الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الطريق إلى داعش

الطريق إلى داعش
الطريق إلى داعش




تحقيق -  ناهد سعد

الحكاية تبدأ من «الفراغ القاتل» حرفياً  ثم ضغطة على جهاز اللاب توب من شباب ومراهقين يبحثون عن كل ما هو جديد وغريب ليملأون فراغ حياتهم ولتحقيق بطولات زائفة ووهمية وافتراضية كالعالم الافتراضى الذى ينقلهم إلى عالم آخر يملؤه التمرد على كل ما هو قائم، وهنا يأتى دور سماسرة  الظلام ليتم غزو قلب وعقل هؤلاء وضمهم إلى معسكرات الإرهاب ..ولكن تبقى تلك الطريقة لاصطياد الشباب الذين تختلف مستوياتهم الطبقية والاجتماعية والثقافية هى اللغز الذى نحاول استكشافه فى هذه السطور كنوع من استباق عمليات التجنيد وتفسير آليات وقوع الشباب فيه.

فى البداية يقول صلاح الدين حسن الخبير فى شئون الإرهاب الدولى: هناك منهج عام للتجنيد ومنهج سرى للتجنيد.
وهناك مبدأن يعتمد عليهم فى التجنيد الأول مبدأ «سسيولوجيا الذاكرة الدينية» وهو يرجع المستهدف إلى فترة من فترات التاريخ بأن يقول له إننا كنا أمة عظيمة، وكنا ذات أمجاد ولابد أن نعيد دولة الخلافة الإسلامية حتى نكون أمة قوية.
وهناك مبدأ آخر يسمى «سسيولوجيا الأمل» وهو يغذى الأعضاء بالأمل أننا إذا تتبعنا الجماعة سنستطيع أن نصبح أمة قوية وهو يربط الجماعة بفكرة «الإحيائية» أى إمكانية إحياء مجدنا مرة أخرى.
كذلك فهم يركزون على فكرة التعارف أى كيفية بداية التعارف ويوجد صلة بينه وبين الفرد الجديد وأن يشعره بالاهتمام به وزيارته، ثم يبدأ مرحلة «إيقاظ الإيمان المخدر» وهى أن يقول له أنت تملك إيمانًا لكنه مخدر داخلك، فيبدأ يحدثه فى أمور عقائدية بحتة ويلعب على إحياء العقيدة والإيمان داخله، ثم  يقنعه بأن الدين الإسلامى يتعرض لمؤامرات.
ومن ثم يتم الربط بين مسيرة الإسلام ومسيرة الجماعة وأن الجماعة هى الإسلام والمعبرة عنه وليس على أنها مجرد فصيل أو جماعة مثل تشبيههم اعتصام رابعة بأنه اعتصام لنصرة الإسلام، فهو يصنع بذلك شحذًا للوجدان وإلهابه.
ثم تأتى مرحلة المعاونة وهى أن يذهب به إلى المسجد للصلاة ويعطيه بعض الكتب التى ترسخ تلك الفكرة ويؤكد له أن تلك الصلاة ليس لها أى قيمة إلا إذا ارتبطت بتلك الجماعة.
 ومن بعدها مرحلة «الشمولية» أى أن تلك الجماعة جماعة شاملة تشمل جميع أوجه الحياة.. «السياسة» والفن والاجتماعيات والرياضة، «والترفيه والثقافة والبيزنس فهى تضم سياسيين وفنانين ورياضيين كلا وفق توجهاته وميوله.
ثم نأتى لمرحلة العمل الجماعى ثم يبدأ فى عملية تفنيد الجماعات الأخرى للوصول لفكرة «الجماعة المختارة».
أما المرحلة الأخيرة وهى القول إن تلك الجماعة هى جماعة الإسلام وهى المتحدثة باسم الإسلام ومعبرة عنه، وتلقينه فكرة أن الخروج على تلك الجماعة هو خروج عن الإسلام.
