الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

»آدم« يسبب أزمة داخل جدران الكنيسة

»آدم« يسبب أزمة داخل جدران الكنيسة
»آدم« يسبب أزمة داخل جدران الكنيسة




أعدها: روبير الفارس
أثارت دراسة للدكتور أوسم وصفى بعنوان أسئلة فى العهد القديم قضية شائكة تظهر من حين لآخر ثم تختفى وهى متعلقة بشخصية سيدنا «آدم» هل هو شخصية تاريخية حقيقية ام شخصية رمزية.

وقد ظن كثيرون ممن تعجبوا من مجرد طرح السؤال أن القضية حديثة وسببها ما يسمى باللاهوت الليبرالى أى الحر عند دراسة الكتاب المقدس، ولكن الراهب مارقس المقارى أكد أن القضية قديمة جدا وسبق ان تعامل معها آباء الكنيسة الأوائل فقال من المؤسف أن يصرح أبناء كنيسة الإسكندرية - تلك الكنيسة التى اعتمدت المنهج المجازى الشامل لشرح العهد القديم بناء على مذهب فيلو السكندرى وكتابات القديس بولس الرسول - بالتاريخية الحرفية لجميع شخصيات وقصص العهد القديم! من المؤسف حقًّا أن أجدادنا كانوا يبحثون عن سر المسيح المخفى فى طى الأسفار اليهودية للتدرج فى معرفة الإله المتجسد، غير مبالين كثيرا بتاريخية النص أو عدمه، بينما ينظر الأحفاد إلى تلك الأسفار على أنها مجرد ملزمة تاريخ!
لنستمع إلى العلامة أوريجانوس (نحن الآن فى القرن الثانى والثالث الميلادى!) ماذا يقول عن تاريخية سفر التكوين:
إذا قيل إن الله كان يتمشى فى الفردوس وقت المساء وأن آدم اختبأ خلف شجرة، لا أزعم أن أحدًا يشك فى أن هذه الأمور تشير مجازيًّا إلى أسرار معينة ورغم أن القصة تبدو تاريخا إلا أنها لم تحدث فى الواقع (عن كتاب «المبادئ») (Ante-Nicene Fathers Vol. 4, p. 365))
وعلى هذا المنوال الذى يعتبر آدم رمز بالأكثر يقول الباحث جورج نسيم
ان سفر التكوين بالعهد القديم يحدثنا عن «الإنسان Human» وليس فرداً واحداً معروفاً اسمه آدم.
الكلمة العبريَّة אדם (آدام) تعنى «إنسان Human being» بشكل عام، وليست اسم علم.
مثال للتوضيح:
عندما أقول «مهندس»، فمهندس هنا ليست اسم بعينه، هذا اسم عام لوظيفة تنطبق على كل من هو خريج هندسة، فعندما أقول «المهندس بيشقى لكى يتخرج» فأنا اقصد هنا كل «مهندس» فى الكون وليس مهندسًا معينًا.
لكن عندما أقول «فؤاد المهندس» مثلا، فـ«المهندس» هنا اسم علم، شخص واحد بعينه اسمه فى البطاقة «المهندس».العلَّامة أوريجينوس يقول تعليقًا على معنى كلمة «آدم»:
[فى اللغة العبريَّة (كلمة) «آدم» تعنى إنسان؛ وفى تلك الأجزاء مِنَ القصَّة التى تبدو وكأنَّها تُشيرُ إلى آدم كفرد، يتحدَّث فيها موسى النبى عن الطبيعة البشريَّة عامَّةً.
لأنَّه «فى آدم» (كما يقول الكتاب) «يموت الجميع» (رسالة مُعلِّمنا بولس الرسول الأولى إلى أهلِ كورنثوس ١٥: ٢٢؛ رسالة مُعلِّمنا بولس الرسول إلى أهلِ رومية ٥: ١٤)، وقد أُدينوا على شبه تعدِّى آدم، فإنَّ كلمة الله تؤكِّد بأنَّه ليس (المقصود) فرد واحد بعينه بل (تشير) إلى الجنس البشرى كلّه.
