاد: أرقام المبيعات ليست مؤشرا على القيمة الفنية أو الأدبية




حوار - إسلام أنور

«أسامة جاد» شاعر وقاص مصرى بدأ مسيرته مع الكتابة منذ بداية التسعينات عندما ترأس جماعة الشعر فى كلية التجارة بجامعة حلوان، وبينما أصدر عدد من رفاق دراسته أكثر من عمل شعرى وقصصى خلال السنوات العشرين الماضية أخذت الصحافة والسينما والسفر أسامة جاد، وظل يؤجل إصدار أعماله حتى شهد عام 2012 صدور ديوانه الأول «الجميلة سوف تأتى»».
غير أن ذاكرة السارد أخذت تخاتل أسامة، وهو الذى كتب سيناريو لمسلسل «رحلة المندوس» الذى انتجه تليفزيون سلطنة عمان فى 1996، فقدم أيضا مجموعته القصصية الأولى»صباح مناسب للقتل» فى معرض القاهرة الدولى للكتاب (2014) عن دار العين للنشر، ويستعد لإصدار ترجمته لرواية البريطانية زادى سميث «أسنان بيضاء» عن الهيئة العامة للكتاب، وهو يعد لرواية قادمة لم يقرر عنوانها بعد، وصدرت حديثًا طبعة جديدة من ديوانه «الجميلة سوف تأتي» عن دار العين أيضًا.
حول رحلته مع الصحافة والأدب دار معه هذا الحوار.
■ صدرت طبعة جديدة من ديوانك «الجميلة سوف تأتي» مع دار نشر مختلفة هل تشعر أن الديوان فى طبعته الأولى قد ظلم لذلك قررت إعادة طبعه مع دار أخرى؟
- لم تكن مسألة ظلم للديوان، بقدر ما هى اهتمام بطبعة جديدة منه، كون الطبعة الأولى تعثرت لبعض ظروف النشر. أظنها قلة الخبرة وقتها.. لكن إعادة الطبع تعلقت بإتاحة الديوان لكثيرين ما زالوا مهتمين بقراءة التجربة، فى الحقيقة كنت قد أعددت ديوانا ثانيا منذ فترة، ولكننى أحرص على الابتعاد عن التجربة بعض الوقت لتقرير صالحها من مجهضها، هى عادتى فى الالتفات إلى الخلف أحيانا، للتيقن من صحة المسار.. كنت فى الصحراء مؤخرا، وأدركت أهمية أن تحسب خطواتك جيدا، حتى لا تفقد الأثر فى تشابه الجبال، ولانهائية الرمال.
كانت مشكلة النشر الأولى بالتالى حادثا سعيدا، سمح بشىء من التعديل فى الطبعة الجديدة؛ مراجعة أكثر لصحة اللغة فى أدائها النحوي، القواعدى، وتصميم وغلاف رائعين من الصديق عمرو عبد العزيز والفنانة الرائعة هند سمير. ناهيك عن صدور الديوان عن دار العين بعد تجربتى معهم فى مجموعتى القصصية الأولى «صباح مناسب للقتل».
