الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إعدام المؤلفين الشباب بالمهرجان القومى للمسرح!

إعدام المؤلفين الشباب بالمهرجان القومى للمسرح!
إعدام المؤلفين الشباب بالمهرجان القومى للمسرح!




انتهت فعاليات الدورة العاشرة من المهرجان القومى للمسرح يوم الخميس الماضى وشهد المسرح الكبير بدار الأوبرا فعاليات حفل الختام وأعلنت جوائز لجنة التحكيم المكونة من الكاتب أبو العلا السلامونى رئيسا وعضوية الفنانة فردوس عبد الحميد، المخرج ناصر عبد المنعم، الناقد علاء الجابر، الدكتورة رانيا يحيى، الدكتور رامى بنيامين وفادى فوكيه مقررا، تسببت أحكام اللجنة فى اندلاع ثورة كبيرة بين المسرحيين خاصة بعد حجب جائزة التأليف المسرحى للمرة الثانية، فلم تكن هذه هى المرة الأولى التى يواجه فيها المؤلف المسرحى أزمة الحجب والمنع من قبل اللجنة حيث حجبت نفس الجائزة عام 2014 واعترض البعض لكن ليس بنفس قدر اعتراضهم على  هذه الدورة..!
بعد انتهاء حفل الختام بساعات انفجر شباب المسرحيين غاضبين من حجب الجائزة خصوصا بعد سماع الأسباب التى ألحقت بهذا الحجب، فأعلنت الفنانة فردوس عبد الحميد أنه لم تكن هناك نصوص تستحق و«إذا كنا منحنا هذه الجائزة لأحد المشاركين قد نتسبب فى ظلمه مستقبلا»، انفجرت قاعة المسرح بالاعتراض والهتاف باسم المؤلف محمود جمال أحد المشاركين ضمن فعاليات المهرجان وبالمسابقة الرسمية بعرضين الأول «يوم أن قتلوا الغناء» والثانى «سينما 30»، وانسحب جمال ومؤيدوه من قاعة المسرح الكبير بالأوبرا، معلنا أن ما حدث إهانة فى حقه وحق زملائه من المبدعين الشباب.

يقول المفكر الكبير الراحل توفيق الحكيم فى كتابه «حمار الحكيم».. «الكاتب العظيم كالقاع العظيم يقع أحيانا على أرض ليست له فيخضعها لسلطانه، ويقر فيها نظمه وأحكامه، ويصبغها بلون تفكيره وحضارته ثم يضع عليها راية عبقريته ليعترف بها التاريخ، وهنا تكون مهمة الإنسان المسرحى المتجدد مهمة إقصاء أو هدم مع إحياء وبناء»، هكذا كان فكر الحكيم فى حقبة التسعينيات من القرن العشرين بينما اليوم وقد تجاوزنا الألفية الثالثة لم يشأ أن يعترف الكتاب الكبار بخيال المؤلفين الشباب، ففى عام 2014 عندما كانت تضم لجنة التحكيم فى عضويتها الكاتب المسرحى يسرى الجندى حجبت جائزة التأليف لعدم اعترافه بوجود من يستحق لقب مؤلف، واليوم تتكرر نفس المأساة مع كاتب مسرحى آخر رئيس لجنة تحكيم هذه الدورة أبو العلا السلامونى، أنكر السلامونى وأعضاء لجنته، على هؤلاء الشباب إبداعهم ورأى أن جائزة التأليف المسرحى والنص الدرامى لم يجدا فائزا بهما لعدم وجود من يستحق، فهل هذا حكم صائب؟!، بالتأكيد هو حكم بالإعدام وحجر على إبداع جيل كامل من المؤلفين وليس محمود جمال بمفرده، الذى فاز عرضه «يوم أن قتلوا الغناء» بجائزة أفضل عرض مسرحى، وأفضل مخرج فى حين أنه لم يفز ولم يرشح لجائزة أفضل مؤلف، وهذا ما دعا إلى التعجب والتساؤل كيف يعترف أعضاء اللجنة بأن عمل «يوم أن قتلوا الغناء» للمخرج تامر كرم وتأليف محمود جمال أفضل عرض مسرحى لهذا العام فى حين أن مؤلفه لا يستحق جائزة التأليف، وحجبت عنه وعن غيره نظرا لأن أعمالهم لا تليق، المعروف أن النص المسرحى هو كيان وعصب العملية المسرحية، وإذا كان النص ضعيفا قد لا يشفع للمخرج أو لأبطال العمل موهبتهم فى النجاة بالعمل من ركاكة وضعف النص، لأنه ليس هناك أساس وقوام قوى يبنى عليه هذا الإبداع وبالتالى إذا رأت اللجنة واستقر فى وجدانها أن نص عرض «يوم أن قتلوا الغناء» لا يستحق فكيف إذن منحته الجائزة الكبرى!
