الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سمير نعيم: «الثورة» أظهرت أروع ما فى المصريين.. والدستور يؤسس لولاية «الفقيه»




أكد الدكتور سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع، ومؤسس المدرسة النقدية فى علم الاجتماع المصرى، التى وظفت علم الاجتماع لفهم القضايا المحورية بالمجتمع، أن المصريين يميلون للوسطية فى  كل شىء، خاصة فى الدين وسماحته البعيدة عن التعصب والتمييز، الذى أسند إليه تماسك الشعب وثباته، ماذا تغير فى الشخصية المصرية بعد الثورة؟
 
■ كأستاذ علم اجتماع ومحلل للشخصية المصرية ما تعليقك على المشهد الحالي؟
 
- نقطة البداية العلمية الصحيحة تبدأ من التعرف على مصر عشية ثورة 25 يناير 2011، والتعرف على القوى الاجتماعية التى قامت بالثورة، والقوى الاجتماعية التى قامت ضدها الثورة، كانت لدينا فئة من المجتمع المصرى لا تزيد على 10% أو 20% مع المنتفعين من النظام السابق، يمتلكون حوالى 80% من ثروة مصر، حيث احتكروا الثروة والسلطة، أما 80% من الشعب فلا يملك شيئا سوى نسبة ضئيلة موزعة فى الطبقة العليا العليا والعليا الوسطى، هذه القلة شكلت كتلة عصابية وأقامت نظاماً اقتصادياً نهبوياً فوضوياً! وهو ما أثبتته الثورة فيما بعد، هذه المجموعة تمثل كل الأطياف السياسية التى نتحدث عنها الآن الذين من بينهم بعض قادة الإخوان المسلمين مثل خيرت الشاطر، يتعاملون بأموال لا نعرف مصادرها من جهة ومن جهة أخرى يعتمد على الأعمال التجارية والتوكيلات الخارجية التى تضرب الصناعة المصرية وليست رأسمالية وطنية ومعهم من أطلق عليهم «رجال مبارك» ومن سموا برجال الأعمال، الذين لو نظرنا لأعمالهم سنجدها «أعمالا» خدمية أو مضاربات وسمسرة لا تقوم على المشاريع الصناعية أو الزراعية، مع هؤلاء نجد «المحظوظين» من رجال القوات المسلحة أصحاب الملايين أو المليارات، ومعهم من يطلق عليهم العلمانيون والليبراليون من أصحاب شركات الإعلام وغيرها، بين هؤلاء اختلافات وتناقضات لكنهم مجتمعون بمصلحة واحدة، لكنهم أمام الثوار هم متفقون وتتحول خلافاتهم الثانوية إلى خلافات أولية! فشعارات الثورة «عيش..حرية..عدالة اجتماعية» ضد مصالحهم تماما، لذا لابد أن يقفوا كسد منيع أمام ثورة ومطالب الشعب.
 
بالتالى كان القرار منذ «اللحظة الأولى» وقت الثورة ووقت تنحى مبارك هو عدم تمكين الثوار أو من يمثلهم من الوصول للسلطة.
 
