الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ألعاب العيد.. بيزنس.. وتشويه وبتر أطراف

ألعاب العيد.. بيزنس.. وتشويه وبتر أطراف
ألعاب العيد.. بيزنس.. وتشويه وبتر أطراف




كتبت - مروة عمارة

«ابنى فضل شهور مشوه الوجه، ومتوارى خلف ضمادات ولفائف الشاش، بعد انفجار «صاروخ لعبة» فى وجهه، اشتراه من سوبر ماركت! إزاى الحاجات دى بتتباع فى محلات الأطفال والسوبر ماركت زى الاكل والشرب كده!» تلك هى كلمات اب تعرض ابنه لحروق خطيرة أصابت وجهه، نتيجة لهوه بإحدى الألعاب النارية المنتشرة فى الأسواق.
والد الطفل طرح سؤال خلال حديثه لـ«روزاليوسف»: «إزاى يسيبوا ولادنا معرضين لخطر الموت بالحرق والتشويه؟ إزاى يسيبوا معدومى الضمير بيهربوا الألعاب دى؟ مين هيدفع تمن إن ابنى هيعيش باقى حياته فاقد النظر ووجهه مشوه؟».

تلك ليست الضحية الوحيدة التى رصدتها «روزاليوسف» خلال إجرائها هذا التحقيق، بل هى واحدة من عشرات الحالات التى تتعرض لإصابات خطرة، تهدد أطفالنا بالعيش حياة طبيعية، إذا ما نجوا من الموت. حول شر هذه الألعاب وحجم تواجدها فى الأسوق، ومن المسئول عنها يدور هذا التحقيق.
تضج مواقع التواصل الاجتماعى بالكثير من الحالات، رصدت «روزاليوسف» بعضها، منها صورا لطفل عمره 13 عامًا، محجوز فى مستشفى سوهاج، بقسم التجميل، توضح الصور القاسية بقايا يده المتهتكة بفعل انفجار لعبة نارية (صاروخ) فيها أثناء لعب الطفل به وإشعاله. صور أخرى تداولت عن تمزق اليد اليمنى لطفل عمره 12 عاما، وشاب آخر عمره 25 عاما تعرض للإصابة والحق بمستشفى الإسكندرية العام.
إضافة إلى حالات أخرى لأطفال فقدوا أصابع أيديهم أو أجزاء منها، وبعضهم فقد بصره وتعرض لتشوه بالوجه، نتيجة انفجار أنواع من الألعاب النارية معروفة باسم «المونة» و«البارود»، وهما مادتان شديدتا الانفجار، وكانت الحالات لأطفال تلقوا العلاج بمستشفى معهد ناصر وبنها الجامعي.
وخلال العام الماضى ومطلع العام الحالي، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى، هاشتاج بعنوان #أوقفوا_الألعاب_النارية، شمل الهاشتاج قصص لحالات المصابين.
ووفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن معدلات الحروق تعتبر السبب الثالث للوفاة فى مصر، حيث يصل عدد ضحايا الحروق إلى أكثر من 100 ألف مصاب سنويا (أى ما يعادل 300 مريض يوميا) ويتوفى 37% من إجمالى حالات الحروق كل عام، وأن نحو 40 ألف حالة تكون إصابتهم عميقة، ويتوفوا خلال 6 ساعات.
وحروق الألعاب النارية أخطر أنواع الحروق وقد تسبب الوفاة، وأعلنت وزارة الصحة والسكان عن زيادة عدد أسرة الحروق من 518 إلى 626 سريرا، كما تمت زيادة عدد أسرة رعاية الحروق من 72 إلى 137 سريرا بمختلف المستشفيات على مستوى الجمهورية، بالإضافة لمستشفى «أهل مصر» تعد أول مستشفى متخصص لاستقبال وعلاج مرضى الحروق فى الشرق الأوسط على مساحة 12 ألف متر مربع، لاستقبال نحو 1500 منتفع يوميا، وتستقبل أغلبى مصابى حروق الألعاب النارية.
محاولات للسيطرة
الوضع الخطر الذى يحاصر الأطفال اللاهين بالنار قائم رغم جهود مباحث التموين للحد من تسرب هذه الألعاب الخطرة إلى البلاد. فقبل عيد الفطر الماضي، ضبطت الأجهزة المعنية 96 قضية اتجار فى الألعاب النارية؛ على مستوى الجمهورية، وبلغت المضبوطات حوالى 625.815 صاروخ ألعاب نارية، مختلف الأشكال والأحجام.
