الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أسرار عداوة الكنيسة للعقاد

أسرار عداوة الكنيسة للعقاد
أسرار عداوة الكنيسة للعقاد




أعدها: روبير الفارس

فى عام 1951 أصدر الكاتب العملاق عباس محمود العقاد كتابه الشهير «عبقرية المسيح» وهو الكتاب الذى ما زال يطبع حتى الآن ويناقش تاريخ ميلاد المسيح وموقعه فى التاريخ والحالتين السياسية والاجتماعية فى عصر الميلاد وأيضا الدينية والفكرية.. ويتعرض لما جاء  فى الأناجيل ومدى اخلاص التلاميذ له.
وفى الختام يخبرنا ماذا لو عاد المسيح؟ والكتاب قدم حياة المسيح من خلال الاناجيل والقرآن والتاريخ وفى ظل الاهتمام بالكتاب وكاتبه تم تجاهل رد فعل الكنيسة حول عبقرية المسيح، الأمر الذى نكشف عنه فى هذا التقرير.

فعلى غير المتوقع شن عدد من الكهنة هجومًا على الكتاب، كان على رأسهم القمص سرجيوس خطيب ثورة 1919 والذى هاجم الكتاب والعقاد فى مجلة المنارة المصرية التى كان يرأس تحريرها  حيث كتب يقول: قيل إن لكل عالم غفوة ولكل جواد كبوة!
ونحن إن أبدينا ملاحظاتنا على كتاب الاستاذ العقاد «عبقرية المسيح» فسوف نبديها على اعتبار أن «لكل عالم غفوة ولكل جواد كبوة» وذلك لأننا نظن أن غفوته هذه كانت انزلاقا منه فى طريق النجاة فى تصريف كتابه: «عبقرية عمر» فأراد أن يتابع النجاح بنجاح أوسع ويحمل سلسلة من العبقريات تتصل الحلقة بالحلقة فعمد إلى الكتابة عن عبقرية يهتم بها الناس ويكون لها رواجها ويفتح بها سوقا أخرى فوجد أمامه القاسم المشترك الاعظم الذى يشترك فى حبه الشرق والغرب، ويعبده المسيحيون وينتظره اليهود ويقدسه المسلمون ويحترمه الوثنيون ألا وهو السيد المسيح.
وإنه فى غير روية أسرع العقاد وأخرج من درج مكتبه «اكليشيه» العبقرية وراح يضعه إلى جانب اسم المسيح وأخذ يكتب عن «عبقرية المسيح» فكان كالعالم أرشميدس صاحب نظرية الثقل النوعى اذا اكتشف نظريته وهو فى الحمام فمن شدة فرحه خرج من الحمام عريانا فى الشارع وهو يصيح: وجدتها! وجدتها!
وهو كان حال الأستاذ العقاد حين وجد بغيته ليصل بسلسلته  حتى تصبح سلسلة ذهبية تدر المال الوفير وذلك على حساب لاهوت المسيح!
خاصة ان الكُتَّاب الذين يؤمنون برسالة الانبياء وانهم  مسوقون بالروح القدس الذى أوحى اليهم  عند تأدية رسالتهم لم يصر أحد منهم أن يصف رسالة الانبياء والرسل بالعبقرية لأنه - أى الكُتَّاب المؤمنين - يعلمون الفارق العظيم بين الإلمام الطبيعى للبشريين وبين الوحى الالهى للانبياء.
ولكن العقاد أبى إلا أن ينظم المسيح فى سلسلة عبقرياته كأحد أفراد البشر مثل الفلاسفة والشموع والموسيقيين والمصورين العباقرة الذين اكتحلت عيون البشر برؤيتهم فى كل زمان ومكان.
والاستاذ العقاد يعلم علم اليقين أن كل ما فى المسيح يفوق الحوادث والعقل البشرى ولم ير فى التاريخ ولا الانسانية ولا العصور ولا الطبيعة من يماثل المسيح أو يقابل به.
وليس من قبيل التروى  نقول إن العقاد يعلم علم اليقين بماهية المسيح بل نحن ننقل عنه ما سجله فى كتابه «عبقرية المسيح» إذ قال فى صفحة 161 عن المسيح: «وتم على يد هذا الرسول نقيض ما يتم على ايدى الوثنية فى صولتها وسلطانها، فإن الوثنية تتغلب لأنها دين الدولة الغالبة، أما هذه الرسالة – رسالة الملكوت السماوى – فقد نشأت فى عشيرة قبيلة ذليلة تحكمها تارة دولة الرومان الغربية! وتحكمها تارة أخرى دولة الرومان الشرقية، فلم يمض غير أجيال معدودات حتى غزت الدولتين واستولت على العاصمتين وصح ما رووه عن جوليان.. سواء قاله أو لم يقله.. فانتصر «الجليلى» بملكوته السماوى على ممالك القياصر وضم القياصر إلى حاشيته فمنه يأخذون ما أخذوه باسم قيصر وما أخذوه باسم الله.
