الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مارتن لوثر ليس قديسا

مارتن لوثر ليس قديسا
مارتن لوثر ليس قديسا




أعدها: روبير الفارس


يحتفل العالم هذا العام بمرور 500 عام على الإصلاح الإنجيلى، إذ إنه فى يوم 31 أكتوبر عام 1517م كتب الراهب الألمانى «مارتن لوثر» (1483- 1596)، خمس وتسعين قضية تناولت صكوك الغفران والاستغلال السيئ للدين، وعلقها على باب كنيسة وتنبرج فى ألمانيا، وعن هذا الفعل قال أحد المؤرخين: «راحت ترددات صوت مطرقة لوثر وهو يدق اللائحة فى باب الكنيسة تهدر كالرعد، موقظة أوروبا من سباتها الروحى فانتشر إنجيل الإصلاح فيها ومنها إلى كل أنحاء العالم».
وتستعد الكنائس الإنجيلية فى العالم كله للاحتفال بهذه المناسبة التى جعلتنا نلتقى الدكتور القس فادى فوزى مسئول الرعاية الروحية جامعة فيرجينيا كومونويلث بأمريكا والذى قدم لنا قراءة فى 500 عام على الإصلاح من خلال هذه المحاور.
قراءة إصلاح لوثر بعيون معاصرة
فى البداية يقول القس فادى: يجب قراءة لوثر ومحاولته للإصلاح فى إطار أشمل وأكبر، وهو الإصلاح الذى حدث فى الغرب تمهيدا للخروج من العصور الوسطى.
هذا الإصلاح تم على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، وكان الجانب الدينى هو أحد جوانب الإصلاح متمثلا فى الإصلاح الكنسى الذى قاده لوثر وعديد من المصلحين المعاصرين له.
القراءة الموضوعية تتوجب الاعتراف بأن الإصلاح الدينى هو جزء من منظومة اصلاح أكبر فى الغرب، كلاهما وثيق الصلة بالآخر.
الأمر الآخر أن لوثر نفسه كان ضمن مجموعة أكبر من الأشخاص الذين قادوا حركة الإصلاح فى الغرب أمثال جون كلفن، وزوينجلى وغيرهما.
ومن الدروس المهمة فى موضوع الإصلاح هو اهمية الافراد فى كتابة سطور التاريخ واحداث تغييرات على المستوى العالمى.  
لوثر هو صرخات احتجاج موجهة ضد الفساد وطغيان رجال الدين على المجال العام فى عصره، فقد انتقد لوثر الكنيسة الكاثوليكية وقتها على حالها وأوضاعها الاجتماعية والدينية وتجاوزاتها.
 التوفيق بين الخطايا والاحتفال بالمصلحين
وحول الجرائم المنسوبة لقادة الإصلاح ومنها حرق فلاحين على يد جون كلفن  يقول: نظرة الإنجيليين للمصلحين تختلف عن نظرة الأرثوذكس للقديسين، ويعتبر جزءاً أصيلا من الإيمان الإنجيلى هو الفساد الكلى للطبيعة البشرية والذى ينطبق على جميع البشر بمن فيهم مارتن لوثر وغيره من المصلحين.
هم كانوا قادة للإصلاح ودعوتهم كانت نابعة من رغبة حقيقية للتغيير واستطاعوا بالفعل أن يحدثوا نقلة فى تاريخ الكنيسة لكن هذا كله لا ينفى إمكانية الخطأ بل ووجوده بالفعل.
أيضا ايماننا الإنجيلى والمصلح مبنى على فكرة استمرارية الإصلاح، فهو عملية متجددة ومستمرة وعلى الكنيسة وقادتها الاجتهاد فى سبيل الإصلاح بلا توقف.
فتاريخ الكنيسة الإنجيلية شهد ويشهد موجات إصلاحية عديدة ابتدأت بمارتن لوثر ولم تتوقف عنده.
 التعايش بين الطوائف المسيحية المختلفة فى مصر
يقول القس فادى فوزى: هذا سؤال حيوى وهام خصوصا مع محاولة تناوله مع معضلة التعايش بين الطبقات والفئات المختلفة فى المجتمع المصرى حاليا وهو موضوع جدير بالدراسة والبحث.
هناك أزمة تعايش على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والدينية فى مصر، وانا أرى ان مشكلة التعايش بين الأرثوذكس والانجيليين والكاثوليك هى بالأساس مشكلة التعايش مع المختلف أو الآخر.
هناك ازمة فى تقبل الآخر أو أن يكون للحقيقة تجليات مختلفة أو مختلفة عن تصوراتنا الشخصية.
المجتمع المصرى فى العام والمجتمع الكنسى بين الطوائف فى الخاص يحتاج إلى عملية مصالحة خصوصا بعد الانقسامات السياسية الرهيبة التى حدثت فى أعقاب الثورة.
هناك إمكانية للتعايش وهناك محاولات من أطراف كثيرة للتعايش والمصالحة والسلام، هذه المحاولات تحتاج للتدعيم.
كانت هناك محاولات متعددة لعقد اجتماعات مسكونية- عالمية -  تضم الطوائف الثلاث المسيحية فى مصر فى أعقاب ثورة يناير وامتدت حتى وقت حكم الإخوان وكانت معظمها محاولة تصدى ضد خطر الإخوان على التواجد المسيحى بوجه عام.