كما شهد مطلع الشهر الحالى ضبط كمية كبيرة من الألعاب النارية قبل دخولها مصر عبر منفذ بورسعيد، استعدادا لعيد الأضحى، الألعاب النارية المضبوطة كانت مشحونة فى حاويتين قادمتين من الصين تحت مسمى «وارد لعب أطفال» بهما 400 ألف قطعة ألعاب نارية، بالمخالفة لقرار وزير الداخلية رقم 2225 لعام 2007 والمادة 102 من قانون العقوبات.
وضبطت شرطة ميناء الإسكندرية البحري، رسالة واردة من الخارج، تحتوى على 22 طن ألعاب نارية «شماريخ»، مشمولها «سائل غراء»، ضبط بها 950 طرد ألعاب نارية (شماريخ) وزنت 22 طن. ونجحت أيضا الإدارة العامة لحركة الحاويات بجمارك الدخيلة فى ضبط حاوية 40 قدماً، آتية من «شيتوا» بالصين، والصفة (طبقا للمستندات) «غراء أبيض» بإجمالى 900 طرد، و4 ملايين و585 ألفا و92 لعبة نارية محظور دخولها للبلاد.
وبجمرك سفاجا، ضبط 210 آلاف لعبة نارية، تستخدم فى أعياد الميلاد، ملفوفة ومخبأة داخل كراتين ضمن الأمتعة الشخصية الخاصة بالراكب، وبميناء بورسعيد ضبط ٢٢ مليون شمروخ وقطعة ألعاب نارية، رغم أن الأوراق تقول «أن الحاويات بها جنوط سيارات ولعب أطفال».
ثمن الوجع
محاولات السيطرة التى تقوم بها الدولة لا تمنع انتشار هذه الألعاب الخطرة، فهى منتشرة بمناطق الموسكى والعتبة، تدخل مصر مهربة، ومنها ما يصنع فى مصر داخل ورش الأحياء الشعبية، مثل البمب والشماريخ والصواريخ.
أسعار الألعاب النارية متفاوتة وترضى جميع الطبقات، تبدأ من 150 قرشا للصاروخ «المصري»، يرتفع سعره إلى خمسين جنيها فى حال كونه مستوردا، وبالمثل «بمب العيد» المصنع فى مصر يباع بسعر 5 جنيهات، و10 جنيهات للعبوة الصيني.
«الخرطوش» المصرى يباع الواحد منه بـ5 جنيهات، و«النافورة» بـ50 جنيهًا للعلبة، و«المدفع» سعر الواحد منه 10 جنيهات، و«العصاية» بـ 40 جنيهات. وهناك ما يسمى بـ«تورتة الشيطان» سعرها 100 جنيه، و«البازوكا» و«الحجاب» وأسعارهما قد تصل إلى 250 جنيها. طبقا للاسعار المتداولة بمحال لعب الأطفال ومستلزمات أعياد الميلاد والحفلات.
البيع سرًا
أحمد السيد، بائع متخصص فى الترويج للألعاب النارية، تواصلنا معه دون أن نكشف عن هويتنا الصحفية، عملناه كزبائن بحاجة إلى شراء كميات من الألعاب النارية، فرغم أن المحل الذى يعمل به متخصص فى ألعاب الأطفال ومستلزمات الحفلات وأعياد الميلاد، إلا أنه أخبرنا أنه لا يوجد ألعاب نارية فى المحل كونها مخالفة للقانون: «بيعها محظور، ولو اتمسكت بيها أتحبس»، طبقا لقوله.
أحمد السيد (الذى قال إنه يخبئ تلك الألعاب فى مخزن متوار بدلا من وضعها فى المحل) استعرض ما لديه من ألعاب وأسعارها: «عندى الهاند والكروس الواحد عامل 90 جنيها، وبرشوطات نابولى وكروس وكوميت وباينز بـ 80 جنيها، وعندى «اندات» مراكب بحرى أصلى 110 جنيهات، وكوميتات برتقالى وأفركت أصفر بسعر120 جنيها، وسلاسل برشوطات بسعر75 جنيها، وسلاسل برشوطات الكبيرة (نابولي) بحوالى 80 جنيها، وقنابل دخان نابولى وهواوى وكوميت بحوالى 110 جنيهات، والهاند بـ 145جنيها»
وتابع: «عندى كمان هاندات بوبو بسعر 115 جنيها ولو هتاخدوا كميات هيبقى سعره 110 جنيهات بس، والعصايا 8 طلقات بحوالى 45 جنيها، ولو هتاخدوا كمية هتبقى بسعر42.5 جنيه، والدستة بـ470 جنيها، أما العصايا 5 طلقات بـ 35 جنيها، والدستة بـ370 جنيها، وموجود شمروخ نابولى احمر بشطاطة بسعر 140 جنيها وللكميات 135 جنيها، والشمروخ الأبيض بـ200 جنيه، والأزرق 180 جنيها، و«التورتة 100» 70 ×70 سنتيمتر سعرها 770 جنيها».
