الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«بعد العاصفة» تفضح السطو القطرى على مقتنيات الثقافة المصرية

«بعد العاصفة» تفضح السطو القطرى على مقتنيات الثقافة المصرية
«بعد العاصفة» تفضح السطو القطرى على مقتنيات الثقافة المصرية




كتبت- سوزى شكرى

فى ملفاتنا كثيرا ما نوهنا عن اختفاء العديد من اللوحات الفنية ذات القيمة التاريخية والأثرية والفنية التى لا تقدر بثمن، والتى بدأنا نشرها منذ 16 نوفمبر 2016 للأسف ضاع بعضها بسبب الإهمال وعدم متابعة اللوحات المعارة للسفارات خارج مصر منذ سنوات فاقت الستين عامًا، وبعضها سرق ولم يكشف عن السارق حتى الآن.. فكم من التحقيقات قيدت «ضد مجهول» ذلك الغائب الحاضر، ودائما ما ننتظر أحداث تكشف لنا عن حقائق أُخفيت لفترة وتم التكتم عليها.. من له المصلحة فى تهريب مقتنياتنا؟، ومن يسهل على السارق مهمته؟ السر فى عدم وجود كتالوج لمقتنيات متاحفنا حتى نستطيع الحسم هل هذه الأعمال الموجودة بالخارج تملكها وزارة الثقافة المصرية أم ملك للأفراد ومجموعات خاصة؟، بالإضافة إلى أنه فى الفترة الحالية أغلب متاحفنا مغلقة منها للترميم ومنها بسبب الجرد.

■ آخر السرقات
آخر هذه الأحداث التى رصدناها هى اكتشاف اختفاء لوحة «قبرص بعد العاصفة» لرائد الفن المصرى الفنان الراحل محمود سعيد (1897- 1964)، والتى أبدعها عام 1943، وفى بطاقة الوصف الخاصة باللوحة هى من ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث بالأوبرا – القاهرة، وموثقة بالسجل تحت رقم (1297) رقم مخزن (2) – لوحة زيتية – المقاس 63 × 75 سم، وبحسب تقييم المتخصصين تقدر قيمة هذه اللوحة بنصف مليون دولار ولكن فى حالة عرضها فى أحد قاعات المزادات العالمية وتم التنافس عليها ستصل إلى مليون ونصف دولار.
تبين وجود هذه اللوحة ضمن المقتنيات الرسمية لمتحف الفن الحديث والعالم العربى  بالدوحة – قطر، وموجودة على موقعه الإلكترونى «موسوعةِ متحفٍ للفن الحديثِ والعالمِ العربىMathaf Encyclopedia of Modern Art and the Arab World (MEMAAW)»، ضمن أربع عشرة لَوحة للفنان لمحمود سعيد.
وقد تمكن سارق اللوحة من تهريبها إلى قطر وقت انشغال الدول العربية فى ثوراتها وبتسهيلات من قبل حكومة الإخوان»  وكما هو معروف عن العائلة الحاكمة القطرية أنها مصابة بحالة من الهوس والجنون لاقتناء التراث الثقافى والحضارى للشعوب بأعلى سعر بالأخص تراث مصر، طمعا فى تصدر المشهد الدولى باعتبارها أحد الدول الشغوفة بالفنون، لكن كيف لدولة بلا ماض ولا تاريخ ولا حضارة أن يصبح لها دور فى الاهتمام بالتراث الإنسانى!!.
منذ عام 2010 خططت الأسرة الحاكمة لدويلة قطر لمشروع كبير تحت عنوان Art Project لكى تصبح أكبر مشتر للتحف الفنية وذلك استعداد لاستقبال مونديال كرة القدم (2022)، وفى خلال الست سنوات الأخيرة وتحديدا من عام 2011 ترددت الشيخة «المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثانى» فى قاعات المزادات العالمية لاقتناء أغلى اللوحات ونجحت فى اقتناء لوحة للفنان «جوجان» مقابل 300 مليون دولار، ولوحة للفنان سيزان – لاعبو الورق بقيمة 300 مليون دولار، وتم الاقتناء عام 2012، ولوحة للفنان «بيكون» اقتنتها عام 2013 بقيمة 143 مليون دولار، إلى أن أصبحت الشيخة «المياسة» ضمن 100 شخصية يتنافسوا على اقتناء الأعمال، ورغم كل ما تم اقتناؤه بطريقة شرعية أو غير شرعية.