وفيما يتعلق بالمناهج غير المعلنة للإخوان مثل مبدأ «اصطياد الرواحل النجيبة» أى يبدأ يصطاد عنصرًا متميزًا أى كما يتعامل الجواهرجى مع اللآلئ أى يختار من يتم الاستفادة منه مثل الأطباء والمهندسين وخريجى كلية العلوم، وفى بعض الأحيان أبناء الطبقات الراقية لنشر فكر الجماعة بين أبنائها واستقطاب أعضاء جدد من تلك الطبقة وكذلك رجال أعمال ليخدمه فى التبرع للجماعة، ويتم بالدخول إلى العالم الخاص لمثل هؤلاء من خلال اهتمامهم وميولهم حتى تتم السيطرة عليه.
ويتم إبهار الأعضاء بالقيادات عن طريق مبدأ «التربية الابهارية» ووصفهم على أنهم أبطال.
ثم تأتى مرحلة «البيعة السرية أى يحلف على مصحف وفى غرفة مظلمة».
أما عند الجهاديين فهناك بعض الاختلافات مع بقاء القاعدة الأساسية وهى المرور بتلك المراحل، وأبرز تلك الاختلافات تكون تحريات عن المستهدف وجمع معلومات دقيقة عنه وعن حياته وأسرته وعائلته وميولهم وهل يمت بصلة قرابة لأحد أفراد الأمن؟ وذلك لتحقيق الأمان بالنسبة لهم.
وكذلك يتخذ الجهاديون مبدأ «تفتيش الدماغ» وهو منهج أكثر حيطة وحظر ليناسب فكرة التنظيمات السرية الكاملة، ثم يبدأ فى تقسيم الأعضاء إلى غير متدين ومتدينين جدد ومتدينين وهم أكثر تشددا فى التجنيد.
كذلك فقد ساعد التطور التكنولوجى على استقطاب عدد أكبر من مختلف دول العالم بما فيها أوروبا حتى ظهر مصطلح «عولمة الجهاد العالمى» عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى والصفحات الالكترونية للجهاديين وترجمتها بأكثر من لغة ليسهل التواصل مع الآخرين الذين لديهم فضول لمعرفة الدين الإسلامى والذين يعانون من فراغ،  وقد بدأ ذلك التطور من تنظيم القاعدة.
ويتم اختراقهم وجدانيًا فى البداية ثم اختراق العقل وتأتى أول  تلك التجارب من الجهادى اليمنى «أيمن العولقى» الذى أنشأ مجلة إلكترونية مترجمة إلى عدة لغات تسمى «انسبير» ونجح من خلالها فى استقطاب الآلاف من الأوروبين.
وبعد الانتهاء من الاستقطاب واختراق العضو من خلال تلك المراحل المذكورة سابقاً ويصل العضو لمرحلة الجهاد مثل سوريا أو ليبيا يتم تدريبه فى معسكرات خاصة وداخلها يخضع لبرامج قتالية.
 كذلك يرى نبيل نعيم القيادى الجهادى السابق أن تلك الجماعات الجهادية التكفيرية استطاعت الاستفادة من التطور التكنولوجى واستغلاله أفضل استغلال لخدمة أغراضهم، إذ تعتبر مواقع التواصل الاجتماعى مسرحا لاستقطاب الشباب من قبل التنظيمات الإرهابية، وخلال الفترة الأخيرة استطاعت التنظيمات جذب المئات من الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعى؛ إما ببث خطاب  دينى  متطرف، أو عن طريق جذبهم بالمال واستغلال حالة الفقر لدى البعض بأن توفر لهم مقومات الحياة من سكن وزوجة وعمل، مقابل المبايعة على الطاعة والقتال ضد ما يصفونهم بالأعداء وتنفيذ عمليات إرهابية.
مضيفًا: إن تلك الجماعات المتطرفة استطاعت عبر مواقع التواصل الاجتماعى غزو عقول بعض أبناء الطبقات الراقية معتمدة على حالة الجهل الدينى المنتشر وفراغ عقول الشباب وانحدار الثقافة.
إلا أن أغلب المجاهدين من  دارسى العلوم والكمبيوتر، يستخدمون أجهزة الكمبيوتر المحمول بشكل احترافى.
وقد أصبح الإنترنت مكتبة زاخرة بجميع الوسائل المساعدة للإرهاب، مثل كيفية خلط سم الريسين فى صنع القنابل من المواد الكيماوية التى تباع فى المحلات لأغراض تجارية وحتى كيفية التنكر للإفلات من الرصد والمراقبة وكيفية التسلل عبر الحدود وكيفية إطلاق النار على الخصوم، فضلاً عن كيفية تجنيد الاتباع والعملاء، تحت لافتة الجهاد الإسلامى، بينما يتاح كل ذلك باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية  وغيرها.