■ هل تعنى بكلامك أن هناك صفقات تمت بين التيارات السياسية؟
 
- طبعا.. فقد حدثت صفقة بين المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين، ورجال مبارك أيضا وهم من أطلق عليهم «الفلول» فى الخفاء، فجميعهم متفقون على كلمة واحدة ... من الأكثر تنظيما فى هذه الحالة هم الإخوان .. وهم الأجدر لمواجهة الثوار بفكرهم وشعاراتهم الدينية وميليشياتهم، بالتالى مكنهم المجلس العسكرى منذ البداية عندما رفضوا مطالبة الثوار بإرساء «الدستور أولا» ثم انتخابات برلمانية ورئاسية، ونفذ «العسكري» خرافة التعديلات الدستورية على دستور سقط بمجرد قيام العسكرى بإدارة شئون البلاد، بل وأسندوا هذه التعديلات للإخوان المسلمين، مستبعدين منها كل فقهاء القانون بمصر، ليخرج علينا ذاك الإعلان المشوه! وبدأ الإخوان لعبتهم التاريخية وهى أن من يخالفهم كافر ومن معهم يدخل الجنة، ترتب على ذلك الانتخابات البرلمانية وفقا للقواعد القديمة فى النظام السابق وهى أربع قواعد فقط: المال والسلطة والدين والقبلية، وهذه هى القواعد التى  استخدمها الإخوان فى انتخابات 2011 ثم فى الرئاسة، وكنت قد طالبت بتغيير قواعد اللعبة وطالبت بتجريم استخدام المال ومنابر المساجد بأقصى العقوبات.
 
■ حدث ما رآه البعض خلافا بين الإخوان والمجلس العسكرى بعد تولى الرئيس مرسى .. ما تعليقك؟
 
- المصريون لديهم مثل شعبى رائع «أنا وأخويا على ابن عمى وأنا وابن عمى ع الغريب» الغريب هنا هو الثوار، ابن العم هو المجلس العسكرى إنما أخوهم هو جميع رجال الاعمال من وقت مبارك وهم الموجودون بالتشكيل الحكومى الحالي، إلى جانب الإخوان كذلك المحافظين الذين تم اختيارهم بنفس الأسلوب القديم، لذلك مرة أخرى يخرج الشعب مطالبا بإسقاط النظام.
 
■ ألا ترى أن مشكلة الثورة أنها لم تملك مشروعا بديلا أو رؤية موحدة تقف فى وجه هذه الصفقات؟
 
- كان من الممكن أن يؤدى ذلك لفشل الثورة فشلا ذريعا!!! ... فلو كان لها زعيم أو قائد كان من الممكن أن يغتال أو يستقطب أو تتم رشوته أو ما إلى ذلك مما سيسىء للثورة، لكن قيمة الثورة الحقيقية أنها بلا قائد وخرجت من الشعب والضمير الجمعي، الذى استطاع أن يبلور لنفسه مشروعا مكثفا وواضحا وهى «عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية»، وبدأ المثقفون منذ الشهر الأول فى تكوين اللجنة الشعبية لصياغة دستور الثورة، وكنت منهم فى صياغة وثيقة الدستور وكذلك مشروع «المجلس الوطني» الذى دعا إليه ممدوح حمزة وتمت الصياغة وتقديمها للمجلس العسكري، الذى رفضها وأقام تعديلات دستورية على دستور سقط! ... والآن نحن أمام دستور مهلهل، فالمادة 219 تلغى الدستور بأكمله التى فسرت مبادئ الشريعة الإسلامية لأحكام الشريعة الإسلامية بالتالى لم تعد مرجعيتنا دستورية بل ولاية الفقية.
 
■ كيف ترى الوضع الحالى للقوى الثورية والمدنية؟
 
- القوى الموجودة حاليا والشعب تبلورت بشكل واضح بعد عامين وهو وقت قياسى أدركت فيهما أن الإخوان هم الوجه الآخر لمبارك، فنحن شعب نابغ ومبدع ومحب للحياة ومسالم، فلا يستطيع أحد أن يخدع كل الناس كل الوقت، فالثورة أسقطت حاجزين هامين جدا وهما «الخوف والاستغفال» فلم يعد بمصر مغفلون سوى القليلين جدا.
 
■ هل ترى أن جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية كانت نزيهة؟
 
أشك فى ذلك تماما لأنها تمت وفق القواعد القديمة للعبة الانتخابية.
 