وقال العقاد أيضا فى كتابه عينه ص 196: «فمن الحق أن نقول إن معجزة المسيح الكبرى هى هذه المعجزة التاريخية التى بقيت على مر الزمن ولم تنقض بانقضاء ايامها فى عصر الميلاد.. رجل ينشأ فى بيت نجار فى قرية خاملة بين شعب مقهور، يفتح بالكلمة دولا تضيع فى اطرائها دولة الرومان ولا ينقضى عليه من الزمن فى انجاز هذه الفتوح ما قضاه الجبابرة فى ضم اقليم واحد قد يخضع إلى حين ثم يتمرد ويخلع النير، ولا يخضع كما يخضع الناس للكلمة بالقلوب والأجسام».
كما قال العقاد أيضا فى الكتاب صفحة 315: «وبعد فهذا الكتاب مقتصر على غرض واحد وهو جلاء العبقرية المسيحية فى صورة عصرية نفهمها الآن كما نفهم العبقريات على أقدارها وأسرارها، وقد قل فيها نظير هذه العبقرية العالية فى تواريخ الأزمان قاطبة».
إن الذى يؤاخذ عليه الأستاذ العقاد هو انه يشيد ويسجل بنفسه ان عبقرية المسيح العالية معدومة النظير فى تواريخ الازمان قاطبة وان معجزة حياته لهى المعجزة التاريخية وان ما قام به من فتوحات العالم وغزوات الممالك بالكلمة لا نظير له فى حياة الجبابرة والعباقرة والعظماء ثم يظل متمسكا بوصفه للمسيح انه عبقرى كواحد من افراد البشر الذين يوصفون بالعبقرية.
وها نحن نأتى للعقاد بطائفة من أعظم عظماء العباقرة الذين يخر لهم سجودا واحتراما ويؤمن بعبقريتهم العالية ليسمع ما يقولونه عن المسيح وهل يعتبرونه عبقريا مثلهم أم يرفعونه فوق أمانهم ويضعونه على قمة تيجانهم وينحنون أمام جلال لاهوته.
وإلى العقاد ما قاله هرمن: اذا اعترفنا بألوهية المسيح فلا نعطيه الا اسمه الحقيقى فقط.
قال شارلس لمب: لو جاء شكسبير إلى هذه الغرفة لوقفنا كلنا اجلالا له واما لو جاء المسيح لجثونا كلنا تحت قدميه نقبل هدب ثوبه.
قال ستروس (وهو منكر الوحي): كما يصغر شأن الانسانية بلا دين كذلك يقل قدر الدين بدون المسيح فهو الباقى إلى الابد صوان الدين الاسمى ونموذج الكمال المطلق. ولا سبيل للحصول على التقوى الحقيقية بدون حضوره فى القلب.
قال العلامة شاننج وهو من زعماء الموحدين، اننى ألاقى كلما تأملت فى قول شالوا إلىَّ يا جميع المتعبين والمثقلى الأحمال وأن اريحكم وقوله أتيت لأطلب وأخلص ما قد هلك. ومن يعترف بى أمام الناس أعترف به أمام أبى الذى فى السموات. ومن ينكرنى قدام الناس أنكره متى أتيت فى جد الاب. وقوله فى بيت أبى منازل كثيرة وكلما وثقت من أهمية هذه الأقوال الخطيرة أشعر فى قلبى أنى مصغ لكائن لا مثيل له بين الناس ولم يتكلم قط بشر نظيره .. ويأخذنى العجب من عظمة هذه الكلمات البسيطة ولما أقارن هذه العظمة بأدلة معجزات المسيح اضطر إلى أن اصرخ مع قائد المائة قائلا حقا كان هذا ابن الله.
قال الفيلسوف ليكى: كان للمسيح نفوذ لم يسمع عن مثله من ذى قبل والحق يقال إنه عمل بتاريخ حياته البسيطة ما نطلق عليه تجديد الجنس البشرى ورفع شأن الإنسانية ما لم يكن فى استطاعة جميع الفلاسفة بكل مساعيهم وجهود أهل الادب بنصائحهم أن يعملوا شيئاً منه.
وقال العلامة نوح اليهودى «أى حق لمن يدعونه دجالا ونحن نرى أكثر من 150 مليونا يعتقدون بألوهيته ومن حولنا ادلة لا عدد لها من السعادة والايمان والحكم الصحيح والاحسان الحى العامل للخير الذى يتبعك من ديانته. ولا مشاحة ان قلنا إن الذى عبر الجنس البشرى عظيما سعيدا لا يمكن أن يكون كاذبا فى دعواه.
وقال اللورد بيرون الشاعر الكبير: إن كان الله قد صار انسانا أو الانسان إلها فالمسيح كان إلها وانسانا معاً.. ولم اطعن فى تعليمه قط ولن أمسه باعتراض ولكنى اشكو الشكوى من اساءة الناس لاستعماله واهانته برداءة سيرة.
