الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دورة ضعيفة ومفاجأة غير سارة لفرق الرقص المعاصر!

دورة ضعيفة ومفاجأة غير سارة لفرق الرقص المعاصر!
دورة ضعيفة ومفاجأة غير سارة لفرق الرقص المعاصر!




انتهت أمس الخميس فعاليات الدورة العاشرة للمهرجان القومى للمسرح وأقيم حفل ختام المهرجان على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا، وهو الحفل الذى تم فيه إعلان جوائز لجنة التحكيم لكن حتى مثول الجريدة للطبع لم تكن الجوائز قد أعلنت بعد، شهدت دورة المهرجان تغيرا ملحوظا فى الخريطة المسرحية هذا العام، فلم تشبه الدورات السابقة فى الكشف عن عدد من الموهوبين كما عهدنا فى عروض الجامعات والفرق المستقلة والتى جاء معظمها ضعيفا للغاية، لذلك وجب الاقتراح والتساؤل هل بغير التمثيل النوعى من الممكن أن يحيا المهرجان؟!،
التمثيل النوعى
بالطبع سيحيا المهرجان حياة كريمة..التمثيل النوعى هو أحد شروط المهرجان لتنظيم آلية مشاركة العروض التابعة لجهات متنوعة ضمن فعالياته، بتحديد عدد أو رقم يمثل كل جهة بالمسابقة الرسمية، وإذا استنفدت هذه الجهة عدد مشاركتها من حقها الدخول ضمن مسابقة العروض المختارة بحسب اللائحة الجديدة، من هذه الجهات قطاع الإنتاج الثقافى الذى يضم كل من «البيت الفنى للمسرح، البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية، مركز الهناجر للفنون» ومراكز الإبداع التابعة لقطاع صندوق التنمية الثقافية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، دار الأوبرا، وزارة الشباب والرياضة، الجامعات وأكاديمية الفنون، عروض المجتمع المدنى ويضم الفرق المستقلة والحرة والشركات والجمعيات والنقابات الفنية، كل هذه الجهات من حقها المشاركة بالتسابق بعدد معين من العروض، لكن إذا حدث ولم يقدم أحد هذه الجهات عملا يستحق المشاركة بالمهرجان سواء بمسابقتيه الرسمية أو المختارة، هل من الجائز استبعاد الجهة تماما واستبدال حصتها بمنحها لجهة أخرى، فلما لا يطبق هذا الشرط ضمن اللائحة بما أنها استحدثت هذا العام أشياء وشروط جديدة تماما على المهرجان!
الحركة المسرحية
دعنا نتفق أن فكرة الاستبعاد قد تشكل عبئًا أدبيًا على إدارة المهرجان أو نوع من الحرج، لذلك سعيا لإرضاء الجميع يفتح المهرجان أبوابه للجميع أى كان هذا الجميع، اتباع هذه السياسة له سلبياته وإيجابيه، الإيجابية الوحيدة هو كسب رضا المجموع، ومشاهدة عدد أكبر من جهات الإنتاج، بينما السلبيات أثرها سيظل يلاحق المهرجان والحركة المسرحية، لأن عدم استبعاد هذه النوعية من العروض سيشكل عبئا مستقبليا على الحركة المسرحية فى مصر، فدخول مثل هذه الأعمال ضمن المسابقة الرسمية فى منافسة مع محترفين سيمنح هؤلاء حالة من الثقة والاعتراف بمستواهم الفنى «الضعيف» وبالتالى لن يسعى أحد للتغيير أو لاكتساب خبرات حقيقية بالتعلم والتدريب بل سيقف الجميع عند هذه المرحلة وهذا المستوى من الخيال والإبداع، إذاً لابد أن يعى ويعلم المشاركون أنه حتى ترتقى عروضهم لمستوى التسابق يجب التدقيق فى اختيارها لمنحهم هذا الشرف الكبير، كما أن حرمان البعض من دخول المهرجان سيخلق حالة من التحفيز والحرص على الاستعداد الجيد