الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

غادة العبسى: كتابة الرواية كصناعة النبيذ كلما تعتق أصبح أكثر أصالة وروعة

غادة العبسى: كتابة الرواية كصناعة النبيذ كلما تعتق أصبح أكثر أصالة وروعة
غادة العبسى: كتابة الرواية كصناعة النبيذ كلما تعتق أصبح أكثر أصالة وروعة




حوار – أحمد سميح

مع ممارستها لمهنة الطب تجمع د.غادة العبسى ما بين كتابة القصة وكتابة الرواية بأسلوب مميز وبسيط، مليء بالحكى والتفاصيل، فتنسج عوالمها بإتقان شديد فى قوالب سردية مشوقة تكتبها بشغف يماثل حبها للغناء والذى ترعرعت عليه منذ صغرها.. صدرت لها مجموعتان قصصيتان أولاها بعنوان «حشيشة الملاك» وثانيهما «أولاد الحور» والتى فازت عنها بجائزة هيئة قصور الثقافة لعام 2014، كما حصلت على جائزة مسابقة نازك الملائكة للإبداع النسوى العراقية، روايتها الأولى (الفيشاوي) تم ترشيحها لعدة مسابقات مهمة، وجاءت روايتها الثانية بعنوان (الإسكافى الأخضر-فانتازيا الهمس والعقارب) وتم ترشيحها من قِبل معهد دراما بلا حدود بألمانيا للترجمة إلى اللغة الألمانية، كما حصلت على منحة برنامج الكاتب العالمى بجامعة آيوا بالولايات المتحدة الأمريكية لهذا العام 2017 بترشيح من السفارة الأمريكية بالقاهرةلتكون المصرية الوحيدة المشاركة ببرنامج الكتابة العالمى ضمن أكثر من ثلاثين كاتبا من جميع أنحاء العالم والذى يحتفل بمرور خمسين عاماً على إنشائه وتخريجه لعدد كبير من أهم الكُتاب والشعراء فى العالم،.. عن رؤاها وأفكارها كان الحوار مع الروائية  د.غادة العبسي.