إلا أن الفن المصرى وحضارة مصر تمثل بالنسبة لهم القيمة الأعلى والأهم، كما وجدنا على موقع موسوعة متحف قطر-أعمال للفنانين المصريين التشكيليين والنحاتين من جيل الرواد منهم راحلون ومنهم على قيد الحياة، لا نعرف كيف وصلت إليهم هم «محمود سعيد، عبد الهادى الجزار، جمال السجينى، جاذبية سرى، جورج صباغ، أحمد عثمان، حامد عويس، راغب عياد، إنجى أفلاطون، آدم حنين، يوسف كامل، محمود مختار، حامد ندا، سيف وائلى، آدم وائلى».
ونرصد لكم فى هذا التقرير البلاغ المقدم للنائب العام من ياسر عمر أمين (محامى وباحث فى مجالى حقوق الملكية الفكرية وسوق الفن) بتاريخ 24/11/2016 وقيد تحت رقم 14794 لسنة 2016 لاستعادة لوحة «قبرص بعد العاصفة» والتى ما زالت موجودة إلى الآن على الموقع الإلكترونى لمتحف قطر، ولكن منذ تقديم البلاغ للنائب العام لم تتحرك التحقيقات، ومن المفارقات أن قطر بعد إعلان مصر المقاطعة أعلنت أن الافتتاح الرسمى للمتحف سوف يكون فى ديسمبر 2018 بحضور «تميم»!.
جاء فى البلاغ ذكر مواصفات اللوحة وأرقامها المطابقة لما هو مسجل بمتحف الفن الحديث بالقاهرة، ورصد اهمية اللوحة، كما أوضح المحامى «ياسر عمر أمين» أن اللوحة محل البلاغ ضاعت وسرقت وهربت نتيجةَ الإهدار لمالٍ ثقافى وتراثى يعد من المقتنياتِ القومية المتحفية، التيِ لا يجوز التصرف فيها، بما يخالف وجهَ القانونِ والاتفاقيَّاتِ الدولية المعنية بحماية الأموال والممتلكاتِ الثقافية، لا سيما «اتفاقية اليونسكو الخاصة بالتدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة – عام 1970  المادة الأولى – بند1) والتى صدقت عليها جمهورية مصر العربية بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 114 لسنة 1973، الصادر بتاريخِ 27/9/1973.
وأرفق بالبلاغ العديد من الأدلة التى تؤكد أن اللوحة مصرية الميلاد وكشف عن سير اللوحة، وأنها من مقتنيات متحف الفن الحديث المصرى بالأوبرا، من بين الأدلة التى قدمها وحصلت عليها «روزاليوسف» نسخ منها صورة بلاغ للنائب العام، وصفحات لكتاب «الفن وأحواله» للفنان والناقد الراحل أحمد فؤاد – عام 2006 – أغسطس، ومقالته بعنوان (ليست وحدها «الراهبة» التى ضاعت» – صفحة 130، 131، ذكر «سليم» فى مقاله أن لوحات كثيرة ضاعت منها لوحة « الراهبة « لـ«أحمد صبرى»،  ولوحة «زوبعة على الكورنيش ولوحة قبرص بعد العاصفة للفنان محمود سعيد، ولوحات للفنان راغب عياد وغيرها، وأنها لوحات تمثل علامات محورية فى حركة الفن المصرى والتى ضاعت عام 1960 فى «مونتفيديو» عاصمة الأرجواى على سبيل الإعارة، وهما اثنى عشر لوحة، ولم تستجب السفارات لكل مخاطبتنا ولا الخارجية، ولا مكتب البعثة المصرية بنيويورك، فى يناير عام 1973 حرر مدير عام السكرتارية العامة بوزارة الخارجية خطابا إلى مدير عام الفنون الجميلة معتذرا عن عدم إمكانية ردة على تساؤلات مدير متحف الفن الحديث بانه لم يصله رد من قبل بعثة سفارة مصر بنيويورك بشأن الأعمال، وهذا ما يؤكد بحسب ما ذكرة «أحمد فؤاد سليم» أن سفارة مصر بأمريكا نفضت يدها.
كما أرفق بالبلاغ ما يؤكد ويحسم مصداقية اللوحة أنها من مقتنيات وزارة الثقافة والتى لا نذكرها حافظا على سير التحقيقات.