تشوه وبتر وفقدان سمع
يشرح دكتور، حسام الهادي، استشارى امراض الباطنه والصدر، أن مركبات الألعاب النارية (المغنيسيوم، كربونات الليثيوم والصوديوم، والكبريت، البوتاسيوم ونترات البوتاسيوم)، كلها مواد لها تأثير ضار على صحة المحيطين بها، وبالاخص كبار السن والأطفال، ولها تأثير مباشرة على الأذن، وتسبب مشكلات بالسمع قد يؤدى إلى فقد السمع كليا، كما تضر الجهاز التنفسى نتيجة استنشاق غازات سامة، وتسبب نوبات الحساسية والربو السعال المزمن، وتسبب التهابات جلدية نتيجة شطايا الاشتعال وفى حالات خطيرة تسبب حروقا بالغة بالجلد، وتشوها بالجسم، وبترا لليد نتيجة انفجار البارود الأسود.
«قد يتطور الأمر للاصابة بالعمى نتيجة تناثر الشظايا واختراقها شبكية العين مباشرة، وحروق فى الجفون وتمزقات فى جدار العين، بسبب دخول دخول اجسام غريبة أو كدمات ينتج عنها تجمع دموى فى الغرفة الأمامية للعين وإصابات قاع العين او انفصال شبكى قد ينتج عنه فقدان كلى للبصر او فقدان العين كليا، والماء الابيض والماء الازرق» ذلك ما أكدته دكتورة هبة أمين، استشارى أمراض العيون. مردفة: «فى حالة اصابة العين يجب عدم دعك العين، وعدم التغطية للعين المصابة، مع ضرورة اخذ المصاب فورا الى قسم الطوارئ فى اقرب مستشفى «تنصح المصابين بشظايا الألعاب النارية».
شعبة لعب الأطفال
«يتم تهريب الألعاب النارية على أنها مستلزمات مكتبية أو ألعاب أطفال، مقابل ملايين الدولارات، ما يضر بالاقتصاد المصرى. فرغم أن الألعاب النارية تعد سلع استفزازية، إلا أنها لم يتم حظرها» وذلك طبقا لتصريحات أحمد أبو جبل، رئيس شعبة المستلزمات المكتبية.
يقول «أبو جبل» «ينتشر بيع هذه الألعاب بمناطق الموسكى وهناك منها البمب والصواريخ المصرى وتصنع داخل ورش ومصانع تحت بير السلم، ومكاسبها تتعدى 500%».
ما يدخل رسميا من خلال المنافذ بقيمة تصل إلى 79 مليون جنيه، ومنها ما يدخل مهربا بقيمة إجمالية تصل إلى 600 مليون دولار، وتعد هذه المنتجات من السلع التى تضر بالمواطنين فى استخدامها، كما تضر بالاحتياطى من الدولار فى مصر دون فائدة.
طرق التهريب
أحمد أبو شيحة، رئيس شعبة المستورين، يوضح أن: «التهريب يجرى عن طريق حاويات تابعة لبعض شركات الاستيراد والتصدير، المفترض أنها شركات مستوردة لألعاب الأطفال ومستلزمات الحفلات وأعياد الميلاد، لكن بالاتفاق مع بعض العاملين بالموانئ، تمرر بعض تلك الشاحنات عبر موانئ الاسكندرية وبورسعيد وغيرهما».
«البضائع المهربة تسبب خسارة قدرها 4 مليارات جنيه سنويا، نتيجة عدم تحصيل الحكومة للرسوم الجمركية والضرائب، وهناك عشرات الشاحنات التى يسمح بمرورها على أنها محملة بأجهزة منزلية أو لعب أطفال، ويقوم موظف الكشف المعنى بفحص البضائع المهربة بفتح أحد جوانب الحاوية، ويفتح عينات عشوائية، ليؤكد أنها مطابقة لمواصفات الحاوية المسجلة فى أوراق الشحنة، رغم أنها محملة بألعاب نارية»، هكذا كشف «أبو شيحة» طرق تهريبها.