■ كيف كانت البداية فى ظهور الموهبة الأدبية لديك؟ ولمن تدينين بفضل اكتشافها وتنميتها؟
- الكتابة مثل الحب، لن تعرف أبداً متى بدأت تظهر أعراضها عليك، لأننى أؤمن أن ثمة جانباً كبيراً من فعل الكتابة يبدأ قبل ممارسته بوقتٍ طويل، ربما بدأ الأمر بالحساسية المفرطة تجاه الأشخاص والطبيعة، كنتُ أفضل المراقبة والإنصات، واختزنت فى ذاكرة قوية -إلى حدٍّ كبير ومؤلم- العديد من الروائح والمشاهد والأصوات والحكايات، ربما هى الطريقة التى تشكّل بها وجدانى فى بيئة محبّة ومنسجمة وغارقة فى مصريتها، وسط أسرة تحب اقتناء الكتب وتعاملها معاملة الكنز، مع أب وأم وأجداد يعشقون الحكايات وموهوبون فى القَص بالفطرة، كنتُ محظوظة بأساتذتى الذين جعلوننى أقع فى حب اللغة العربية ومدينة للقدر الذى دلنى إلى الولع بالموسيقى والتى كان لها دور كبير فى اكتشاف أصداء تفاعلى الداخلى تجاه العالم، الموسيقى تنمى آذان القلب وتفسح مجالاً للعقل كى يتأمل ويكتشف.
إن كانت بدايتى مع الكتابة تشبه الوقوع فى الحب  فأستطيع القول أنها الآن بمثابة شريك حياة.
■ تجمعين ما بين ممارسة الطب وكتابة الرواية والقصة القصيرة علاوة على حب الغناء وممارسته فيما مضى.. كيف السبيل إلى التوفيق فيما بينها؟
- لا شك الأمر ليس سهلاً، ولكن تبقى الرغبة القوية والميل الشديد هما الحافز الرئيسى لممارسة عدة مجالات فى وقتٍ واحد، مهما كان الطريق صعباً أو بدا خوضه مستحيلاً فلن يثنيك هذا عنه طالما أردت السير فيه. ليس الطب مهنة فحسب، بل هو زكاة عن العلم الذى منحنى إياه المولى عز وجل، ومجموعة المهارات والخبرات التى تعلمتها على مدار سنوات دراستى فوق صدور وأكباد وقلوب الفقراء والبسطاء فى بلادى، أما الغناء فهو مرآة الروح التى تفضى إلى الجمال.
■ عن الهيئة العامة لقصور الثقافة حصلت على جائزة القصة القصيرة عن مجموعتك القصصية «أولاد الحور».. حدثينا عن تلك التجربة؟ وهل تفضلين النشر الحكومى ام الخاص؟
- «أولاد الحور» هى مجموعتى القصصية الثانية بعد «حشيشة الملاك»، وشعرت بسعادة غامرة عندما فازت بجائزة هيئة قصور الثقافة لعام 2014، كانت دفعة كبيرة فى بداية مشوارى كقاصة، وتكريماً عزيزاً بعد عودتى من بغداد لحضور حفل توزيع جوائز مسابقة نازك الملائكة للإبداع النسوى. ولا شك أن للنشر الحكومى ميزاته المتعددة فسعر الكتاب فى متناول الجميع إضافةً إلى منافذ التوزيع المتعددة وهذا يجعل المنتج الأدبى قريبًا من يد القارئ. أما عن النشر الخاص فقد تعاملت مع دار الساقى اللبنانية والتى أدين لها بالفضل فى نشر وإخراج روايتى الأولى (الفيشاوى) والتى قد تم ترشيحها من قبل الدار لعدة مسابقات هامة. سعيدة أيضاً بالتعاون مع مؤسسة بتانة للنشر والتوزيع والتى نشرت روايتى الثانية (الإسكافى الأخضر-فانتازيا الهمس والعقارب) وقد تم ترشيح الرواية من قِبل معهد دراما بلا حدود بألمانيا للترجمة إلى اللغة الألمانية.  
■ بـ«الفيشاوى» و«الإسكافى الأخضر» انتقلت من كتابة القصة إلى كتابة الرواية.. حدثينا عن تلك التجربة وتجلياتها؟ وأيهما الأقرب إليك؟
- قلت من قبل أن الكتابة واحدة فى جميع الأحوال، ولكن لدى تشبيه مستوحى من صناعة الخمور، أرى أن القصة تشبه فى كتابتها صناعة البيرة، أى خطأ سوف يحوّل الكحول إلى خلّ، تماماً مثل القصة التى قد يُفسد فيها حرف جرّ كل شىء، إضافةً إلى أن أجود البيرة أكثرها طزاجة، فالقصة الملائمة لعصرها نافذة كالنكتة الحلوة.
كتابة الرواية تشبه إلى حدٍّ كبير صناعة النبيذ كلما تعتق كلما أصبح أكثر أصالة وروعة الرواية حرفة وصنعة تحتاج إلى الكثير من الصبر والموهبة والمهارة.. فى القصة أستطيع العبور زمنيًّا ملايين السنوات فى ثانية واحدة كما فعلت فى إحدى قصصى (عقد كهرمان) وذلك عبر أنثى عنكبوت نجت من الطوفان واستقرت فوق جذع شجرة صنوبر، وبينما يستعد لحاء الشجرة الملاصق للحشرة الصغيرة ليفرز سحابة صمغية تحيط بها لتتحول إلى قطعة كهرمان ينهمك القدر فى رسم مستقبلها بعد ملايين السنين من يد إلى يد ومن بلدٍ إلى بلد، ينقذها ذكر عنكبوت ناجٍ أيضاً فى آخر لحظة فى أقل من ثانية ويجذبها من السحابة التى كادت أن تحيط بها وتجمّدها مدى الحياة.