أعمال شبابية نالت جماهيرية
بعيدا عن أزمة نص «يوم أن قتلوا الغناء» واستحقاقه للفوز من عدمه، كما ذكرنا الحكم بحجب الجائزة هو بمثابة حكم بالإعدام على جيل كامل من المؤلفين الشباب، فحتى إذا كانت هذه النصوص تحمل بعض النواقص والعيوب الدرامية، فهى لا تستحق الحجب والمصادرة، خاصة وإذا ألقينا نظرة سريعة على حجم وعدد المؤلفين فى مجال المسرح سنجد منهم الكثير الذى قدم أعمالا نجحت على المستوى الجماهيرى والنقدى، منهم شادى الدالى قدم من تأليفه وإخراجه عروض «الفاشلون»، «حلم بلاستيك»، «الخلطة السحرية للسعادة»، «ضحك السنين»، رشا عبد المنعم وقدمت عروض «حالة طوراىء» إخراج محمد عبد الخالق، «أوشك رصيدكم على النفاذ»، «ولد وبنت وحاجات»، «الموقف الثالث»، «صيد الأحلام»، «الطريقة المضمونة للتخلص من البقع»، «أطياف المولوية»، «صنع فى مصر»، وكذلك محمود جمال له العديد من النصوص المسرحية الناجحة مثل «ربع ساعة والموضوع يكمل» إخراج محمد جبر، «طائر»، «هانيبال»، «أنهم يعزفون»، «ساحر الحياة»، «1980 وانت طالع»، «مدينة الثلج»، «سبارتكوس»، «سينما 30»، «سندريللا»، «البروفة»، هنكتب دستور جديد»، «الغرفة»، عمل أيضا بمجال التأليف المخرج مناضل عنتر وقدم مؤخرا من تأليفه وإخراجه عرض «الجلسة_شغل عفاريت»، «الضريح»، «بطولة العالم فى الإكتئاب»، «عشم إبليس»، «أعمق مما يبدو على السطح»، إعداد لمسرحية «هاملت»، وكذلك المخرجة مروة رضوان كتبت للمسرح وأخرجت عروضها «جميلة» عن نص ترويض الشرسة لوليم شكسبير، «شى كايرو»، «عمر وليلى»، «عاشق توت»، «ليلة الزفاف» عن قصة قصيرة بنفس الإسم، «كواليس»، «دلوقتى»، «اللعب فى الدماغ»، «احترس الرادار»، «كوميديا البؤساء»، «بو لاك روج»، «عرض هندي»، ومحمد مبروك قدم للمسرح نصوص «الحارة»، «جين»، «بلان سي»، «الهرم ده بتاعي»، «العيال كبرت قوي»، «مايخصكش»، «سما البحر»، دراماتورج «الطوق والأسورة»، «السيدة لا تصلح إلا للرمى»، «البيت الذى شيده سوفيت».
طفرة تأليف
لم تقتصر طفرة التأليف على هؤلاء بمفردهم بل هناك غيرهم الكثير مثل يسرا الشرقاوى، محمد يوسف، يوسف مسلم، محمد عز، محمد زكى، محمد عادل، فيصل رزق، وضمن فعاليات مهرجان الملتقى الإبداعى للفرق المستقلة أوروبا والبحر المتوسط الذى كان يقيمه سنويا المخرج محمود أبو دومة بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية ثم تحول إلى مهرجان «الشوارع الخلفية_مشروع البهجة» كان ينظم أبو دومة بالمهرجان ما يسمى بمشروع «ضفاير» وهذا المشروع مخصص لاكتشاف عدد من النصوص الجديدة لمجموعة من المؤلفات الشابات وكانت من عادته استضافة هؤلاء لعرض نصوصهن المسرحية وطرحها للنقاش فى مائدة مستديرة من هذه النصوص «إنترفيو» تأليف نورا أمين، «غانية مستترة» تأليف يسرا الشرقاوى، «شباكنا ستايره حرير» تأليف مروة فاروق، « «الباب الموارب» تأليف مروة فاروق، «اللبؤة» تأليف دينا سليمان، «طرطشة شمس» تأليف نسرين نور»، «هنا مقص وهنا مقص» تأليف ميادة خطاب، «الظل» تأليف سمر عبد العاطى.
