الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نصر حامد أبوزيد.. التنوير فى مواجهة التكفير

نصر حامد أبوزيد.. التنوير فى مواجهة التكفير
نصر حامد أبوزيد.. التنوير فى مواجهة التكفير




إعداد - رانيا هلال


تمر بنا هذه الأيام ذكرى طائر غرد خارج السرب، فإصابته اللعنة، حلق بعيدا عن الغيمة الغراء وحمل على جناحيه مسئولية اختراق المحظور وسبر أغوار الظلام.. هو المفكر والمحلل الدكتور الراحل نصر حامد أبوزيد الذى ولد فى قرية تابعة لمركز طنطا يوم 10 يوليه 1943- مات 5 يوليه 2010.
يعتبر أبو زيد من الإسلاميين التنويريين المجددين، وكتب فى التأويل، والتفسير، وفى إعادة كتابة التاريخ الإسلامى، وضرورة قراءة الإسلام من جديد.
اتهمه المتشددين بالكفر ورفعوا عليه قضيه تطليق من زوجته الدكتور ابتهال يونس أستاذ الأدب الفرنسى باعتباره كافر وزوجته مسلمه، فاضطرا الاثنين أن يتركا بلدهما ويذهبا إلى أوروبا خوفا على حياتهما.
حصل أبو زيد على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكى 1960 ثم ليسانس من قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة القاهرة سنه 1972 بتقدير ممتاز.. وأكمل ماجستير من نفس القسم والكلية فى الدراسات الإسلامية سنه 1976، بتقدير ممتاز.
وحصل على دكتوراه من نفس القسم والكلية فى الدراسات الإسلامية سنه 1979، بمرتبة الشرف الأولى.
تقلد مناصب عدة أهمها معيد بقسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب، جامعة القاهرة  1972 ومدرس مساعد بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1976، ومدرس بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1982. أستاذ مساعد بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1987
وحصل على منحة من مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة
وتقلد منصب أستاذ زائر بجامعة أوساكا للغات الأجنبية باليابان 1985-1989م
ثم أستاذ زائر بجامعة ليدن بهولندا من أكتوبر 1995.
■ من أهم أعماله
الاتجاه العقلى فى التفسير «دراسة فى قضية المجاز فى القرآن عند المعتزلة» وكانت رسالته للماجستير وفلسفة التأويل «دراسة فى تأويل القرآن عند محيى الدين بن عربى» وكانت رسالته للدكتوراه، فى كلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية، مفهوم النص دراسة فى علوم القرآن، اشكاليات القراءة واليات التأويل «مجموعة دراساته المنشورة فى مطبوعات متفرقة، نقد الخطاب الديني، المرأة فى خطاب الأزمة «طبع بعد ذلك كجزء من دوائر الخوف» وغيرها.
ولم يكن د.نصر حامد أبوزيد أول مفكر إسلامى يُتهم بالكُفر والارتداد أو المّس بقداسة الدين الإسلامي، فقد سبقتهُ التهمة إلى «ابن رشد والحلاج وطه حسين وعلى عبدالرازق ومصطفى محمود وفرج فودة والقمنى وآمنة نصير»، وعشرات المفكرين الذين يصّرون على إعمال العقل وتأويل الفكر الدينى بما يتناسب وروح العصر. وأبوزيد يفّرق بين (الدين) و(الفكر الدينى)، ولا يعيد إنتاج ما سبق إنتاجه. وهو يحّرض على الحوار العقلي.