للفوز بالمشاركة فى المسابقة الرسمية فهذه المشاركة فى حد ذاتها نوع من الجائزة، ومن ثم سيشكل هذا المعيار وهذا الشرط الصارم حافز وعمل شاق حتى ينال هؤلاء شرف التسابق، لكن أن يفتح المجال والباب للجميع لمجرد تمثيل أى جهة أى كانت قوتها هذا عيب خطير أدى بنا إلى ما وصل إليه المهرجان من ضعف وتراجع على المستوى الفنى هذا العام، فلم ينج من هذه العروض سوى بعض الأعمال القليلة بجانب عروض البيت الفنى للمسرح، فعلى سبيل المثال كان من بين الأعمال التى يجب أن تتسأل عن سبب دخولها حلبة التسابق عرض «اللى بنى مصر» التابع لفرقة مسرح بنك مصر تأليف محسن مصليحى وإخراج محمد السيد فريد، هذا العمل خال من أى إبداع أو جماليات فنية، هو مجرد عرض دعائى لحملة «طلعت حرب راجع» فكيف تم اختياره ضمن العروض المنافسة على جوائز المهرجان، فى حين أنه تم استبعاد عروض أخرى من جهات مختلفة تحمل نوع ما من الجودة الفنية التى تؤهلها للمشاركة لكنها استبعدت لصالح هؤلاء، وكأن لجنة المشاهدة تعمدت الإساءة للمهرجان بسماحها لمثول هذه العروض العجيبة أمام لجنة تحكيم تضم كبار المسرحيين!!
معيار الجودة
لم تتوقف أزمة المهرجان عند عرض «اللى بنى مصر» بمفرده بل كان هناك الكثير من عروض الفرق المستقلة والجامعات غير المؤهلة فنيا وهو ما يؤكد على مدى الاستسهال الذى وصل إليه المتسابقون فى التعامل مع المسابقة الرسمية للمهرجان القومى للمسرح لمجرد ضمانهم التمثيل بحصة معينة، وهذا هو بيت القصيد الذى يجب أن تحذفه إدارة المهرجان الدورة المقبلة، ضرورة ألا يضمن أحد تواجده ويعاقب المتهاونون فى حق المهرجان فنيا بالحرمان والاستبعاد، فحتى يحتفظ المهرجان بسمعته وخصوصيته لابد أن يحتكم إلى معيار الجودة فقط، لأن الدقة فى الاختيار قد تضمن لنا صناعة حركة مسرحية قوية وليس مجرد زحمة إنتاج بلا جودة فنية حقيقية.
من ضمن الأزمات والمفاجآت التى شهدتها دورة هذا العام والتى أثارت حفيظة وغضب البعض إلغاء جائزة التعبير الحركى من لائحة المهرجان وهو ما كان مفاجأة غير سارة لفرق الرقص المعاصر، فلماذا تم استبعاد هذه الجائزة فى الوقت الذى أصبح لدينا فيه رصيد كبير من هذه العروض سواء لفرق الرقص المعاصر التابعة لدرا الأوبرا أو الفرق المستقلة، والسؤال الثانى لماذا تم السماح لفريق فرسان الشرق بالمشاركة ضمن فعاليات المهرجان بعرض مثل «علاء الدين والمصباح السحرى» إخراج طارق حسن فعلى أى أساس سيتم تقييم هذا الفريق الذى تقوم فلسفته بالاساس على التصميم الحركى، بغض النظر عن مستوى الفريق أو العرض كيف يشارك فريق رقص بالمهرجان خال من جوائز الاستعراض ولجنته خلت من التحكيم فى هذا العنصر الذى أصبح من العناصر المهمة والرئيسية فى العروض المسرحية، ففى عرض «الجلسة_شغل عفاريت» للمخرج مناضل عنتر، العمل قائم بشكل رئيسى على التصميم الحركى والذى قدمه عمرو البطريق بجودة فنية عالية وحرص فيه على الإبداع المغاير والخروج على التقاليد فى تصميم حركة لممثلين وليس لراقصين وهو ما يحسب له وبشدة، فماذا ستفعل لجنة التحكيم كى تنجو من هذا المأزق لماذا أغلقت لائحة المهرجان أحد منافذ الإبداع الرئيسية ضمن عروضها وحرمت من يستحق العرفان بالجهد المبذول؟!!