وفى سياق متصل أكد المخرج المسرحى سمير العصفورى عن أزمة الحجب والمؤلفين الشباب قائلا.. فى أحد مسابقات التنمية الثقافية الغير خاضعة لوزارة الثقافة وجدت أكثر من حوالى 80 و90 كاتب شاب لديهم قراءة متنوعة إلى درجة خيالية، أعمال على مستوى رفيع من الجودة ليس شرطاً أن يكون سنه كبير حتى تكتمل الموهبة، وهذا هو الفرق بين جيلين، جيل راسخ يكرر ما يقدم بشكل راسخ ورصين من 60 سنة يجب ألا يفرض أسلوب كتابته على الجميع، لأن هناك كتاب شباب لم يتجاوز سنهم العشرين يعتبروا مفاجأة عظيمة سابقة لأوانها جمعوا ما بين الحداثة وما بعد الحداثة.
ويضيف: الحركة المسرحية عبارة عن حركة لكل التباينات والآفاق وعلى سبيل المثال خرجت أجيال كثيرة بعد بهاء طاهر فى كتابة الرواية قدمت أعمالها فى السينما والمسرح فهناك كاتب شاب يستطيع أن يلهب إحساس الجماهير للغاية، لكن للأسف أصبح هناك جيل يتعالى على الشباب وجيل من الشباب يتطاول على الكبار، وأذكر من قبل أن الحركة المسرحية كانت عامرة بأسماء مثل سعد الله ونوس، نعمان عاشور،ألفريد فرج، على سالم، محمود دياب، يوسف إدريس، وفى المسارح الأوربية تقام عروض للقراءة المسرحية لذلك من المهم إقامة مهرجان وعمل جوائز للنص المسرحى فقط، فلابد من إطلاق سراح هؤلاء لتقديم أعمالهم فى تسابق بعروض قائمة على القراءة المسرحية لنصوص قادرة على أن تشبع الجمهور بفرجة مختلفة عبارة عن قراءة فقط، وهذا أسلوب جديد، يضمن لنا عبور الكتاب بهذه الطريقة لاحتضان أعمالهم والمساهمة فى علاج كساد الحركة المسرحية، وفى أحد الأيام تعاونت كمخرج مع الكاتب يسرى الجندى وكان كاتبا شابا وكذلك عندما قدمت مأساة الحلاج على الأوبرا القديمة مع صلاح عبد الصبور عام 1967 كان فى هذا الوقت أيضا كاتبا شابا.
إقصاء مسرحى
بالطبع لم يكن هذا حصر دقيق لكل الكتاب المسرحيين المتواجدين بقوة على الساحة الفنية فهناك منهم الكثير الذى يقدم نصوصاً مؤلفة أو نصوصاً أعدت عن عمل روائى أو نص عالمى وفى النهاية نجح أغلبهم فى جذب عدد كبير من الجمهور وتكوين قاعدة جماهيرية كبيرة سواء على مستوى المسرح الجامعى أو مسرح الدولة أو حتى مسرح الفضائيات والقطاع الخاص وبالتالى هذا الزخم المسرحى الذى شهدته الحركة المسرحية خلال هذه الفترة سواء على مستوى الإخراج أو التأليف ينفى جملة وتفصيلا ما جاء فى بيان لجنة تحكيم المهرجان وإعلانها بأنه لم يكن هناك من يستحق فقررت حجب الجائزة، ولم يتسبب هذا الحجب فى عدم الاعتراف بجهد محمود جمال بمفرده، بل تسبب فى إعدام وإقصاء حركة مسرحية كاملة!