الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر فوق المعونة

مصر فوق المعونة
مصر فوق المعونة




المعونة ليست منحة بل التزام قانونى حافظت عليه القاهرة

 

ولم تُضبط مرة واحدة خاضعة للابتزاز

 

رئيس التحرير يكتب:

 

يبدو أن الأمريكان مازالوا لم يتعلموا الدرس، مازالوا غير قادرين على فهم طبيعة الشعب المصرى، الذى تزداد صلابته واعتزازه بوطنه كلما حاول البعض الاقتراب ولو من بعيد من مساحة المساس بكرامته، يتعامل المصريون على اختلاف ثقافاتهم مع كرامة وطنهم باعتبارها مكونا رئيسيا من كرامتهم الشخصية، لكن يبدو أن هذا المفهوم لم يصل إلى العقل الأمريكى بعد، فنجد بين الحين والآخر إعادة استخدام كارت المعونة المستهلك كإحدى وسائل الضغط التى لم تؤت ثمارها مرة واحدة.
تعمد استخدام كارت المعونة فى الوقت الحالى يعبر عن عدة احتمالات من الممكن أن يكون بعضها مايلى:
- مفعول الأموال القطرية أحدث تأثيره.
- الدولة العميقة الأمريكية تُمارس ألاعيبها ضد الرئيس دونالد ترامب.
- بعض أجنحة الإدارة الأمريكية قررت التحرك مبكرا قبل الانتخابات الرئاسية لإيجاد فرصة لفرض بعض شروطها وإملاءاتها.
-ممارسة ضغوط ضد مصر لتخفيف المقاطعة عن قطر.
-الحنين القديم لجماعة الإخوان الإرهابية.
- حالة من الفراغ تعانيها الإدارة الأمريكية.

والمرجح أنها أزمة داخلية أمريكية تعكس صراعا للأجنحة التى أراد بعضها اختلاق أزمة لإيجاد مساحة تحرك على مسرح الشرق الأوسط لاكتساب نقاط جديدة تدعم موقفه الداخلى فلم يجد إلا مصر لممارسة ألاعيبه القديمة فى مواجهتها.

المعونة أساسًا ليست منحة بل التزام قانونى ضمن بنود علاقة تعاقدية دولية، لم يرصد التاريخ حالة واحدة للدولة المصرية خالفت فيها هذا الالتزام أو أى التزام دولى لها، كما لم يرصد التاريخ الحديث أنها استجابت لهذا الابتزاز من قبل، بل فى كل مرة تزداد صلابة وتراكم خبراتها وتعدد مصادر تمويلها وتسليحها، وفى كل مرة تعتقد فيها الإدارة الأمريكية أنها قادرة على تحقيق استفادة على حساب مصر ودون تقديم مقابل لائق بحجم الدولة المصرية فى إطار علاقة من المصالح المتبادلة، فإنها فى كل مرة تمنح الدبلوماسية المصرية فرصة لتمرين سياسى جديد يرفع من كفاءتها ولياقتها.

فإذا كانت مصر يمكن أن تستغنى عن جزء من المعونة الأمريكية فهل يمكن للأمريكان الاستغناء عن المعونة المصرية؟! نعم المعونة المصرية ليست للولايات المتحدة فقط بل لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها ولمدخل أوروبا.. مصر هى قاعدة استقرار الشرق الأوسط شاء من شاء وأبى من أبى، فمصر وحدها تضمن مايلى:
- حائط صد منيع ضد التنظيمات الإرهابية.
 -نموذج للإسلام الوسطى والتعايش واندماج الاختلاف.
- منارة الفنون فى الشرق.
- رمانة الميزان لصراع القوى.
- حاضنة اللاجئين والمهجرين.
- مركز مرور التجارة العالمية.

ثم دعونا نتحدث عن حقوق الإنسان كقيمة تؤمن بها الإدارة الأمريكية وليس وسيلة للضغط والتدخل والابتزاز، دعونا نستعرض صحيفة السوابق الأمريكية فى انتهاك حقوق الإنسان:  
- أين الجنس البشرى المسمى «الهنود الحمر»، وهل يمكن أن تنشأ حضارة على إبادة الآخر؟ هل يمكن أن ترتقى على الجثث؟ هل يمكن أن تكتب فصولها بالدماء؟
 - من يدفع تكلفة معاناة المدنيين فى ناجازاكى وهيروشيما؟
- أين كانت أمريكا من المذابح التى مارسها الحرس الثورى الإيرانى ضد السنة العزل فى العراق بعد تفكيك جيشها على يد القوات الأمريكية؟
- هل خفتت أصوات المعذبين فى جوانتانامو؟
- هل غابت صور الضحايا فى سجن أبوغريب؟
- متى ستكف الطائرات الأمريكية عن استهداف المدنيين والأطفال فى سوريا؟