البرلمان يتحرك
البرلمان المصرى انتبه للأزمة مؤخرا، وطالب بسرعة تغليظ العقوبة، وحظر استيراد الألعاب النارية، كذلك قال النائب إبراهيم خليف، عضو مجلس النواب، إنه بصدد تقديم اقتراح قانون لمنع تداول الألعاب النارية، بسبب خطورتها على الأطفال. موضحا «الألعاب النارية أصبح سعرها مرتفعا جدًا وتمثل خطورة كبيرة على الأطفال، وتسبب لهم إصابات عديدة، وتستورد بملايين الدولار، وبالتالى تستنزف العملة الصعبة فى مصر، وخروج تشريع من مجلس النواب بمنع استيرادها، سوف يوفر عملة صعبة للبلد».
الدكتور محمد خليفة، عضو مجلس النواب، كشف عن أن حجم الألعاب النارية التى تستورد رسميا تقدر بـ100 مليون جنيه سنويًا، بينما ما يتم استيراده بطرق غير شرعية يبلغ على الأقل 500 مليون جنيه، وتغليظ العقوبات سوف يحد من إنتشار ورواج تلك الألعاب الخطرة.
وأتفق اعضاء البرلمان خلال مناقشة تلك الأزمة، على ضرورة إصدار تعديل تشريعى لتغليظ عقوبة استيراد أو بيع أو تداول أو استخدام هذه الألعاب النارية إلى المؤبد، باعتبارها مواد تفجيرية، تهدد أمن وسلامة المواطنين والبلد، والحد من تهريب وتداول هذه الألعاب سيؤدى إلى حالة من الاستقرار.
«دار الإفتاء» تحرّم
وبعد تعدد حوادث الألعاب النارية، أكدت دار الإفتاء المصرية، أن الشريعة الإسلامية تنهى عن ترويع الآمنين حتى لو كان باستخدام أدوات تافهة مثل الألعاب النارية المنتشرة الآن.
ونشرت دار الإفتاء عبر حسابها على فيسبوك، نهت الشريعة الإسلامية عن ترويع الآمنين، ولو على سبيل المزاح، أو باستخدام أداةٍ تافهة مثل الألعاب النارية المنتشرة الآن؛ قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدرى، لعل الشيطان ينزع فى يده، فيقع فى حفرةٍ من النار»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلمٌ عظيمٌ».
يجب منعها
وشدد اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، على خطورة استعمال الألعاب النارية، لكونها مجرمة قانونا، وتشكل خطورة على الأرواح والممتلكات، مطالبا بمنع استخدامها فى الاحتفالات والمناسبات.
خطورة أمنية
فيما صرح مصدر أمني، رفض ذكر اسمه، بأن «الألعاب النارية» تعد متفجرات محدودة القوة، مصنعة من مواد كيميائية شديدة الاشتعال، وانحلالها بالحرارة يسبب الانفجار، وقد يعاد تدوير تلك المواد لاستخدامها فى تصنيع المتفجرات محلية الصنع، من خلال جمع كميات كبيرة من الألعاب النارية، واستخدامها فى صنع قنابل بدائية الصنع، ولهذا مناقشة البرلمان بضرورة حظر الاستيراد امر ضرورى لأبعاد امنية تتعلق بالامن القومى للبلاد، وخطورة أن يستغل احد تلك الألعاب لإرهاب وترويع آمن المواطنين.

محظورة   

تعد الألعاب النارية فى حكم المفرقعات، ويحظر القانون استيرادها أو الإتجار فيها أو حيازتها، قبل الحصول على التراخيص اللازمة من الجهات المعنية، طبقا للمادة «102 أ» من قانون العقوبات، التى تنص على: «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة كل من أحرز مفرقعات أو حازها أو صنعها أو استوردها قبل الحصول على ترخيص بذلك، ويعتبر فى حكم المفرقعات كل مادة يدخل تركيبها ويصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية، وكذلك الأجهزة والآلات والأدوات التى تستخدم فى صنعها». وهو ما يعنى أن كل الألعاب النارية تدخل فى إطار المفرقعات ويطبق عليها نص القانون بالتجريم.
وصدر أيضًا قرار من وزير الداخلية برقم 2025 لسنة 2007 فى البند 77، يتضمن: «الألعاب النارية بجميع مصنفاتها والجدول الذى حدد فيه المواد المفرقعة والكيماوية». وهو ما يؤكد أن الألعاب النارية مجرمة قانونا.