بعد زوال خطر الإخوان تراجعت هذه الاجتماعات فى مقابل ظهور نعرات طائفية أكثرها على مستوى شعبى وليس رسمى من قادة الكنيسة.
فى العموم هناك اساسيات إيمانية مشتركة كثيرة بين الطوائف المسيحية وهناك أيضا منطلقات فكرية ولاهوتية مختلفة ونحن لا نحتاج أن نكون واحدا بالمعنى الأحادى ان نكون جميعا متطابقين لكن ما نحتاجه هو احترام وتقبل اختلافاتنا.
 مستقبل الكنيسة الإنجيلية بمصر
يوثق القس فادى للدكتور القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر فكرة مفادها ارتباط مستقبل المسيحيين العرب بشكل وثيق بمستقبل المسلمين المعتدلين فى الشرق الأوسط، وفى محاولتى لبحث علاقة الدين بالدولة فى الإسلام كانت من الأفكار الأساسية التى استخلصتها أنه بتدعيم الاتجاه الإصلاحى والمعتدل فى الإسلام يمكن الوصول لشكل للدولة يضمن حقوق وتواجد المسيحيين من منطلق المواطنة فى الشرق الأوسط.
أيضا بالرجوع قليلا إلى وقت ثورة يناير نستطيع بسهولة أن نرى دور الكنيسة الإنجيلية فى مصر بصورة جلية.
هناك محاولات سواء على مستوى الكنائس المحلية أو الكنيسة الإنجيلية كمؤسسة متمثلة فى رئاسة الطائفة، جاهدت فيها الكنيسة أن تقف بجانب مطالب العدالة الاجتماعية وأن تكون الصوت النبوى ضد الظلم والفساد.  فى هذه الفترة الانتقالية فى عمر الوطن والكنيسة استطاعت أن توازن بقدر كبير بين دورها النبوى والسياسى والروحى.
كذلك استطاعت بقدر من الحكمة أن توازن بين المواءمات السياسية وقت أن كان المتظاهرون فى الشارع والنظام فى الحكم إلى وقت صدور بيان الكنيسة لتأييد مطالب الثوار حتى قبل الوصول لمرحلة تنحى الرئيس الأسبق.
يقول القس فوزى: فى رأيى وجود الدكتور القس أندريه زكى فى موقعة فى تلك الفترة الحرجة فى عمر الوطن والكنيسة بما له من خبرة ودراسته فى المجالات السياسية والاجتماعية والتنموية كلها معا كانت عوامل أساسية فى وضوح دور الكنيسة الإنجيلية فى مصر وأيضًا فى شكل مستقبلها.
لا يمكن بالطبع تجاهل موقع كنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية فى قلب ميدان التحرير ودور المستشفى الميدانى فى عملية دعم الثوار.
وقد حاولت فى ورقة بحثية رصد دور الكنيسة الإنجيلية فى وقت الثورة وأستطيع ان أرى ان مستقبل الكنيسة هو فى قدرتها على التوازن بين دورها النبوى والسياسى والروحى وأن تكون صوت المستضعفين فى مواجهة الظلم.
ما فعله لوثر بالكنيسة وعلاقته بالطوائف
ما أراده لوثر هو إصلاح الكنيسة فقد وصلت الكنيسة الكاثوليكية وقتها لدرجة صعبة من خلط الأمور الروحية بالسلطة والمال وأراد لوثر إحداث تغيير داخلى فى الكنيسة والرجوع بها لدورها الروحى المبنى على دراسة الكتاب المقدس.
هذه المحاولات الداخلية للإصلاح لم تنجح ولهذا فاختار مواجهة الكنيسة بل والخروج عليها، ومنها ابتدأت تخرج للنور كنائس وطوائف مختلفة.
ما فعله لوثر هو فتح المجال لقراءة وتفسير الكتاب المقدس بعد ان كان حقا قاصرا على فئة الكهنة.
لكن ما يحدث الآن من تناحر بين الطوائف أو فوضى فى تفسيرات الكتاب المقدس ليست بالضرورة واتجه عن هذا المبدأ أو نتيجة إصلاح مارتن لوثر.
وهناك الآن لقاءات ولجان مشتركة بين الكنيسة الكاثوليكية واللوثرية فى الغرب.
 النظر الى مؤلفات لوثر
هناك تقصير شديد فى الكنيسة فى مصر والعالم العربى فى ترجمة كتابات مارتن لوثر للغة العربية لهذا من الصعب الحكم عن كيفية النظر لمؤلفات لوثر، لكن فى الكنائس الغربية وكليات اللاهوت فى أمريكا هناك أقسام هائلة من المكتبات للكتابات الأصلية التى كتبها مارتن لوثر وغيره من المصلحين بالإضافة لكتابات كثيرة عنهم وشروحات لكتاباتهم وافكارهم.
مارتن لوثر له مكانة كبيرة سواء على المستوى اللاهوتى أو الكتابى أو التاريخى فى الغرب ومازال هناك العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه تتناول أفكاره وكتاباته حتى الآن.
 والبابا فرنسيس من الشخصيات المحورية فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الحديث، وهو معروف عنه نظرته الإصلاحية وقام بعملية مصالحة كبيرة مع لاهوت التحرير فى أمريكا اللاتينية، شخص بهذه المواصفات ليس صعبا عليه القيام بعملية مصالحة مع الكنيسة اللوثرية.