على مدى ستة عشر عاما هى مجموع سنوات حكم بوش الابن ومن بعده باراك أوباما لم تتوقف الآلة الأمريكية إعلاميا وسياسيا واستخباراتيا عن قصف الداخل المصرى، فلم تزدد مصر إلا صلابة وخرجت من المحنة أكثر إدراكا ووعيا وخبرة، فإذا كانت هذه المرة نزوة أمريكية عابرة فلتمر بسلام تحت عدسة الميكروسكوب المصرى، أما إذا كانت بداية لجولة جديدة من الوهم الأمريكى فأهلا وسهلا بمزيد من الكشف والانكشاف والحرق لخلاياها النائمة وعملائها فى أكشاك حقوق الإنسان وكواليس السياسة والإعلام، أراهم الآن تشرئب أعناقهم استقبالا للرسالة الجديدة إيذانا ببدء الحركة والتنفيذ، وأقول لهم أنتم على مرأى ومسمع من مصر وشعبها، ستنضمون قريبا إلى متحف ضحايا العبث الأمريكى، فى صالات العرض الوطنى سيكتب تاريخكم بمداد الْخِزْى والعار الممتد لنسلكم من بعدكم.
من داخل زنازين جوانتانامو، ومن كهوف الجبال فى أفغانستان، ومن أرض الصومال، وعلى ضفاف دجلة والفرات فى العراق، زرعت القوات الأمريكية بذور الكراهية والإرهاب والتطرف والآن تسعى لأن يحصد غيرها ثمار ماروته القوات الأمريكية بدماء المدنيين والضحايا والأبرياء.
أعوام متتالية من القصف الأمريكى السينمائى لجبال أفغانستان، أعوام متتالية من الحرب مع ميليشيات طالبان ثم نجدها تفتتح مكتبًا لهم على أرض الدوحة بجوار «القواعد الأمريكية» أعواما بعد أعوام من صناعة نجم الإرهاب الأمريكى أسامة بن لادن ثم تقديم عرض مسرحى لعملية تصفيته بعدما انتهى دوره، وعلى أرض العراق امتدادا إلى سوريا تعاود الولايات المتحدة صناعة الدواعش وتصديرهم إلى المنطقة العربية ثم تلاحقنا بأوهام حقوق الإنسان إذا واجهنا التنظيمات المصنوعة فى واشنطن.
سيقولون إن السجون المصرية تفرخ الإرهاب، ونقول إن صح القول إن تلك الأفراخ يتم تسمينها فى مكاتبكم وقواعد استخباراتكم المنتشرة والجاثمة على سيادات الدول المستكينة، سيقولون إن استهداف الإخوان سيحولهم إلى جماعة إرهابية ونقول الإرهاب هو من يتصف بأنه إخوانى، أفصحوا عن نواياكم دون مناورات مكشوفة «هل عاودكم الحنين إلى مكتب الإرشاد»؟! هل مازلتم تعولون على هذا التنظيم الذى حوله المصريون إلى مادة للسخرية والتسلية؟: أم هل تعتقدون أن المصريين يمكن أن يتناسوا أو ينسوا ماعانوه من دعمكم لجماعات غير وطنية؟ فى محيط السفارة القابعة فى جاردن سيتى أرى خلاياكم النائمة قد استيقظت تحوم حول الأسوار فى انتظار فتح الأبواب إيذانا بالدخول واستلام التكليف الجديد، لكن هناك رجالًا لاينتظرون تكليفا بحب الوطن.

ماذا تريد الإدارة الأمريكية من العلاقات الاستراتيجية مع مصر؟ هل تريد تنميتها أم أنها تستمتع بإعادتها إلى مربع الصفر كلما جرت المياه فى نهر النيل؟  من الذى يدفع نحو زيادة تكلفة إعادة تلك العلاقات لمستوى حجم البلدين؟ من الذى يصر على إظهار الولايات المتحدة كشريك غير مأمون الجانب غير واضح الاتجاهات؟ من الذى يورط واشنطن لرسم صورة شديدة السلبية للولايات المتحدة فى أذهان ووجدان المصريين؟ هل تدرك الإدارة الأمريكية خطورة ذلك أم أن هناك حالة من الجزر المنعزلة لمؤسسات الدولة الأمريكية؟! على أى حال مصر تدرك جيدا لمصالحها ومصالح حلفائها، مصر تدرك لشرف السياسة، مصر قرينة التاريخ والزمن لا تعرف إلا البناء والتواصل والتسامح لا يمكن أن تقبل أن تكون حقلا لتجارب دولية، لايمكن أن تقبل إلا العلاقات القائمة على الندية والمصالح المشتركة، مصر المكان والمكانة التى كلما اشتدت عليها الضغوط أبهرت العالم بصلابة أسطورية لا غنى عنها لاستقرار المنطقة والعالم لو كنتم تعلمون.