ومن جانبه أكد ثروت الخرباوى القيادى السابق بجماعة الإخوان أن أيديولوجية الاستقطاب اختلفت عن ذى قبل، والتى كانت تشترط عند دخول الفرد للجماعة، أن يغير فكره تمامًا، ويعتنق أفكار الإخوان، أما الآن فتعتمد الجماعة على المجتمعات الوظيفية والتى لا يظهر فيها انتماؤه للإخوان، وذلك للانخراط فى المجتمعات التى تعجز هيئة الإخوان الانخراط بها.
 موضحًا أن خيرت الشاطر كان فى بداية الثورة السورية أحد عراب إرسال المجاهدين من شباب الإخوان والسلفيين إلى أرض الصراع، بالاتفاق مع واشنطن وهو ما أدى إلى تفاقم الأوضاع هناك، وذلك من خلال وحدة خارجية لتبادل الخبرات الثورية وكان مقرها فى تركيا والتى كانت مجرد غطاء لعملياته وكان يتم تدريب الشباب على القتال.  
وعقب اندلاع ثورة 30 يونيو، استغلت التنظيمات الإرهابية تنظيم بيت المقدس «داعش»  الفراغ الأمنى بمنطقة سيناء، للتمركز، وبدأ التنظيم فى وضع خطط لجذب الشباب السيناوى، مستغلين حاجة المجتمع السيناوى للتعليم، وخلو المساجد من خريجى الأزهر، لنشر الفكر المتطرف.
واستعان تنظيم بيت المقدس الإرهابى، كعادته، بمصطلحات وتراكيب القرآن الكريم فى بياناته، امتدادًا للمنهج التدليسى، وذلك بلصق ممارساته الإرهابية بالشريعة الإسلامية، وتلبيس الحق بالباطل.
بالإضافة إلى أن التجنيد أصبح عن بعد عن طريق مواقع الإنترنت، إذ تمتلك داعش أكثر من 120 موقعًا، بالإضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعى، وهو الأمر الذى تطور وأصبح بشكل مدروس، وبشكل مؤسسى، ومن أبرز تلك المؤسسات الإعلامية الداعشية مؤسسة الشورى للإنتاج الإعلامى، والجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية، ومؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامى، وهى مؤسسات موجهة لجذب الشباب الغربى بترجمة منتجاتها بعدة لغات أوروبية منها الفرنسية والألمانية والإنجليزية وغيرها والتى عن طريقها تم تجنيد المطرب الشهير، دينيس ماما دوكوسبيرت، الذى تحول فى فترة وجيزة لمطرب الأناشيد الجهادية، وأحد أشرس الإسلاميين والسلفيين المتشددين فى ألمانيا، وكان واحداً من نحو23 سلفياً ألمانياً، من بينهم أيضاً الملاكم السابق بيره فوجل، والمعروف باسم «سيفين لو» من مدينة مونشنجلادباخ  ذلك بالإضافة إلى موقع «أنصار الحق الفرنسى» وهو موقع فرنسى للتجنيد الداعشى من خلال مقالات وفيديوهات، كذلك موقع «الفجر الإسلامى» و«ummah.com»
وبعد عملية استقطاب العضو تبدأ عملية التدريب العسكرى، وصنع المتفجرات والقنص، وصنع الأسلحة الخفيفة والمركبة، وتشريك السيارات، ومحاضرات حول حرب العصابات والمدن، ناهيك عن كبسولات التعريف والترغيب بحلاوة الجهاد فى سبيل الله والاستشهاد والجنة المنتظرة.
ولا ننكر دور اليوتيوب، حيث استخدمه داعش موقع «salafi media uk» كأرضية لشبكات المهاجرين الأجانب. وفى يناير 2014 وصل متابعو تلك القناة على يوتيوب إلى 2281 متابعًا.
وبالتالى يتبين مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعى على الإنترنت وأن 90% من حالات التجنيد من الإنترنت من خلال مواقع الفيس بوك وتويتر عبر شفرات وصفحات تحمل أسماء أحيانا لا ترتبط بمضمونها حتى تكون بعيدة عن أعين المتابعة.