تجارب مسرحية مهمة
بالرغم من التغييرات الجوهرية التى شهدتها دورة هذا العام وبعض السلبيات التى لحقت بها، إلا أنها لم تخل من تجارب مسرحية مهمة تستحق التوقف والإشادة، كان من بين هذه التجارب عرض «طقوس الإشارات والتحولات» التابع للمعهد العالى للفنون المسرحية إخراج محمد يوسف وبطولة مارتينا عادل، إيهاب محفوظ، هايدى عبد الخالق، محمود الأشطر، مصطفى السعيد، المسرحية عن نص «طقوس الإشارات والتحولات» للكاتب السورى سعد الله ونوس، بدأ العرض بمقتل زوجة نقيب الأشراف التى تحولت من شريفة إلى غانية ضمن أحداث مسرحية ونوس بعد أن يطلب منها المفتى إنقاذ زوجها من السجن بضرورة استبدال الغانية بها على أنها هى التى ضبطت مع زوجها فى وضع مخل، وبالتالى يخرج زوجها بريئًا من تهمة اللهو مع الغانية إنقاذا لسمعته وشرفه، يحمل العمل الكثير من الرسائل الضمنية، بتحول الشخصيات من النقيض إلى النقيض بسبب موقف تعرضت له أو صدمة عاطفية أو إنسانية غيرت تكوين كل شخصية نفسيا ووجدانيا وقادت كل منهم إلى قدره، ويأتى العرض بتاريخ تحول هذه الغانية التى كانت تعمل خادمة لدى منزل والد زوجة نقيب الأشراف وكيف كان هذا الرجل يبطن عكس ما يظهره لأبنائه من علم وورع وفضيلة ثم تحول ابنته نفسها بعد أن تكتشف خيانة زوجها، رأت هذه السيدة أن الحياة تحمل الكثير من العهر خلف أسوارها فكل ما كان له قيمة ومقام رفيع أصبح مجردا أمام عينيها، فقررت أن تساير هذه الحياة بأن تصبح هى الأخرى غانية وتذهب إلى بيت الغانية كى تتعلم على يديها أصول الصنعة ويقع فى حبها المفتى الذى قادها إلى هذا المصير فكيف يعشق المفتى غانية وكيف يصبح زوجها درويشا جوالا يتغنى بأغانى العشق الألهى ولا يرى غير الله، كتب ونوس هذا النص ليفضح الكثير والكثير من رغبات النفس المكبوتة خاصة بين رجال الدين وأصحاب المناصب بالدول وقدم محمد يوسف هذا العمل ببساطة وإعداد مسرحى قوى وكانت مفاجأة العرض مارتينا عادل بأدئها المميز والبسيط لدور زوجة نقيب الأشراف قدمت مارتينا الشخصية بمهارة عالية فى عندها وجدالها وتحولها من امرأة شريفة إلى عاهرة بعمق وبساطة ونعومة  وبدا من أدائها أنها أصبحت تتمتع بحالة من النضج الفنى الشديد، وكذلك كان ميدو عبد القادر فى دور نقيب الأشراف وهنا استحق ميدو الإشادة مرتين الأولى لتناوله للشخصية بأداء مميز والمرة الثانية للعبه دورًا مغايرًا تمامًا عن دوره فى عرض «الجلسة_شغل عفاريب» المشارك أيضا بالمسابقة الرسمية فبهذه المشاركة المتنوعة ضمن فعاليات المهرجان أكد عبدالقادر أن لديه الكثير الذى لم يكشف عنه بعد، كان من بين المميزين بالعرض أيضا الفنانة هايدى عبدالخالق فى دور الغانية وإيهاب محفوظ فى دور المفتي، تمتع هذا العمل بحالة فنية مختلفة عن عروض شباب الجامعات والهواة المشاركون بدورة هذا العام أولا على مستوى التناول بدا من العرض عمق واحتراف فى الإعداد المسرحى لنص سعد الله ونوس بعكس نص طقوس لزياد هانى التابع لفرقة البروفة حيث اتضح الفرق فى تناول النص الذى يحمل فلسفة كبيرة فى تغير مسار حياة البشر وتقلب النفس البشرية بين النقيضين، ثانيا على مستوى أداء الممثلين اقترب أداء الجميع هنا من المحترفين وكأنك تشاهد أحد عروض البيت الفنى للمسرح، وبالتالى أثبت هذا العمل قدرته على دخول حلبة التسابق ومناطحة الكبار..!