الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جدل حول إجبار الأسرة على الاكتفاء بطفلين

جدل حول إجبار الأسرة على الاكتفاء بطفلين
جدل حول إجبار الأسرة على الاكتفاء بطفلين




كتب - عمر حسن


فى ظل معدلات النمو السكانى التى تشهدها مصر سنويًا، وتماشيًا مع اتجاه الحكومة لترشيد النفقات تحت مظلة خطة الإصلاح الاقتصادى الذى يهدف إلى إيصال الدعم لمستحقيه، قامت النائبة البرلمانية، غادة عجمي، بطرح مشروع قانون يلزم كل أسرة بإنجاب 3 أطفال كحد أقصى، ومعاقبة الأسر المخالفة منذ صدوره برفع الدعم عنها نهائيًا، الأمر الذى أثار الجدل على مواقع التواصل الاجتماعى وتحت قبة البرلمان.
النائبة غادة عجمى أكدت أنها ستقدمه بتوقيع 100 نائب بالبرلمان، وأنه سيتم تطبيقه لمدة عشر سنوات فقط، مؤكدة أن النمو السكانى يتزايد بشكل خطير، ويسبق النمو الاقتصادى وخطوات الإصلاح بمسافات واسعة، مشيرة إلى أنه لو لم يُنتبه لهذا الأمر سنصل إلى 200 مليون مواطن خلال فترة وجيزة، وهو ما لن تستطيع أى محاولة إصلاح مواجهته.
وفى ردها على منتقدى مشروع القانون، قالت نائبة المصريين فى الخارج: «مش بقول للناس ما تخلفوش، لكن بقول لو زودتوا عن 3 تحملوا أنتم التكلفة، لأنكم كده بتضغطوا على الدولة، مش معقول هنخلف زى الأرانب والحكومة هتبقى بابا وماما، وبعدين لما تجيب طفلين أو تلاتة على الأقصى هتعرف تعلمهم وتعيشهم كويس».
والسؤال هنا كان حول مدى توافق أو تصادم ذلك المشروع مع ما أقرته الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالإنجاب، فمن جانبه أكد الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالجامع الأزهر، أن ذلك القانون «ليس له من الشرع أساس» فما من نسمة كائنة قدرها الله إلا وستكون، مستشهدًا بقول الله تعالى: «يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ».
وأضاف «الأطرش» أن الإنجاب ليس باختيار الزوج أو الزوجة، وإنما الإسلام دين نظام، فالصلاة والصيام والحج بنظام، وكذلك الإنجاب بنظام، مستدلًا على ذلك بقول الله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ..»، وعلى الإنسان أن ينظم نسله حسب حاجته الصحية والمادية، فالأرزاق بيد الله وحده.
وتابع رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالجامع الأزهر قائلًا: «ماذا لو حملت النائبة صاحبة القانون على غير رغبة وكانت فى حالة مادية يُرثى لها، فهل تُحرم من خدمات الدولة التى هى مسئولة عن رعاياها؟».
واختتم «الأطرش» تأكيده على حرمانية ذلك القانون قائلًا: «هذا مخالف لشرع الله، والله وحده من بيده أن يهب أو يمنع وليس الزوجين».
وعلى الجانب الآخر، قال الدكتور حامد أبو طالب، عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، إنه يجوز للحاكم أو ولى الأمر تنظيم الإنجاب تماشيًا مع خطة الدعم والخدمات التى تقدمها الحكومة للمواطنين من صحة وتعليم مجانى مواد تموينية، فهذه أمور تتعلق بسياسة الدولة، وترجع فيها الكلمة للحاكم، وليس فيه حرمانية شرعية.