لأنَّه فى تلك السلسلة المُتّصلة من العبارات التى تبدو وكأنَّها تُطبَّق على شخصٍ واحد بعينه، فإنَّ اللعنة التى نُطِقَ بها على آدم تُعتَبَر مُشتركة بين الجميع (كلّ أفراد الجنس البشريّ)، وأيضًا هذا الذى قيل فى الإشارةِ إلى المرأة (أى المرأة الأولى) قد قيل عن كلِّ إمرأة بدون استثناء.
وجاء ذلك فى كتاب «ضد كلسوس: الكتاب الرابع، الفصل رقم ٤٠.»
ويؤكد الكتاب ذلك عندما يقول «ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ، وَبَارَكَهُمْ، وَسَمَّاهُمْ إِنْسَانًا (آدام אדם)» (تكوين ٥: ٢).
الكتاب يذكر ان «آدام» هو اسم الذكر والأنثى .. الاثنين اسمهم آدام (إنسان)!
هذا قبل السقوط، لكن بعد السقوط صار الرجل اسمه «آدم» والمرأة «حواء» كاسم علم لكل منهما وظل يستخدم لتحديد الرجل والمرأة المذكورين فى الرواية التكوينية، وهذا له مدلول لاهوتى عميق جدا، يشير للافتراق أو الانفصال الذى حدث فى الطبيعة البشرية، ويشرح القديس غريغوريوس النيسى أحد آباء الكنيسة الأمر فيقول:
فى القولِ بأنَّ «اللهُ خَلَقَ الإِنْسَانَ» (تكوين ١: ٢٧)، فالنصُّ هنا، بواسطة المعنى غير المُحدَّد للمصطلح (أى مصطلح «الإنسان»)، يَقصِد كلَّ الجنس البشريّ (وليس آدم وحده)؛ أليس أن آدم سُمِّى مع باقى الخليقة، كما يروى لنا التاريخ فيما يلى؟
فى حين أنَّ الاسم المُعطَى للإنسان المخلوق (آدم) ليس اسمًا مُحدَّدًا (لفرد)، ولكنه اسم عام: لذلك فنحن ننقاد إلى توظيف الاسم العام لطبيعتنا (البشريَّة) لنشرح بها رأيٌ كهذا- أنَّه فى المعرفة الإلهيَّة الـمُسبقة و(وفق) القوَّة (الإلهيَّة) قد تمَّ شمل (أو تضمين) كلّ البشريَّة فى الخلق الأوَّل؛ فإنَّه من غير اللائق بالله أن يتمُّ عدم اعتبار الأشياء التى خُلِقَت بواسطته وكأنَّها غير مُحدَّدَة، ولكن كلّ شيءٍ موجود يجب أن يكون له شيءٌ من الحدِّ والقياس حسبما حدَّد صانعه.
الآن، كما أنَّ أيّ رجلٍ مُعيَّن هو محدود بسبب أبعاد جسده، والحجم الخاصّ الذى هو مُلتَصِقًا بسطحِ جسمه يُعتبر مقياسًا لوجوده المُستقلّ، لذلك أعتقد بأنَّ كلّ الإنسانيَّة كاملة قد تمَّ إدراجها بواسطة إله الكلِّ، وبعلمه السابق، كما لو كانت فى جسدٍ واحد، وهذا هو ما يُعلِّمنا النصَّ إياه بالقول: «فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ، عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ» (تكوين ١: ٢٧).
لأنَّ الصورة ليست جزءًا من طبيعتنا، كذلك ليست النعمة أيضًا فى أى جزءٍ من الأشياء الموجودة فى هذه الطبيعة، ولكن تلك القوَّة تمتدُّ بالتساوى لكلِّ الجنس (البشريّ)، وكعلامة على (صحَّة) هذا فإنَّ العقل قد زُرِعَ على حدٍّ سواء فى الكلِّ: فإنَّ الكلّ لديهم القدرة على الفهم والاستيعاب، كما بواسطة كلّ شيءٍ آخر تجدُ به الطبيعة الإلهيَّة صورتها التى قد عُمِلَت وفقًا لها: أى الإنسان الذى ظهر فى فى عمليَّة خلق العالم الأولى، وأنَّه يصير بعد إتمام (خلق) الجميع، على حدٍّ سواء: أنَّهم كلّهم يحملون فى أنفسهم بالتساوى (تلك) الصورة الإلهيَّة.
