الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

دنيا الشدادى: لغتى الشعرية لا تحاكى القدماء ولا أساير الموضة الإبداعية

دنيا الشدادى: لغتى الشعرية لا تحاكى القدماء ولا أساير الموضة الإبداعية
دنيا الشدادى: لغتى الشعرية لا تحاكى القدماء ولا أساير الموضة الإبداعية




حوار – خالد بيومى

دنيا الشدادى شاعرة مغربية موهوبة تؤسس لجمالية مغايرة تعيد لليومى والمألوف بهجة حضوره. نصوصها الشعرية حافلة بالمعنى متدفقة بالجمال منفتحة على التأويل والقراءات المتعددة.. وهى لا تساير الموضة الأدبية فى تحولاتها وتقلباتها.. مخلصة للتراث الشعرى العربى حيث لا تزال تكتب القصيدة العمودية، كما تكتب الشعر الحر «التفعيلة»، ولا تعادى قصيدة النثر التى ترى أنها إحدى تجليات الحداثة الشعرية.. وهى تتولى رئاسة جمعية أروقة للثقافة والفن.. صدر لها ديوانان هما: «دال النشيد.. ياء الأقاصي» عام 2014 وديوان: «تسير خطاى.. ولا أسير عام 2016»..حول رؤيتها وأفكارها كان حوارنا معها.

