الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمد رياض يعيد للمسرح أمجاده فى «الحفلة التنكرية»!

محمد رياض يعيد للمسرح أمجاده فى «الحفلة التنكرية»!
محمد رياض يعيد للمسرح أمجاده فى «الحفلة التنكرية»!




لم يكن معتادا بدء المقال من نهايته، فمن المألوف الحديث أولا عن العرض المسرحي، ثم عن مدى تميز أبطاله فى تقديم أدوراهم كل فى موقعه، لكن هذه المرة وجب التحرر من كل ماهو مألوف، والحديث عن بطل العرض أولا ثم عن العرض نفسه ثانيا، لأننا هنا أمام بطل من طراز فنى خاص يذكرك وأنت تشاهده بأمجاد المسرح المصرى فى قوته وعنفوانه أيام الراحل عبد الله غيث، نور الشريف، محمود ياسين وغيرهم ممن كانت تهتز لهم خشبات مسارح الدولة من روعة وقوة الأداء.
مع ندرة وجود مثل هؤلاء، وحرمان المسرح من ممثلين على هذه الشاكلة، أصبح من غير المعتاد أن يتناول مخرج عمل كلاسيكى تشعر معه بمتعة المشاهدة، فأصبحت الأعمال الكلاسيكية بمثابة مخاطرة أو مغامرة يقوم بها المخرج المقدم على هذه التجربة نظرا لما تتمتع به من رصانة وشكل تقليدى قد يصيب المشاهد بالعزوف عن متابعتها وبالتالى قد يتحايل المخرج على تقديم النص بشكل أكثر معاصرة للواقع الحالى أو قد يجرده تماما من كلاسيكيته.
محمد رياض واللغة العربية الفصحى
فى مسرحية «الحفلة التنكرية» للروائى ألبرتو مورافيا ترجمة سعد أردش، قدم الممثل محمد رياض دور الجنرال تريزو بأداء مسرحى لم نشاهده منذ سنوات مضت، فمع حرص المخرج هشام جمعة على تقديم العمل باللغة العربية الفصحى كان رياض أحرص على إتقان وإلقاء هذه اللغة بمهارة فنية شديدة لم نعهدها على خشبات المسارح منذ سنوات طويلة، حتى أن التوصية الأشهر فى كل دورة من دورات المهرجان القومى للمسرح على مدار سنواته العشر كانت دائما تخص ضرورة مراجعة وإتقان اللغة العربية، بينما هنا وفى هذا العرض ومع هذا الممثل على وجه التحديد تلاشت أمامه كل توصيات لجان تحكيم المهرجانات، وأعادنا بهذا الأداء المتقن والمختلف فى دقة النطق ومخارج الألفاظ وإلقاء الكلمات ووقوفه وحركته على خشبة المسرح إلى ذكريات  الأعمال الدرامية التاريخية الخالدة والتى قدم هو نفسه بعضاً منها «عصر الأئمة»، «عمر بن عبدالعزيز»، «الإمام الغزالى»، «ابن حزم»، ليلخص رياض المسألة فى أن الممثل الجيد مجموعة من التجربة والخبرة التراكمية والتى ظهرت عصارتها فى «الحفلة التنكرية» فأعاد بأدائه البديع للمسرح أمجاده من جديد.
الحفلة تنتهى بقداس جنائزى
«الحفلة التنكرية» كتبها مورافيا كرواية عام 1941 وكعمل مسرحى عام 1958، تدور أحداثها فى دولة متخيلة قصد بها مورافيا توجيه النقد والسخرية للحكم الفاشى أو للديكتاتوريات التى أسست فى أوروبا عقب الحرب العالمية الأولى سواء الفاشية فى إيطاليا أوالنازية فى ألمانيا، كتب مورافيا أحداث روايته أو مسرحيته فى يوم يستعد فيه القصر لتنظيم حفلة تنكرية احتفالا بالجسر الذى سيفتتحه جنرال البلاد تيريزو أرانجو وهو رجل عنيف دموى محب للحرب يهابه الجميع ويخضع الشعب لحكمه بالقوة والكراهية لا مجال للاعتراض عليه أو معارضة أوامره وأفكاره، يقع هذا الرجل فى حب الماركيزه فاوستا سانشيز التى تتلاعب بمشاعره كى تحصل منه على حكم لإخراج أخيها المعتقل، وفى نفس التوقيت يحاول تشينكو قائد البوليس إقناعه بأن هناك مؤامرة تدبر ضده داخل القصر، ويدبر تشينكو مؤامرة وهمية من خلال الخدم الثائرين على الجنرال والراغبين فى التخلص منه، كى يظل محتفاظا بمنصبه وحتى يؤكد له أنه هو الوحيد القادر على حمايته من المتآمرين والحاقدين، وينتهى العرض بمقتل الماركيزه غدرا على يد أحد الخدم ليتحول الحفل فى نهايته إلى قداس جنائزى على روح فاوستا سانشيز.