وفى أحد حواراته قال: «أبى هو الذى غمس كفى فى هذا الموقد المعرفى حينما كان يسرد لى قصص الأنبياء وأنا فى سن الخامسة من عمري، وبالذات قِصَتى يوسف وإبراهيم، وما تنطويان عليه من بعد درامى مؤثر، وكذلك مدّرس اللغة العربية الشيخ عبد العزيز الذى علّمنى كيف أكتب؟ ولماذا أكتب؟ وما الغاية من الكتابة؟ ثم قرأتُ دون كيشوت فى سن مبكرة، وتأثرتُ بها، وحينما قرأتُ «رادوبيس» نجيب محفوظ أحدثتْ انقلابًا فى ذائقتي، وهكذا توالت الحرائق الأدبية والفكرية والفنية ولم يعد بإمكانى إطفاءها، ولكننى وظّفتها فى خدمة المنهج العقلى فى التفسير كى أُنتج أفكارا جديدة، ولا أعيد ما سبق إنتاجه.
وعن علاقته بكتابة الكاتب عبد القادر الجرجانى قال فى حوار آخر له: «فى علم البلاغة والنقد يجب أن اعترف بأن عبد القاهر الجرجانى يمثل بالنسبة لى نقطة الانطلاق لقراءة «السيمولوجيا والسيمانتيك، وبالذات لياكوبسن وديريدا وبارت»، أنا أقرأ لهؤلاء وذهنى يتذكر بعض نصوص عبد القاهر. أنا لا أريد أن أقول بأن عبد القاهر قد سبق هؤلاء كما يزعم البعض، وهذا ليس صحيحًا، ولكن عبد القاهر قد تجاوز تخوم عصره، هذا أمر لا شك فيه، وبدأ آفاق معرفية جديدة، لكننا لا نستطيع أن نقول إنه سبق دوسوسير، ولكن حينما يقرأ الإنسان دوسوسير، ويرى هذا التمييز بين الدلالة والمعنى، بين الدال والمدلول، وبين اللفظ والمعنى، فالفكر الكلاسيكى يسّميه اللفظ والمعنى، بينما فى الفكر الحديث يصبح الدال والمدلول، ويعيد قراءة الجرجانى يكتشف أن هناك تلميحات عند عبد القاهر».
أما عن والدته وعن المرأة بوجه عام فقال: «ليس أبى هو الذى علّمنى فقط، وإنما أمى هى التى علّمتنى أيضًا، وقد قررتُ أن أكتب عنها فصلًا، وهى تستحق كتابًا، لأن هذه السيدة ترّملتْ وهى فى سن الخامسة والثلاثين، وأم لستة أطفال أكبرهم 14 سنة الذى هو أنا، وهى سيدة أمّية لا تقرأ ولا تكتب. ترى كيف استطاعت هذه السيدة أن تقود هذه العائلة الكبيرة والفقيرة إلى طريق النجاة؟ ما هى الصعوبات التى واجهتها وهى امرأة وحيدة فى هذا العالم؟ طبعًا كانت تعتبرنى شريكها فى المسئولية، وفى مواجهة الصعوبات. وكنت أتساءل دائمًا كيف كانت الحياة ستسير من دونها؟ وأنا كل مشاركتى هى أننى اشتغلت فى سن مبكرة، وهذا أعطانى عمقًا أكبر فى الحياة. ترى كيف يظننى الناس أنظر إلى المرأة باعتبارها أقل من الرجل، وأنا عندى المبررات لقراءة النص القرآنى قراءة عميقة لكى أرى أن القرآن لا يمّيز بين المرأة والرجل، وإذا كانت هناك تمييز فينتمى إلى التاريخ. طبعًا، المرأة فى حياتى شئ مهم لأنها ليس أمى فقط، وإنما هى من عرفتُ ومن أحببتُ من زميلاتى وصديقاتى حتى تزوجتُ، وحينما تزوجت كان زواجًا يجمع بين الحب والصداقة والزمالة والانتماء الفكرى، ولم يكن بإمكانى أن أتزوج إلاّ بهذه التركيبة، ولم يكن ممكنًا أن أتزوج زيجة تقليدية، إنما كان لا بد أن أقابل ابتهال يونس، وفعلًا قابلتها فى مؤتمر طه حسين فى القاهرة يعد أن رجعت من اليابان، وهكذا كنا نتردد على بعض كثيرًا لأسباب لا علاقة لها إلا لأنها أصغر منى سنًا، وإحساسى بأنها ممكن أن تكون فى سن بعض تلامذتي. هذا التردد كان يعكس احترامًا للمرأة فى داخلى سواء كانت أمًا أو زوجة أو حبيبة أو صديقة. واستغرب كثيرًا عندما يُنظر إليها فى ثقافتنا باعتبارها عارًا يجب أن يختفى وراء أقبية من القهر».