■ متى وكيف بدأت علاقتك بالشعر؟
- البداية مع الشعر فطرية وطفولية، ومن الصعب تحديدها بالحساب العددي، ذلك أن شغفى بأناشيد الطفولة والأغانى والمحفوظات، ثم بعدها القصائد الفصيحة فى المرحلة الإعدادية والثانوية، دفعنى إلى مزيد من قراءة المتون الشعرية التى توافرت لدي، أو سمعت بشعرائها. وكانت كل قصيدة تدفعنى نحو أخرى وكل شاعر يسوقنى إلى شاعر، هذا الولع بالقراءة هو الذى سيربّى ملَكتى فى الكتابة ويجرّ خطاى برفق وسلاسة نحو الكتابة أو الكتابات الأولى التى ربما كنت فيها صدى لأصوات تأثّرت بها، ثم بالتدريج أصبحت أخلق مسافة بينى وبينها لأشقّ طريقا لأسلوبى وصوتى.
■ لماذا اخترت كتابة الشعر فى زمن الرواية والدراما التلفزيونية؟
- لم أختر كتابة الشعر، بل وجدتنى أكتبه دون باقى الأجناس، وهذا الدافع نفسى خفيّ وثقافى، ناجم عن تعلقى بالشعر العربى إبّان دراساتى الأولى.
- صحيح أننى أقرأ الرواية والقصة، ولكن أوظّف ما أقرأ فيهما فى الشعر، لأن زاد الشاعر ليس هو الشعر فقط.. كما أننى لا أكتب انطلاقا من موجات أو موضات إبداعية مرة تميل للشعر ومرة للرواية ومرة للقصة حسب الرواج الثقافى.
أجد الآن نفسى فى الشعر، أمّا المستقبل فربّما يكون فيه شيء آخر إذا وجدتُ لديّ استعدادا لكتابة أى نوع غيره.
■ تكتبين شعر التفعيلة والشعر العمودي، أين تجدين نفسك أكثر؟
- أجدنى فى النوعين كليهما، العمودى والتفعيلي، وأكتب بعض الشذرات النثرية.
ليس مهما أن تختار نوع الشعر، وإنما المهم أن تُجيد فيه. والعنصر الوزنى أحد عناصر الشعر وليس كلها. القصيدة العمودية ماتزال تسكننى وما أزال قادرة على الإبداع فيها رغم ما يقال عن استهلاكها لزمنها، والتفعيلية أسبح فيها بحرية. وكما قلت الوزن عنصر مكمل وليس هو الشعر كله.
■ ما هو موقفك من قصيدة النثر؟
- قصيدة النثر شكل شعرى ناجح إذا كتب فيها شاعر عارف وموهوب، وهى ملمح من ملامح الكتابة الحداثية، متحررة وعميقة، برع فيها شعراء كبار كما استسهلها الكثيرون.
■ ديوانك الأول جاء بعنوان «دال النشيد.. ياء الأقاصى» لماذا اخترت هذا الاسم؟ وما التجربة الإبداعية التى يطرحها الديوان؟
- «دال النشيد.. ياء الأقاصي»، عنوان قصيدة فى الديوان الموسوم بنفس الاسم، حيث اعتبرتها تعريفا شعريا لى افتتحت بها المجموعة.
العنوان تفكيك لاسم «دنيا» حيث أقول: أنا دال النشيد/ ونون نور نازف بالكبرياء/ ياء الاقاصى.. موجة محمومة بالعنفوان نهايتي/ ألف البراءة والنضارة والذهول/ الديوان تجربتى الأولى لدخول عالم الطبع والنشر، يتضمن 23 قصيدة عن قضايا المرأة، هو بوح ومناجاة وتمرد.
■ ديوانك الثانى جاء بعنوان «تسير خطاي.. ولا أسير»، ما سرّ هذه المفارقة فى العنوان.. وما القضايا التى يطرحها؟
- «تسير خطاي.. ولا أسير» مفارقة لغوية لا أحب كشف سترها المكنون، تلك مهمة القارئ، وإلّا سأحُدّ من أُفقه إذا أوضحتُ ذلك، هو ديوان الحياة عن الحب والرغبة وقلق الذات والماضى المنفلت، والآتى الموعود.. ديوان الرغبة والرهبة، مطامحى ومخاوفى، شىء من عقلى وجنونى وأوهامى.. لا يخلو كذلك من معانقة آلام المعذبين خصوصا تجربة الفلسطينيين المرّة. هو تفاعل الذات مع وجودها الخاص والمشترك.
■ حدّثينا عن ملامح التجديد فى قصيدتك؟
- التجديد فى قصائدى هو أن أكتب بلغتى وأضع بصمتى على كل قصيدة أكتبها. لغتى لغة الحياة بحاضرها الذى أعيشه وبماضيها الذى هو ذاكرتى المفردة والجماعية. أجدد من خلال الأشكال الشعرية التى أكتب فيها موزونة أو نثرية، بلغة لا تقلد القدماء، ولا تسقط فى تهويمات بعض مدّعى التحديث.. التجديد فى جرأة طرح المواضيع بدون ترميز أو غموض، خصوصا ما يتعلق بتناول مواضيع الحب التى تخاطب الرجل فى ظل مجتمع ذكورى محافظ نوعا ما.
■ بمن تأثرت من الشعراء العرب والأجانب؟
- الشاعر المعاصر كائن مستبصر ومنفتح على المحلى والتراثى والكونى فى عمقه وإنسانيته ووجوديته، لذا لم يفُتنى التأثر بـ«فيكتور هيجو وشارل بودلير وإليوت»، كما كان تأثرى بميّ زيادة ورقتها فى الكتابة والحياة كبيرا، يضاف إلى هذا طبعا الشعر العربى القديم وأخص بالذكر منه شعراء العصر العباسى وعلى رأسهم العباس بن الأحنف فى طبعه ورقة لغته واحتفائه بالحب من خلال معشوقته فوز. لقد شكّل هؤلاء الشعراء وعيى وأثْرَوا لغتى وثقافتي، وهم الجسر الذى أعبر من خلاله إلى أزمنة وجغرافيا الشعر.
■ كيف يحضر الرجل فى شعرك؟
- حضور الرجل فى قصائدى هو حضور الآخر بالمختلف والمؤتلف فيه، كتابة الرجل عن المرأة ليست محايدة، وكتابًاتى أنا المرأة عن الرجل ليست محايدة كذلك، لأنه جدلى وسؤالى الوجودي، سؤال الحب والتعايش والصراع.
■ قد يظن البعض أن فى كتابًاتى جرأة فى طرح علاقتى بالرجل. فكيف لامرأة فى وسط محافظ أو ذكورى أن تتغنى بالحب وتطلبه وتناقشه، وتنهار أمام سلطانه؟
- هذه الموضوعات كتبها الرجل دون عُقد أو وضْع اعتبار للمجتمع، فلماذا تحاسب الشاعرة وأحيانا من مثقفين على موضوع يكتبه الرجال دون حسيب؟، - هذا لا يعنى اننى أؤمن بالكتابة الإباحية المبتذلة، فهى كتابة رخيصة تنحطّ بالذوق وتخاطب أحطّ ما فى الانسان، سواء كتبها الرجل أو المرأة، حديثى متعلق بتابوه الحب ومغازلة الرجل.
■ أنت رئيسة جمعية أروقة للثقافة والفن.. ما الدور الثقافى الذى تقوم به الجمعية لخدمة الثقافة المغربية؟
- جمعية أروقة كما هو مسطّر فى قانونها الأساسى تعمل على تشجيع مجالات النهوض بالثقافة والفن، وتنظيم ملتقيات وندوات ثقافية وفنية فى كافّةً أشكال الابداع الأدبى والعروض الفنية، مع الانفتاح على كل الأشكال الثقافية الجادة الوطنية والكونية. الجمعية تدعم أيضا التعاون المشترك وتبادل الخبرات فى إطار الشراكات، وتعمل على توفير الشروط الملائمة لدعم ونشر الإنتاج الثقافى والفنى الذى تزخر به بلادنا قصد الرفع من مستوى الفعل الاشعاعى للثقافة الوطنية.
■ ما مدى تأثير المثقف فى المجتمع؟
- كان المثقف حاملا لواء التثوير والتنوير، كانت هذه مهمته ورسالته المجتمعية، لكننا بتنا نفتقد هذا فى عصرنا الحالى، فالسلطة أصبحت تحاول دائما تجريد المثقف من هذه المهمة، لتحتكر التأثير وحدها عبر قنواتها الدعائية المختلفة، وعبر تبخيس دور المثقف أو تدجينه، لذلك كثيرا ما نرى صوته بعيدا عن الوصول والتأثير.. وهذا لا يعنى استسلامه بقدر ما يحثه على البحث عن إمكانيات التفاعل الاجتماعى عبر تمرير رسالته فى صيغ فنية راقية بعيدا عن التحريض والمباشرة. كما نجد كثيرا من المثقفين منخرطين فى أحزاب ونقابات وهيئات وجمعيات من أجل ممارسة دورهم فى التغيير والتثوير والتأثير.
■ ما علاقتك بالمكتبة الرقمية؟
- فى الحقيقة ما زلت مدمنة على الكتاب الورقي، فأنا من جيل تربى عليه قبل أن تبرز سطوة الإلكترونى والرقمي.. أحب أن يكون الكتاب معى فى السفر وجنب الوسادة، وأن يؤثث مكتبتي.. أحب كذلك أن أضع وردة حمراء أو ورقة شجرة بين دفّتيه تذكّرنى بآخر صفحة قرأتها.
أحب لمس الكتاب وتصفّحه، وقد أمرّر أصابعى بنعومة على سطر أو عبارة شدّتني. قد أضمّه أيضا إلى بحنوّ إذا ما صادفت مقطعا أخذنى من واقعى وأدخلنى عالم الخيال أو الذكريات. لذلك فأنا لا أتعامل مع المكتبة الرقمية ولا أنبهر بها، فما زلت وفية للكتاب جليسى وأنيسى وسأظلّ.