هل تعتبر ما نراه من انقسامات بين المصريين وأحداث العنف شرارة الحرب الأهلية؟
 
كنت من أنصار هذا الرأى فى بداية الانقسام، لكن اتضحت الأمور أكثر واستبعد جدا فكرة الحرب الأهلية وانقسام مصر إلى مصرين، فما يحدث الآن هو تجمع الشعب المصرى وتكاتفه فى مواجهة عصابة مسلحة تريد الاستيلاء على مصر، فالتضليل والكذب من الجانب المهدد بالحرب بأنه الأكثر عددا والأكثر تأييدا، وراء التهويل فى فكرة الحرب الأهلية.
 
■ هناك تخوفات من دخول البلد نفقا مظلما لو سقط النظام وعدنا للمربع صفر؟
 
هنا نحتاج إلى وطنية وأريحية القوات المسلحة بالدرجة الأولى ويليها الشرطة لحماية ما يستقر عليه الشعب بالتالى سيكون له إدارة رئاسية محددة لمدة محددة لاتزيد مثلا حتى الثلاثة أشهر.
 
■ ما الجوانب الأخرى التى كشفت عنها الثورة بالشخصية المصرية؟
 
على عكس ما درجت عليه التفسيرات فى أن الشخصية المصرية هى شخصية خانعة وهذا كلام غير علمي، فالشخصية وهى كيان له مفردات تكونه نتعرف عليه من خلال سلوكه وهى الجانب الجسمانى والجانب المعرفى أو العقلى والجانب الأخلاقى والجانب العاطفي، من خلال إقامتى بالميدان أثناء الثورة وجدت المصريين على هذه الشاكلة .. الإبداع والقدرة على التنظيم والبعد عن الغوغائية والثبات الانفعالى فى الحزن والفرح كذلك إعلاء شأن المرأة وتكافؤ الفرص والتضحية وإعلاء الوطن وقيمة الجماعة على الفرد وكتبت مقالاً وقتها بعنوان «مصر الفاضلة»، فى الميدان أنشئت ووزارات الصحة والتموين والثقافة والإعلام ومتحف وكل شىء كان موجودا، كان هناك إعلاء لشأن المرأة والتضحية والفداء ... حقا كانت مصر الفاضلة ... فالثورة أفرزت أجمل وأكثر الجوانب الإيجابية بالشخصية المصرية التى كانت نتاجاً للواقع الجديد.
 
■ هل مازالت هذه القيم الجديدة مستمرة؟
 
- بالتأكيد مازالت مستمرة ومتنامية بكل محافظات مصر، فهذه الجوانب هى سمات مكتسبة منذ الفراعنة، فالتيارات المتشددة دخيلة على مجتمعنا، فتاريخ مصر كله محب للفن وللإبداع فمصر البلد الوحيد الذى (غنّى) القرآن الكريم وهو القرآن «المجود»، وهو ما لم تفعله أية دولة إسلامية أخرى، فعند دخول الإسلام لمصر استمعوا للقرآن فأعجبوا به فجودوه، وظهرت مدارس المشايخ والإنشاد العريقة فى تجويد القرآن الكريم، أيضا طريقة دفن الموتى مختلفة فى مصر التى تعد امتدادا للفراعنة بعكس التقاليد الصحراوية فى الدفن وهى مجرد شق فى الأرض ترمى فيه الجثة وتغطى بالتراب مرة أخرى وتترك هكذا دون شاهد أو أى شىء!! وذلك لأنهم كمجتمعات صحراوية رعوية متنقلة لم تصل إليهم الثورة الصناعية أو الزراعية بالتالى لم يتعودوا الاستقرار والبقاء فهم بطبيعتهم رحالة، لكن هذه الطريقة لا علاقة لها مطلقا بالإسلام كما يظنون الإسلاميون هنا.
 