ألا تدل اقوال هؤلاء الفلاسفة على سمو مقام المسيح وعلى انه لم يوجد له مثيل فى الصفات بين البشر قاطبة صعب على عقل انسان أن يصدق أنه اله فماذا يقول نسبة هذه الاوصاف الكمالية اليه مع بقائه بشرا فى البشر العاديين ؟! واذا كانت هذه هى لغة القمص سرجيوس.
فإن المجلة قد أفردت مساحة لكاتب يدعى  الدكتور «س» كتب تحت عنوان «ملاحظات على كتاب عبقرية المسيح للاستاذ العقاد» جاء فيه:
سررت جدا عندما قرأت أول اعلان عن كتاب «عبقرية المسيح» للاستاذ العقاد وترقبت الاطلاع عليه بفارغ صبر لأن الاستاذ معروف بسعة اطلاعه وسلامة منطقه وشجاعته.
ولما ظهر الكتاب وجدته كما كنت اتوقع، لانه احسن كتاب عن المسيح كتبه كاتب عربى لا يؤمن بالمسيحية؛ فإنه سلم بأشياء كثيرة كنا نحاول اقناع مناظرينا بالتسليم بها منها:
(أولا) أنه اعتمد فى كتابة سيرة «المسيح» على ان اجيلنا الاربعة وسلم بأنها مصادر جديرة بالثقة وانها كتبت فى خلال العصر الرسولى وان اقدمها انجيل مرقس الذى كتب قبل سنة 70م وسلم بأنها صحيحة النسبة للذين نسبت اليهم أعنى أنه لم يخالف النقاد المسيحيين وغير المسيحيين فى تقديرهم لأناجيلنا الأربعة.
(ثانيا) إنه لم يعتمد على انجيل برنابا المزيف الذى كُتب فى خلال الجيل الرابع عشر أو الخامس عشر ولم يرد فى كتابه ذكر هذا الانجيل على الاطلاق فلم يقع فى الغلطة التى وقع فيها غيره من الذين كتبوا عن السيد المسيح من الكُتَّاب العرب الذين لا يؤمنون بالمسيحية.
(ثالثا) إن اقل اطلاع على كتابه يدل على أنه منقول من المؤلفات الغربية وبصفة خاصة الانجليزية فالمعلومات التى فيه موجودة فى جميع السير التى كتبها الغربيون – من مؤمنين ومحايدين – عن سيرة السيد المسيح بدليل أن النصوص التى فيه أقرب إلى الترجمة الانجليزية من الترجمات العربية كما أنه كتب بعض الاسماء بالانجليزية فانه كتب اسم يعقوب على أنه جيمس قريب المسيح على زعمه.
ونحن لا نرغب الاساءة إلى الاستاذ اذا قلنا أنه لا يوجد فى كتابه شىء مبتكر، وعلى كل حال نحن نقدر للاستاذ لباقته وعدم تعرضه لأى عقيدة مسيحية فهو جنتلمان فى كتابته.
وأنها لعبقرية صحفية من ادارة اخبار اليوم لأنى اعتقد أن الكتاب راج رواجا عظيما. وهذه عبقرية عهدناها من قبل فى تلك الدار الصحفية العظيمة.
(رابعاً) كنا نرغب فى معرفة المراجع التى اعتمد عليها حضرة الاستاذ فى كتابه وإن كان اشار الى بعضها فى المتن والحاشية فمن الذين ذكرهم ؟
(خامسا) إن فى الكتاب صفحات جميلة جدا من تعاليم المسيح ومدى تأثيرها وهى صفحات نقدرها نحن المسيحيين واشكره عليها.
 وصف عبقرية
إن المسيحى المؤمن لا يطيق كلمة عبقرية على المسيح ولا على الانبياء لانه يعتقد ان المرسلين لم يأتوا برسالة من عندهم بل انهم مجرد رسل عليهم ابلاغ رسالة اتتهم من المولى سبحانه وتعالى وهناك فرق بين الوحى والالهام فنحن نتكلم عن عبقرية سقراط فى الفلسفة وعن عبقرية شكسبير  وعن عبقرية نيوتنى او ايلستين فى العلوم الطبيعية ولكننا لا نتكلم عن عبقرية موسى أو داود أو غيرهما من الانبياء لانهم لم يأتوا بشىء من عندهم.
كما اننا نعتقد أن علاقة المسيح بالله تختلف عن علاقة باقى البشر به، ولست أعرف كاتبا مسيحيا واحدا كتب عن «عبقرية المسيح» ولكننى أعرف اديبا من امراء الادب الانجليزى الف كتابا مشهورا عنوانه يطابق عنوان كتاب الاستاذ وهو الاستاذ مدائن مرى المشهور وعنوان كتابه (يسوع رجل العبقرية) الذى أصدره فى سنة 1936 ولكننى علمت انه أصبح مؤمنا بعد اصدار كتابه بمدة وجيزة بعد أن كان ملحدا لا يؤمن بوجود الله والكتاب آية من آيات البلاغة والمنطق باللغة الانجليزية وهذا المؤلف وجد عبقرية المسيح فى بذل نفسه وموته لأجل الذين لم يفهموه.