وتابع عضو مجمع البحوث الإسلامية: «فقط يمكن أن تمتنع الزوجة عن الإنجاب فى حالة إذا كان يؤثرعليها ويجهدها صحيًا طبقًا لتحذير الأطباء، ولا حرج فى ذلك شرعا»، مضيفًا أنه لا يجوز للدولة أن تمنع الإنجاب نهائيًا بعد الطفل الثانى أو الثالث فهذا يتطلب بحثًا جماعيًا فى مجمع البحوث الإسلامية أو فى المجامع الفقهية عمومًا، مع الوضع فى الاعتبار الفارق بين المنع والتنظيم».
وفى سياق متصل أكدت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة، عضو لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، أننا نعانى من الكثرة العددية دون الكيفية، فالأخيرة لا تأتى إلا إذا توفر حسن الرعاية والتربية للأطفال، فيكون أحدهم عالمًا فى المستقبل على سبيل المثال، وهؤلاء هم الذين يفاخر بهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة.
وتابعت «نصير» متسائلة: «هل سيفاخر الرسول بأطفال تحت الكبارى ومُهملين تربويًا؟»، مضيفة أن التميز لن يأتى فى ظل هذه الظروف الصعبة التى تمر بها الدولة».
وأوضحت عضو لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب أن الدولة لن تمنع الإنجاب بقولها: «اللى عايز يجيب 4 و5 مفيش مشكلة بس يدفع من جيبه»، فالشرع جعل الإنسان على نفسه بصيرا، وعندما يتبصّر الإنسان فى ظروفه وظروف الدولة، وضيق اليد والاقتصاد فى ظل هذا العدد الضخم، وجب عليه أن ينظم أطفاله حتى يستطيع تنشأتهم تنشأة اجتماعية سوية، فيكونون على درجة من العلم والتقدم، فالمسألة ليست بالكثرة العددية، على حد تعبيرها.
واختتمت «نصير» بقولها: «الصحابة على أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقومون بالعزل بينهم وبين زوجاتهم لتقليل الإنجاب، فإذا كان ذلك فى عهد النبى وهم قلة ولم يمنعهم الرسول، فما بالك ونحن تخطينا حاجز التسعين مليون الآن؟».
أما الدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أكد أن الإنجاب الكثير يأتى على حساب حقوق الآخرين وما يتاح لهم من فرص حياة، أى أنه يصعب على الآخرين حياتهم.
وتابع موضحًا: «أب لديه 5 أبناء وآخر لديه طفلين لو تساوى الاثنان فى الدعم فهذا يعنى أن الأسعار سترتفع على الجميع، ويتحول الشيء المجانى إلى شيء بمقابل مادى نظرًا لزيادة الطلب عليه وهذا ليس من العدل فى شيء».
واستطرد «النجار» أن الشريعة الإسلامية عندما نظمت حق الشرب «الشفة»، فكانت المياه مباحة للجميع بدون مقابل، لكن الآن أصبح لكل دولة حصة والأمور تغيرت، فالقاعدة أن الشيء الذى يباح عند عدم الحاجة مجانًا يتحول بمقابل مادى عندما يتزاحم الناس عليه.
وبيّن عضو مجمع البحوث الإسلامية من ناحية أخرى أن رعاية المواليد والأطفال ليست حق للأبوين فقط وإنما تؤكد الأدلة الشرعية أنها حق لله أيضًا، أما الحق العام فهذا تقوم به الدولة.
وأكد «النجار» أن الإثم الدينى سيقع على الرجل الذى ينجب أطفالًا ويصدرهم إلى المجتمع لكى ينفق عليهم، لأنه تعسف فى استخدام حق الإنجاب، على حد قوله، فعليه أن يتبصر أولا فى ظروفه المادية والاجتماعية، وهل ستسمح له بالإنفاق على أطفاله جميعًا.
وفى ذات الوقت رفض الدكتور عبد الله النجار إلزام الأمر بقانون لأنه سيكون هناك نوع من الحرج إذا جاء الطفل وأدرك فيما بعد أنه عبأ على والديه، مقترحًا تنظيم النسل بنشر الوعى الدينى والاجتماعى وليس بقانون «يجلد المجتمع» على حد تعبيره.