الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد زغلول الشيطى: الثورة ولدت من يأس وكشفت أوهام تجانس المصريين





بعد عامين على الثورة التى أطاحت بمبارك، وتغنى بها الشعب المصرى عن الحرية والعدالة الاجتماعية، يتحدث الروائى أحمد زغلول الشيطى عن حالة من إعادة تقييم الوضع السياسى وأحلام الثورة وما تحقق منها وما ينتظر التحقق، والتركيبة النفسية المعقدة للشعب المصري، ودور المثقف فى الحياة الاجتماعية والسياسية وكتابه "يوميات من ميدان التحرير" الذى كشف عن أنه كان يكتبه كيوميات حتى يصدق أن ما حدث قد حدث فعلاً... فإلى نص الحوار:
 
■ كيف ترى بعين الأديب ما يحدث فى مصر الآن؟
 
- كشفت الثورة الغطاء عن الهيكل العظمى للدولة، لاتزال الثورة مستمرة بين مد وجزر.. لكنها كشفت على واقع أخفته روايات خرافية لما يزيد على نصف قرن، حتى إننى أظن أن ما كشفت عنه الثورة كان مفاجئا للثوار والحكام على حد سواء، لابد أن حبيب العادلى سأل نفسه يوم مجزرة 28 يناير "من هؤلاء" قاصدا الحشود التى فتحت صدرها للرصاص، والتى واجهت عربات البوليس على كوبرى قصر النيل، وفى ميدان التحرير، ولابد أن مبارك قد فكر كثيرا أن هؤلاء الذين حكمهم طوال ثلاثين عاما قد أصابتهم لوثة ما، وأن العطل المفاجئ فى آلة القمع إذا ما أصلح يمكنه أن يجبر الناس على استعادة وضع الضحايا، حتى إنه ناشدهم فى خطابه البكائى بالعودة لوضعهم السابق لمدة مؤقتة، لكن "موقعة الجمل" قطعت الطريق على كل توقعاته. كما أن الثوار أنفسهم فوجئوا بالنظام يتهاوى بين أيديهم بسرعة جنونية، وأظن أن المصريين أنفسهم قد اكتشفوا أنهم ليسوا على هذا القدر من الهوان الذى أكدته الروايات الخرافية العديدة، ومنها رواية السمع والطاعة وحرمة الخروج على ولى الأمر، التى تمسك بها الإخوان والسلفيون حتى الأيام الأولى من الثورة، وعادوا إلى ترديدها حين صار لديهم رئيس فى القصر الجمهورى مؤيد بشرعية إلهية ونبوية، بما يضعف حجة جبهة الإنقاذ الوطنى والقوى الثورية المؤيدة من الشعب فقط، أو من الفلول طبقا للرواية الإخوانية، على أننى أظن أن أقوى ما كشفت عنه الثورة هو خرافية تصوراتنا عما يسمى الواقع، وأوهام تجانس المصريين والنسيج الواحد، واللغة المشتركة.. إلخ حيث بدا أن الفقر قد صنع مستعمرات اقتصاديه وسياسية وثقافية مشوهة داخل النسيج المصرى، كما صنع النهب الأسطورى لمصر ثقافاته ومستعمراته الخاصة.
 
■ هل تعتقد أن مصر على حافة الهاوية أم يحول نسيج الشعب المصرى دون ذلك؟
 
- ما هى الهاوية؟ فى نظرى اننا فى الهاوية بالفعل، حيث إن نضال الإخوان من أجل إقامة دولتهم بحس جماعة دينية سرية طائفية يعلق كل أمل لدى الناس فى الخروج من الاستبداد والفساد والقهر إلى أجل غير مسمى، وكأن التضحيات الكبيرة لمن استشهدوا واصيبوا لم تكن كافية، وكأن الناس لا يستحقون العدل والحرية لأن بهم لعنة ما، هل الهاوية أن تتوقف إمدادات القمح والسلع الرئيسية وتتعرض مصر لنوع من المجاعة؟ أم هى هجوم أطفال الشوارع، والمعدمين والجياع على الهيكل العظمى للدوله وتحطيمه؟ أم أن الهاوية هى ضياع سيناء أوسيطرة قوى إرهابية عليها؟ أم فقدان السلطة المركزية والانهيار النهائى لمظاهر السلطة؟ أم تقسيم مصر على أساس طائفى؟ أليست هذه هى أقصى عُصابات الطبقة الوسطى المصرية عن الكارثة؟ الهاوية؟ بهذا المعنى نحن على الحافة فيما عدا أن القوى صاحبة المصالح ستضمن الحدود البدائية للاستمرار.. رغيف العيش الردىء، ويد القمع القوية التى تضمن عمليات البيع والشراء.. وضمان النهب المنظم للثروات على يد القوى الصاعدة لا فرق بين ديكتاتور ببذلة أنيقة وجماعة فاشية دينية بجلباب وسبحة، ومن ثم فإن قصتنا الآن هو كيف تؤدى بنا الثورة المهددة بالخروج من هذه الهاوية من ناحية؟ وتحقيق العدل والحرية كشعار أساسى لثورة 25 يناير من ناحية أخرى، من المذهل أن الإخوان المسلمون كانوا شركاء لحركة يوليو لوقت قصير، ثم شركاء لحركة يوليو بحلولهم ضيوفا على معتقلات يوليو لوقت طويل، وهم يتشبثون الآن بوله دينى لاستعادة دولة يوليو بوجهها القمعى.
 