■ الموروث الشعبى حاضر فى أعمالك بقوة إلى أى مدى ما زال هناك دور لهذا المورث فى حياتنا؟
- الموروث الشعبى ببساطة هو تصور مجتمعى للكون والحياة والتفاصيل اليومية والأسئلة المادية والماورائية، وهو حاضر بالضرورة بمفهوم الوعى الجمعي، بمفهوم التاريخ المشترك والأصول المصرية المتقاطعة، والمتداخلة، لدينا أكثر من موروث حضاري، إنسانى فى المطلق، أو مصرى قديم، أو قبطي، أو موروث الهجرات العربية لمصر، بل والفارسية التى استقرت بعد حملة قمبيز، ورحلته إلى معبد آمون فى سيوة، ما أقصده أن الموروث الشعبى واحد من عناصر تكوين اللغة فى أصلها، وما «الرفادة» و«كثرة الرماد» و»جفنته لا تنطفئ نارها» إلا دوال لغوية على حياة البداوة. ولا الموقف من محبة/احترام/تقديس النيل، إلا أثر موغل فى الجينات المصرية. بهذا المعنى فموروثنا الشعبى تجاه الأسئلة الكلية هو جزء من تكويننا. جزء من إدراكنا للأشياء. يتنوع بتنوع اهتماماتنا، كما تعرف. وهو ما يجعلنا نتعارف، بالمعنيين الإنسانى والدينى «شعوبا وقبائل». الممتع فى المسألة أننا نتحدث عن خلطة مواريث شعبية، لعلها لم تجتمع فى تنوعها أكثر منها فى مصر. عن تنوع إقليمى بملامح شديدة التمايز والتناغم.
ثم هذا الموروث محمل بثيمات السرد ومفاتيحه المتعددة «لو نظرت لتجربة عزيز نيسين». كما أنه محمل بالموقفيات الشعرية الخالصة، كما تفعل قصص الأطفال، تماما.
الحداثية والعولمة هما نمط منطقى أمام ثورة التكنولوجيا. هناك حالة سيولة معرفية خلال السنوات العشر الأخيرة. تجاوزنا فعلا غرائبية الآخر، ودهشتنا أمامه. ربما تجاوزت أنا الأمر مبكرا، من خلال أسفارى، وصداقاتى. لكننى بهذا المعنى أنظر للحداثة كمنظور إنسانى تجاه الأشياء. منظور مستفيد من حداثة الروح ذاتها، وليس مجرد تطبيق قواعدى لمقترحات إيهاب حسن أو عزرا باوند، وسوزان سونتاج وفوكو أو دريدا، بقدر ما هى روح/منظور جديد للحياة والكون. منظور يستفيد من كل مكتسبات الإنسان المعرفية. لكنها، وتلك مفارقة أيضا، هى نفس أسئلة الوجود والموت، الصواب والخطأ. الأسئلة التى تجعلنا إنسانيين فى النهاية، لكل منا فجواته المعرفية، وضلالاته، وربما أوهامه، التى قد تجعل ما يراه «شعريا».
■ الطفولة وذكرياتها تحتل مساحة كبيرة من كتابًاتك برأيك إلى أى مدى نحن أسرى ذاكرة طفولتنا؟
- الطفولة هى أول مواجهة لنا تجاه أسئلة الماهية والعلة. من تعرفنا بالأشياء إلى فهم، وإعادة فهم (فى أحيان كثيرة) عمل تلك الأشياء. هى دهشتنا الأولى، وهى الألم الأول والفرح الأول والحزن الأول، والمغامرات، فى تصورى أن جزءا كبيرا من التكوين النفسى لأى إنسان يتمركز على طفولته. هو عندها يبدأ فى صنع المنشور الضوئى الذى سوف يرى الأشياء من خلاله لزمن ممتد، نحن نعيش طويلا قبل أن نكتشف كم انحرف المنشور عن حقيقة الصورة، كم جعلها «شعرية» بمعنى ما.. هذا أحد مكتسبات الحداثة، وما بعدها؛ أننا عدنا إلى الدهشة الأولى، إلى الشاعر الجاهلى الأول الذى يحفز طلل دارس للمحبوبة ذاكرته وتدهشه بكارة الصورة، والإحساس العميق بجمالها.. ولكنه يعرف الآن أن الأقمار معتمة، فى الحقيقة، وأن الخلية أصغر عالم للحياة.