■ دور وزارة الخارجية ووزارة الثقافة المصرية
ومن جانب وزارة الثقافة المتمثلة فى قطاع الفنون التشكيلية الجهة المعنية بمتحف الفن الحديث بالأوبرا، والذى تعود إليه اللوحة، فقد تابع رئيس قطاع الفنون التشكيلية د.خالد سرور، وتقدم بإجراءات تصاعدية ومخاطبات رسمية وصولا إلى وزارة الخارجية، وقد ورد رد من وزارة الخارجية أن بحوزتها عشر لوحات فنية ضمن المجموعة التى جاءت عن طريق الإعارة عام 1960 – إلا أن لوحة «قبرص بعد العاصفة» ليست ضمن المجموعة، وجار التواصل بين الخارجية وزارة الثقافة لرصد اللوحات المعارة.
■ أدلة جديدة ظهرت بعد تقديم البلاغ
الأدلة الجديدة التى رصدناها هى (لقطة فوتوغرافية – الكتالوج المسبب لفنان محمود سعيد – مقالة الناقد الفنى سمير غريب).
لإحدى قاعات العرض الشهيرة واللوحة معروضة ويجلس فى القاعة د.محمد أبو الغار، وعلمنا من مصادرنا الخاصة أنها كانت ندوة نقدية وفنية أقيمت منذ أربع سنوات تقريبا، وأشار لذلك أيضا الناقد الفنى «سمير غريب» فى مقالته بجريدة الحياة اللندنية بتاريخ (27 فبراير 2017) تحت عنوان «مفاجآت الكتالوج المسبب للفنان محمود سعيد» وجاء فيه: أكدت المعلومات المنشورة فى الكتالوج صحة البلاغ الذى تقدم به الباحث المتفرد فى الشؤون القانونية للفن ياسر عمر أمين، إلى النائب العام حول اختفاء لوحة محمود سعيد «قبرص بعد العاصفة» من متحف الفن المصرى الحديث. هذه اللوحة تمت إعارتها من المتحف إلى معرض فى أوروجواى وعادت إلى مقر وفد مصر فى الأمم المتحدة عام 1960، توقف خط سير اللوحة عند ذلك، بينما ظهرت اللوحة فى القاهرة وتم تصويرها فى (يناير) 2013 .
ومن الأدلة الجديدة من واقع صفحات كتاب Catalogue raisonné بمناسبة ذكرى ميلاد الفنان المصرى التشكيلى محمود سعيد (1897-1964) وهو أول موسوعة موثقة للفنان محمود سعيد والذى قام بكتابها د.حسام رشوان بالتعاون مع الباحثة والناقدة الفنية «فاليرى هيث». وهو المرجع الرئيسى الموثق له أرشيفيا، ويضم جميع أعماله واستغرق إعداده الخمس سنوات الماضية وقد أقيم حفل توقيعه مارس الماضى بالقاهرة، تكشف لنا صفحة (438) لوحة «قبرص بعد العاصفة» كتب أسفل اللوحة وصف اللوحة (لوحة زيتية – 63 فى 75 – رسمها الفنان محمود سعيد 1943، تبع خط سير اللوحة بحسب الكتالوج، أنها موجودة الآن بمتحف الفن الحديث والعالم العربى بقطر – كما أنها مسجلة بمتحف الفن الحديث بالاوبرا التابع لقطاع الفنون التشكيلية وضمن مقتنيات وزارة الثقافة، مسجلة تحت رقم 1297 – مخزن (2)، وانها كانت ضمن مجموعة لوحات سافرت للإعارة إلى متحف «مونيفديو بأمريكا» عام 1960، وعرضت اللوحة بأحد معارض الإسكندرية 1944، وإنها موثقة فى كتاب الفنان عصمت «دواستاشى».
وأيضا ذكر الباحث والمحامى «ياسر عمر أمين» ومقدم البلاغ للنائب العام وقد سرد فى صفحة 23 من الدراسة القانونية للكتالوج محمد سعيد 3 إشكاليات اختلاس الغير مشروع لهذه اللوحة تحديدا «لوحة قبرص بع العاصفة»-حيث سرد كل ما يخص اللوحة ميلادها ومصدرها التاريخى وأهمية الكتالوج فى إثبات صحة العمل وأن سرق وتم السطو عليه وأن لم يثبت أرشيفيًا أن اللوحة رسمت مرتين كما فى بعض لوحات محمود سعيد.