■ هل تعتقد أن القوى الليبرالية استوعبت الدرس وستتحد مستقبلا؟
 
- رغم ان وحدة القوى المدنية والليبرالية مؤخرا أحد الآمال الكبيرة لقوى الثورة الآن، إلا أننى أعتقد أن هذه الوحدة لم تتعرض للتحديات الكبرى بعد، بدا لى أن مسيرة 4 ديسمبر 2012 نحو القصر الرئاسى كانت هبة شعبية أكثر منها نضالا منظما ينسب لقوة بعينها، لقد رأيت بنفسى عائلات وفتيات وشبابًا من أولاد الطبقة الوسطى ومن سكان مصر الجديدة فى المسيرة، لقد أصيب الناس بالفزع حين شاهدوا الأداء الإخوانى على شاشات التليفزيون، ومقدار التهجم على حريات الناس وتكفيرهم عند أى خلاف فى الرأى.. أظن أن التحدى الكبير أمام القوى المدنية هو الريف والصعيد والعشوائيات، هو الروابط العائلية والقبلية حيث لا أستبعد انتقال هذه الروابط بشكل جماعى من الحزب الوطنى إلى الإخوان.. مازالت القوى الليبرالية تعتمد على القاهرة وعواصم المحافظات، وهذه الخبرة يعتمد عليها الإخوان كثيرا فى الاندفاع المحموم نحو إجراء استفتاء يوم 15 ديسمبر.. سيظل التحدى أمام القوى المدنية والليبرالية هى كيف تبنى قواعدها الشعبية على أسس مغايرة لما قام به الإخوان والحزب الوطنى فى المناطق الأكثر هامشية.
 
■ هناك من يتهم الثوار حاليا بأن الفلول هم الذين يقفون وراءهم؟
 
- رأيت مؤخرا رجلا فى الأربعينيات من عمره يمشى فى ميدان التحرير مصطحبا دراجته الهوائية بيد وباليد الأخرى يرفع لوحة مكتوبًا عليها "سمك لبن تمر هندى"، رأيته فى مظاهرات عديدة رافعا هذه اللوحة. فكرت أنه يريد أن يوصل رسالة.. هى أنه يتم التعمية على الحقائق البسيطة الاولى.. تلك التى يراها ويتأملها بنفسه ولا يستطيع التعبير عنها ولا يجد من يعبر عنها تماما كما يراها واضحة كالشمس، لذلك يخبرنا دائما أن الوضع "سمك لبن تمر هندى".. فمعظم من هم فى مظاهرة ميدان النهضة بالجيزة من فقراء الريف ينبغى أن يكونوا فى التحرير، وبعض من قادتها ينبغى أن يكونوا فى السجن، وبعض من هم فى التحرير ينبغى أن يكونوا فى العباسية أو روكسى، وبعض الذين يتهتهون ويخجلون حين يواجهون أكثر من شخصين فى وقت واحد ينبغى أن يكونوا قادة.. وتمثال الست اللى حاضنة رأس أبو الهول كان ينبغى أن ينظر أمامه فى غضب، وهكذا حين يكف الرجل عن رفع لوحته سيكون الفرز قد تم.. هذا الاختلاط النسبى هو من خصائص الحالة المصرية، ومن خصائص الحالة الثورية المفتوحة على الجميع دون تمييز على أساس الانتماء السياسى أيضا من غير المتصور ظهور كيانات سياسية مناهضة للثورة داخل ميدان التحرير، ولكن مسموح للأفراد بصفتهم أفرادا الدخول كغيرهم وهذا ما حدث حتى الآن، على أن التهمة الموجهة من الإخوان ليست إلا مناورة قصد به اختراع عدو وهمى فى مظاهرة الاتحادية لممارسة السحل والقتل باسم مقاومته.
 
■ هل تعتقد أن الربيع المصرى تحول إلى خريف؟
 
 - سمعت مؤخرا الشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودى يصرخ على التليفزيون قائلا ياليتنا ماقمنا بثورة، لقد تردد هذا الكلام كثيرا فى أوساط كثيرة وقد سمعته بنفسى من مثقفين وموظفين صغار وحتى ثوريين فنتيجة الثورة كانت كارثية فالثورة حين ازاحت مبارك كانت كأنما تهيىء مقعد الحكم للإخوان المسلمين.. لا باعتبارهم القوة الوحيدة المهيأة للحكم بل باعتبارهم القوة الوحيدة المهيأة للمساومة وإبرام الصفقات.
 
■ ألا تعتقد أن كتابك "يوميات من ميدان التحرير" وقع فى فخ التسجيلية والمباشرة؟
 
- حين كتبت عن الثمانية عشرة يوما الأولى للثورة التى بدأت فى 25 يناير 2011 لم أكن أقصد تأليف كتاب عن الثورة، كنت أكتب يوميات عما أشاهده فى ميدان التحرير، خاصة أن بيتى يبعد عن الميدان عدة خطوات، كنت أكتب مشاهداتى بحرية كاملة دون تقيد بشكل أو قالب فنى معين، كان دافعى هو مقاومة النسيان لأن ما كان يحدث أمامى، أسفل شرفة منزلى كان ثورة ولدت من يأس، فى ظل حكم بوليسى بدا غير قابل للهزيمة، كنت أكتب كى أصدق أن ما حدث بالأمس قد حدث فعلاً.
 
■ هل تشعر أن روايتك "ورود سامة لصقر" قد ظلمت باقى أعمالك؟
 
- لا أعتقد أن ثمة عملاً يظلم آخر، دائما تعيد القراءة نصوصا إلى بؤرة الضوء وتغيب أخرى.. لا يوجد معيار لذلك. ربما، فقط، اختبار الزمن.