فى الرواية يمكننى أن أصير فى خفّة الهواء الذى يتخلّل الأشياء والشخوص والأمكنة والأزمنة، السرد الذى لا يجب أن يعترضه شيء. حتى لو أنك كتبت بلسان الطريق والحمامة ورسم جرافيتى على جدار لكى تكتمل الحكاية، كما كان الحال فى روايتى الأولى الفيشاوي. أو باستنطاق بذرة قمح تهمس فى أذن إنسان كما حاولتُ فى الإسكافى الأخضر. المهم فى الرواية هو طريقة الطرح فى زمن لا يهتم فيه أحد بالقراءة.
■ حصلت على منحة برنامج الكاتب العالمي بجامعة أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية لهذا العام ٢٠١٧.. حدثينا عن تلك المنحة وكواليس اختيارك لتمثيل مصر بها؟
- تقدمت للمشاركة فى منحة برنامج الكتابة العالمى فى منتصف إبريل الماضى، وجاء الإعلان من خلال السفارة الأمريكية بالقاهرة لمن يرغب فى الترشح من الكُتاب والشعراء والمترجمين المصريين مع تقديم نموذج مترجم من الأعمال الأدبية، وقد تم ترشيحى بالفعل من قبل السفارة الأمريكية ثم اختيارى من الشؤون التعليمية والثقافية بوزارة الخارجية بالعاصمة واشنطن. وهذا ضمن أكثر من ثلاثين كاتباً يتم اختيارهم من جميع أنحاء العالم لحضور برنامج الكتابة العالمى بجامعة آيوا بالولايات المتحدة والذى يحتفل بعيده الخمسين، وتعد جامعة آيوا الجامعة الأفضل فى العالم لتدريس فنون الكتابة، أشعر بالفخر أمام هذا الترشيح، فهى فرصة كبيرة جداً للتعرف إلى عوالم الكتابة المختلفة فى كافة أنحاء العالم والاقتراب من الكتابة كصناعة وحرفة وتحويلها إلى مِران ممزوج بالموهبة. أستعد أيضاً لحضور مؤتمر اختبار الحياة  بكلية كارﭬر للطب بجامعة آيوا، للحديث عن تجربتى فى الأدب والغناء والطب، وإلقاء كلمة تحت عنوان: أن تتحول إلى بومة، مع تقديم فيلم قصير للتعريف بالفن المصرى والذى شارك فيه عدد كبير من الفنانين المصريين. إضافةً إلى المشاركة بالفصل الأخير من الإسكافى الأخضر فى عرض الأداء المسرحى بالتعاون مع طلبة ممثلين من قسم الفنون المسرحية بجامعة آيوا.
■ بعد حصولك على عدة جوائز مابين محلية ودولية.. كيف ترين نظرة المجتمع المصرى والعربى للمثقف.. وماذا عن دور وزارة الثقافة المصرية؟
- لا أبالغ إذا قلت أن العاصمة بغداد والتى كنت محظوظة بزيارتها عام 2014 وبرغم الظروف الصعبة غير الآدمية التى يعيشها الشعب العراقى فأجدها واحدة من أعظم وأكثر العواصم العربية حرصاً على الثقافة وتقديراً للفن بوجه عام وقد كتبت سلسلة مقالات تحمل عنوان: «بغداد المَن والسلوى» أصف فيها الكثير عن تلك الرحلة التى قربتنى من الشعب العراقى. أستطيع القول أن حياتى ككاتبة تنقسم إلى ما قبل رحلة بغداد وبعدها. أذهلتنى الذائقة العراقية لدى أبسط مواطن يتنزه يوم الجمعة فى شارع المتنبي. يحضر الندوات والمعارض الفنية والحفلات الغنائية والأمسيات الشعرية ويجلس فى مقهى الشابندر للحديث مع الأصدقاء فى شتى أمور الحياة.
أما عن نظرة المجتمع المصرى للمثقف فالأمر فقط يحتاج إلى إيضاح، لا بد أن يؤمن المصريون بعمق وعراقة وأصالة ثقافتهم متعددة المنابع والروافد، الثقافة المصرية ثقافة موسوعية لا مثيل لها، والمثقف ليس مَن يشتغل بالكتابة ويقرأ الروايات المترجمة ويطالع الجريدة اليومية، لا بد أن تتغير تلك النظرة مجتمعياً، بل لا بدّ من إشراك المواطن المصرى فى تكوين حملة شاملة لجمع التراث، أحترم جداً الجهود الفردية التى تسعى إلى جمع اللهجات العامية المصرية، واخرى تتبنى جمع (فن العديد) من قرى الصعيد، كما لفت انتباهى أطلس المأثورات الشعبية المصرية على الموقع الرسمى لهيئة قصور الثقافة والذى تم عمله منذ سنوات ولم يكتمل بعد والذى يضم أطلس الخبز والآلات الموسيقية والفخار والأزياء، المطلوب من وزارة الثقافة حملة شاملة لجمع تراثنا الثقافى من محافظات مصر كافة يكون المواطن هو نواة هذه الحملة.