■ هناك حضور بارز أيضا للتقنيات السينمائية فى أعمال كالقطع والمونتاج والفلاش باك ما سر هذا الشغف بالسينما؟
- فى تصورى أن سؤال التقنية منفتح دائما على العوالم كلها، من التشكيل للمسرح للسينما لفنون الإضاءة والموسيقى والحفر والنحت والخزف.. لا تنسى أن «المنيمال» كان أحد التقنيات المتولدة عن التشكيل، والكولاج أيضا، وأنهما من المؤثرات المهمة جدا فى المونتاج السينمائي.. أتذكر هنا محاضرة مهمة للدكتور جابر عصفور عن «المسافات البينية بين الفنون» أو هى «الأعراف» التى يتم عندها فرز الأجناس الفنية، وتحديد تداخلاتها وتقاطعاتها أيضا.. أن سؤال التقنية هو خيار «إمتاعي» فى المقام الأول.. ولعل أساليب الأداء فى حكايات الجدات، أو قطع غناء «الربابة» لسرود السيرة الشعبية، من التقنيات السابقة التى ينبغى الالتفات لها ودراستها فيما يخص تطور التقنية، بل وهى دوال هامة على سبق أصيل لفنون الأداء فى الأجناس الفنية قبل أن تستكشف موجات الحداثة وما بعدها ذلك.
■ ما بين الشعر والقصة والكتابة الصحفية والترجمة هناك مستويات وتصورات مختلفة عن اللغة ودورها كيف تعاملت مع هذه المساحات المتنوعة من الكتابة؟
- الأمر مع السرد لم يختلف كثيرا عنه مع الشعر.. كان فعل الكتابة، كاملا، فعل ممارسة وحياة، فى معظم الوقت. وكان براح الكتابة فى صحيفة يومية مأزقا حقيقيا عند الفصل بين ما هو فني، وما هو صحفى خبري.. المسألة استغرقت زمنا، كى تدرك أن تماهيات الواقع فى ذاتها هى «الخامة الأولى» للسرود المختلفة.. غير أن الأمر يتطلب دائما «عملية تدوير» روحية. تعيد فيها النظر لهذا الواقع وتحولاته، وتعيد فيها طرح هذا الواقع (ما يؤثر فيك منه) بصيغة جديدة أهم سماتها أنها تخصك. من هنا ينشأ الأسلوب. واتصورك تعرف المقولة الفرنسية الشهيرة «الإنسان هو الأسلوب».
إن مقولة الجاحظ الخالدة عن المعانى وطرحها فى الطريق، على ما تحمله من احتفاء بالأسلوب، تضلل الكثيرين وتقودهم فقط إلى البحث فى منطق «الإطناب والفخامة والجزالة اللغوية» وكلها اصطلاحات بلاغية تخص اللفظ والجملة، ولكنهم يلتفتون كثيرا فى ظنى عن السرد كبنية «كنائية» كبرى، عن «شخصانية الذاكرة» بما هى مكتسب شديد الفرادة والخصوصية، بهذا المعنى فقد كانت الكتابة فعلا مستمرا، وأخذ قوالب متنوعة.