■ ماذا عن الوازع الدينى فى الشخصية المصرية الذى يستغله الإسلاميون سياسيا الآن وتسبب فى أحداث عنف نطالعها يوميا على الشاشات؟
 
- الشعب المصرى بإجماله متدين تديناً وسطياً سمح وجميلاً، ليس فيه تعصب او تمييز، حتى أنه أكثر المذاهب تسامحا ويمارس عباداته فى هدوء، وهذا هو السبب وراء تماسكه وتكافله وقدرته على مواجهة الأزمات المختلفة نتيجة إيمانه بالله سبحانه وتعالى وتطبيقه لروح الإسلام أو روح المسيحية على مر العصور، هذه التوجهات الإسلامية ممكن أن تتعرض للتشويه عند البعض بفعل عاملين: الأول الاتجاهات الدينية الوافدة غير الأصيلة فى مصر تحديدا الوهابية التى جاءت مصر بصفة خاصة بعد انتصار 1973 وهجرة المصريين لدول الخليج فى أوائل الثمانينيات وكأن هناك خطة مدبرة لجذب المصريين للخليج فى فترة معينة واستقطاب الفنانين والمثقفين، مع طول فترة البقاء ونشر الفكر الوهابى من خلال الدعاة كل ذلك غير فى شكل المصريين وفكرهم، تكاتف مع ذلك تدهور الأحوال الاقتصادية العامة للناس وزيادة حدة المعاناة، هنا أصبح ذلك عامل دفع للمصرى المعتدل دينيا نحو التطرف الدينى والجماعات الإسلامية المتطرفة، من حيث القيم التى ينشرونها بالزوايا والمساجد أو مساعدة الفقراء من خلال الصدقات والمساعدات العينية مع تأصيل فكرة أن المظهر الدينى المتمثل فى اللحية والجلباب القصير والنقاب هى أسباب تجعلنا الأقرب لله ... ما نراه الآن من ملايين المصريين بالميادين التى ترفض الرئيس وفكر جماعته هى إعلان لرفض التطرف الدينى والتكفير وتأكيدا لأننا مسلمون.
 
■ ما تقييمك للأداء الإعلامى الآن، فى ظل حصار «حازمون» لـ»مدينة الإنتاج الإعلامي» والتهديد باقتحامها؟
 
- الإعلام لدى هو ثلاثة أنواع: الأول هو الإعلام السايبر أو الفضائى والتواصل الاجتماعى كالفيس بوك والتويتر الذى تجاوز كل المحددات الزمنية والمكانية فى النشر والتحليل وغير خاضع لأية رقابة ولم يأخذ حقه من التحليل والدراسة حتى الآن رغم أنه مفجر الثورة، لكنه مع هذا لازال تأثيره محدودا لارتباطه بانتشار جهاز الكمبيوتر والإنترنت، وهو ما لم يصل بعد لأعماق الريف والصعيد، كذلك الإعلام الرسمى وشعاره دائما «اللى يجوز أمى اقول له يا عمي» فأداؤه الآن يثبت أن النظام لم يسقط بعد! أيضا لدينا الإعلام الدينى مثل قنوات «الناس» و«الحافظ» و«مصر 25» التى تهدف لإعادة المجتمع للقرن الأول الهجري، بجواره إعلام رجال الأعمال والذى يتسم بدرجة عالية من الليبرالية والربحية وهو أهم جانب، هذا الربح يأتيه من خلال الإعلانات التى تأتى دوما للجهة الأكثر استجابة لرغبات الناس! بالتالى كلما كانت القناة أكثر تعاطفا مع الشارع كانت أكثر مكسبا! .. هنا يأتى سؤال هل رجل الأعمال هذا يعمل ضد نفسه؟! ... تفسير ذلك أن هؤلاء مجموعة من الرأسماليين يرفعون شعار « اللى تغلبه إلعب به»، لكن فى اللحظة التى سيتهدد فيها سيوقف كل ذلك فورا، وأحب أن ألفت النظر أن الثوريين الذين يظهرون على هذه الشاشات يدركون ذلك تماما لكنهم يذهبون لهم لضمان أكبر نسبة مشاهدة ووصول أفكارهم للناس.
 
■ ماذا قلت فى الاستفتاء على الدستور؟
 
- بالتأكيد «لا».