الاحتفاظ بكلاسيكية الأزياء والديكور
يجسد العمل فى مجمله صورة حية للحكومات والشعوب التى تعانى من الشكل الديكتاتورى والحكم العسكرى الصارم سواء بفساد الحكام أو من خلال فساد بطانة هؤلاء الحكام، تعددت شخصيات المسرحية والتى فتحت مساحة لاشتراك أكثر من ممثل فى بطولة العرض الذى تناوله المخرج هشام جمعة بجودة فنية عالية مع احتفاظه بالكلاسيكية الشديدة فى تصميم ديكور القصر والذى أضفى على العمل متعة حسية وبصرية بالإضافة إلى الملابس التى أكدت على المعنى الذى أراد أن يشير إليه النص فهذه الأحداث ربما كانت تدور بعد الحرب العالمية الأولى خاصة ملابس الرجال التى كانت موحية وبشدة عن تلك الفترة بينما للأسف وقعت مصممة الأزياء فى خطأ يتعلق بملابس النساء التى كانت أشبه بملابس عرائس المولد أو ملابس سواريه نسائية صممت بذوق فنى أقل من مستوى العمل والديكور الذى من المفترض أن يشكلا معا لوحة فنية متقنة الصنع، خرجت ملابس النساء من هذه اللوحة وشكلت نشازا وعبئاً عليها خاصة ملابس الدوقة ماريا تيريزا «جيهان سلامة» والماركيزه فاوستا لقاء سويدان كانت ملابسهما أقرب إلى تصنيف الفرق الاستعراضية أو ملابس السهرة منها لعرض مسرحى تاريخى يتناول فترة زمنية بعيدة للغاية، وكذلك ملابس الراقصين.
تحقيق التوازن بين الجد والهزل
كانت من مفاجآت العرض الفنانة لقاء سويدان التى لا تزال محتفظة بلياقتها البدنية على خشبة المسرح فلم تكتف بالتمثيل بل قدمت برشاقة ومهارة مشاهد الغناء والاستعراض والتى كانت محدودة أمام المشاهد الحوارية الطويلة، فالعيب الأكثر وضوحا بالعمل هو طوله الشديد حيث تجاوز الساعتين فى حين أنه كان من الممكن الاستغناء عن معظم هذه المشاهد وتعويضها بالغناء والاستعراض لكسر حدة الملل، من بين الأبطال المهمين أيضا الفنان محمد محمود والذى حافظ على توازن العرض باستخدامه لأسلوب القطاع الخاص بشكل محدود، فمزج العرض بين الجد والهزل والصرامة والسخرية التى جاءت على لسان محمود وهو ما حافظ على اتزانه وخروجه بشكل جيد بالجمع بين الكوميديا والتراجيديا بحرفة فنية عالية أجاد صنعها المخرج هشام جمعة، فانضبط الضحك مع المشاهد الجادة ولم تشكل نشازا عليها.
شارك فى بطولة «الحفلة التنكرية» خالد محمود، جيهان سلامة، جميل عزيز، بلال مجدى، هشام عصمت، مصطفى جابر، أشرف عبدالفضيل، وليد أبو ستيت، محمد سعيد، صلاح المصري، همام عبد المطلب، أحمد يوسف، محمد سمير، نجاح حسن، ديكور محمد هاشم، أغانى وأشعار فرغلى مهران، رؤية موسيقية وليد الشهاوى، ملابس مها عبدالرحمن، استعراضات فاروق جعفر، تصميم إضاءة إبراهيم الفرن.