■ فى هذا السياق كيف ترى وضع الصحافة الثقافية العربية الآن وهل تستطيع الجوائز الأدبية الخليجية إنتاج حركة أدبية على مستوى دول الخليج أو العالم العربي؟
- تجربتى فى «سلطنة عمان» شهدت أكثر من فعل ثقافى اعتز بها، فى الحقيقة، كنت نظمت صالونين ثقافيين، أحدهما للمثقفين العمانيين، والثانى لكتاب بريد القراء «البَرزة»، واتفقنا على نشر وقائع أمسيات الصالونين، وكان من حضور أحدهما «صالون الشبيبة للمبدعين العمانيين» المخرج السينمائى د. خالد عبد الرحيم الزدجالي، والشاعر والسينمائى عبد الله حبيب، والكاتب المسرحى عبد الله خميس، والشعراء «عبد يغوث، وإسحق الهلالى والساردون على الصوافى وسالم آل توية». ساهمت أيضا بالتعاون مع سفارة فرنسا فى إعداد وإقامة أول مهرجان سينمائى فى سلطنة عمان، «مهرجان الفيلم العربى من إنتاج فرنسي»، ما كان نواة لتأسيس مهرجان مسقط السينمائي، بعدها بعامين. كما أصدرت كتابًا عن مدينة صور العمانية «صور العفية» فى مناسبة الاحتفال بالعيد الوطنى السادس والعشرين فى المدينة. وفى عام 1999 شاركت فى تنظيم المهرجان السادس للفرق المسرحية الأهلية فى دول الخليج العربية. فى تصورى دائما أن الصحفى الثقافى هو صاحب دور ثقافى فى المقام الأول، دور يتعلق بفتح الباب أمام المبدعين، فى خلق الأحداث الثقافية، لا مجرد انتظارها، ولا مجرد التفتيش عن أخبار المشاركات والمهرجانات، وانتظار التقارير التى يرسلها المنظمون. لو أننى فهمت سؤالك بشكل جيد فالصحافة الثقافية أو الجوائز الثقافية لا تنتج حركات أدبية، وإنما هى توفر المناخ المناسب لفتح الحوار، ولأسئلة الـ ماذا والـ كيف. أما الحركات الأدبية فهى وليدة إبداع أهلها، وعيهم بلغتهم، ولهجاتهم، وموروثهم الإنسانى. العمانيون فى تجربتى أصحاب تاريخ ممتد وحضارة. ملوك سبأ وذى ريدان كانوا عمانيين، فيما قبل الميلاد يأكثر من ألفى عام.
■ يتعرض الشعر فى العقود الأخيرة لحالة من التراجع خاصة فى ظل خطاب نقدى يتم ترويجه عن كون الرواية صارت ديوان العرب الجديد كيف ترى هذه القضية وهل تراجع الشعر الصالح الرواية وكيف ترى مستقبل الشعر فى ظل هذه الحفاوة المفرطة بفن الرواية؟
- ليس هناك «تراجع» شعرى لصالح الرواية.. بل ليس هناك تنافس نوعى بين الاثنين. استغرب أنا القيمة الذهنية المتعالية لدى الشعراء أنفسهم، تجاه فنون الإبداع الأخرى، هذا هو الوعى العام بالمناسبة، لكن الحقيقة أن اكتشافات قصيدة النثر الشعرية، وسطوها، أن أحببت، على كل الفنون الإنسانية (وصفها الناقد عمر شهريار بالقصيدة الإسفنجة)، وقدرة الرواية، فى المقابل، على احتواء كل فنون السرد، النصى والصوتى والبصري، ما جعلها مكافئا لجنس النثر، بحسب أ. د. محمد فكرى الجزار، يجعلنى أنظر للعلاقة بين الشعر وبين الرواية، وربما القصة القصيرة أيضا، فى دائرة الموجات، تسبق إحداهما الأخرى، وتلحق بثانية.
لكننى أعرف تجارب شعرية كثيرة تحتفظ للشعر بموقعه، وتجارب روائية وقصصية كثيرة تحافظ على مكانتها وسلطتها الإمتاعية.. بعضها يشعرن الرواية، والآخر أوغل فى نثرية نصه الشعري، لكنها كلها تجارب شديدة الأهمية والجدارة. أما أن كان سؤالك عن المبيعات فأرقام المبيعات ليست مؤشرا على القيمة الفنية أو الأدبية. قصة الأدب والجمهور ملتبسة دائما، وأحيانا مغرقة فى غرائبيتها.
■ ماذا عن عملك المقبل؟
- العمل القادم انتهيت من إعداد ديوان شعرى جديد، لم أحدد عنوانه بعد، وهناك مجموعة قصصية عنوانها «بوتاسيوم» ربما تصدر خلال الشهور القليلة القادمة. أما روايتى الأولى فما زال هناك بعض الوقت أمام صدورها، أن امتد العمر.