لهذا السبب، فإنَّ الجنس البشريّ كلّه كان يتمّ الحديث عنه وكأنَّه إنسانٌ واحد، أعنى أنَّه بالنسبة لقوَّة الله (وسلطته) فإنَّ لا شىء هو ماضٍ أو حاضر، فإنَّ حتَّى ذاك الذى نتوقَّعه هو معروفٌ (لديه)، وبالمثلِ أيضًا ما هو حادث (الآن) فى الحاضر، بواسطة الطاقة الحافظة للجميع.. طبيعتنا كلُّها كاملةً، إذًا، مُمتدَّة من (الإنسان) الأوَّل للأخير، هى، على حدِّ القول، صورة واحدة له.
(كما جاء فى كتاب فى خلق الإنسان، الفصل ١٦، فقرة ١٦ و١٧ و١٨)
آدم والمسيح
وفى اطار القضية نفسها رفض العديد من آباء ءالكنيسة اعتبار كون سيدنا آدم شخصية رمزية، فآباء الكنيسة وعلى رأسهم القديس كيرلس عمود الدين وغيره يعتبرون آدم شخصية تاريخية وهو أبوالجنس البشرى وجاء البشر كلهم من نسله.
كما تشهد تفسيرات التكوين للآباء بذلك، ويقول الدكتور القس أشرف عزمى من الصّعب اعتبار إشارة بُولُس الرَّسُول بالانجيل إلى آدَم أَنَّها مُجَرّد إشارة إلى مُمَثِل رمزىّ عن الجنس البشريّ.
فآدَم هُوَ «الإِنْسَان الواحد» الّذى به دخل الْمَوْت إلى الْعَالَم، كما أنَّ الْمَسِيح هُوَ ذلك «الواحد» الّذى بطاعته يأتى الإِنْسَان إلى حياة البِرّ.
ولا يمكن أن تصح المقارنة بَيْنَ الْمَسِيح وآدَم ما لم يكن آدَم شخصيّة تاريخيّة، كما أنَّ الْمَسِيح هُوَ أَيْضًا شخصيّة تاريخيّة.
وهذه العقيدة الّتى يشرحها الرَّسُول بُولُس فى رُوميَة 5 مبنيّة على حقيقة تاريخيّة آدَم.
إنَّ الخطيّة والإثم والمَوْت كحقائق مرتبطة بالوجود البشريّ، ويشرح الرَّسُول بُولُس سَبَبَ وجودها وارتباطها بآدَم «الإِنْسَان الواحد».
ومن الصّعوبة بل ومن المستحيل الْقَوْل إنَّ بُولُس لا يُشِيرُ إلى شخصيّة تاريخيّة. فتاريخيّة آدَم وما فعله هما أساس دخول الخطيّة والموت إلى الْعَالَم.
وَيُؤْكِّد الرَّسُول بُولُس نفس الحقيقة فى كورنثوس الأُولى الفصْل 15 عندما يَقُولُ إن الْمَوْت بإِنْسَان (21، 22)، وفى الآيَة 45 نجده يُشِيرُ إليه باعتباره «آدَم الإِنْسَان الأَوَّل».
وبُنَاءً على هذه الحقائق، لا يمكن أن نعد آدَم إلا إِنْسَانا تاريخيًا. فالْعَهْد الْجَدِيد- الانجيل - ينظر إليه أَنَّه هكذا، وعلى أساس تاريخيّة شخصه وتاريخيّة ما فَعَل أصبح آدَم مرتبطًا بالخطيّة وبالموت.