الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أفريقيا أمى.. أفكار مشوشة ومتعة مفقودة..!

أفريقيا أمى.. أفكار مشوشة ومتعة مفقودة..!
أفريقيا أمى.. أفكار مشوشة ومتعة مفقودة..!




هل تحقيق المتعة والتواصل مع الجمهور غاية العمل الفنى؟.. بالتأكيد، وإذا انتفت المتعة فقد العمل قدرته على التواصل الجماهيري، أو انحرف عن تحقيق غايته الأساسية وذهبت رسالته هباء، فعندما يتخلى المخرج أو المؤلف عن عنصر التواصل مع الجمهور تتوقف العملية الإبداعية وتصبح غير ذات قيمة حقيقية، خاصة إذا تحولت إلى مجرد حالة من التعالى والاستعراض على الجمهور فى تبنى فكر أو فلسفة بعينها، دون الانشغال بمحاولة توصيل هذا الفكر أو هذه الفلسفة ومن ثم إقناع المتفرج بالاستمرار والرغبة فى الاستماع والمشاهدة ثم الاستمتاع بهذه المشاهدة.

«ماما أفريقيا» ورحلة عودة القط ماجو
 كانت المقدمة السابقة مجرد شرح مبدئى لبدء تناول العرض المسرحى «أفريقيا أمي» أو «ماما أفريقيا» بشكل تفصيلي، يتناول العرض فى قالب موسيقى غنائى قصة مجموعة من البشر اجتمعوا على السفر بالعودة إلى وطنهم الأم برغم كل الظروف والعوائق التى تحول دون هذه العودة ويكون شاهدا على هذه الرحلة القط ماجو الذى يسير فى صحبة هؤلاء محاولا الإطلاع ومراقبة أحداث السفر فى ظل تعرض المسافرين إلى مخاطر قد تحول دون عودتهم لأرضهم وهو الحلم الأسمى للجميع خاصة عندما يظهر مجموعة من رجال الأعمال الذين يغدقون الأموال ببذخ شديد لنشر ثقافة الرعب والإرهاب بينهم أو لإغراقهم جميعا فى السفينة التى تحملهم لكن القط ينجح فى النجاة بهم من هذا المصير وتنطلق سفينة النجاة عائدة فى نهاية العرض.
السريالية وحرية الإبداع
ينتمى عرض «أفريقيا أمي» أو يميل فى انتمائه إلى المدرسة السريالية، والسريالية هى حرية الفرد فى أن يكون حاكم نفسه، أو هى الحرية فى أن نبدع دون سيطرة العقل، أى أنها الحرية التى تتجاوز الموضوعية فى المعانى وتفسح المجال للخيال والأحلام واللاوعى لدى المبدعين، ومن أهداف الفن السريالى رفض العقل والمنطق والقيم الجمالية المتوارثة، تخليص الذهن من جميع الأنماط الآلية المفروضة عليه، التركيز على قوة الأحلام والتداعى الحر، الكتابة السريعة الغريزية والعزوف تماما عن محاولة الكتابة بصورة واعية من أجل تحقيق تدفق اللاوعى الذى يعتبر المادة الوحيدة للفن، وقد أثرت الحركة السريالية فى البنية المسرحية فنسفت الحكاية وكسرت التجانس المنطقى بين عناصرها وادخلت على المسرح مواضيع مستمدة من الحلم والتحول العجائبى والعنف، مما جعل المسرح قالبا للفانتازيا والسخرية، وكان مسرح أنطونين ارتو استعارة حية لعقيدة السريالية، وكتب هو نفسه ذلك فى إحدى رسائله «أعانى من مرض مخيف فى العقل، عقلى يهجرنى فى كل الأوقات، بداية من مرحلة التفكير البسيطة وحتى مرحلة تجسيد الكلمات.. أشكال العبارات..أنا أحيا فى مطاردة دائمة لكونى مخلوقاً مثقفاً» وقال أيضا «يطمح الآخرون إلى خلق أعمال فنية أما أنا فلا أريد إلا إظهار روحى» من هذا المنطلق ومن وحى فكر أرتو ربما صاغ المؤلف والمخرج محمد أبو السعود عرضه الأخير «أفريقيا أمى»، فهو عمل يميل بشكل واضح إلى هذه المدرسة وهذا الفن الذاتى البحت الذى اتضح فيه أن المؤلف والمخرج يخاطب نفسه أولا ثم ثانيا ثم ثالثا، ولم يضع الجمهور فى حساباته، وبالتالى نحن بصدد عمل أنانى إكتفى بتفضيل ذاتيته ونسجها فى عمل أو لوحة سيريالية مبهمة المعالم ولم تنشغل هذه اللوحة بالتواصل مع الجمهور ولو لحظة واحدة، فكأن المؤلف لديه مجموعة من الهموم والأفكار الاجتماعية والاقتصادية والفلسفية أراد أن يطرحها على الجمهور متناثرة ومشوشة، فعلى سبيل المثال وحدة الترابط الوحيدة التى تجمع جمل العرض الحوارية كان السجع فى اختيار وترتيب الكلمات، الذى حرص المؤلف على أن تكون أقرب إلى الشعر الغنائي، لكنه اعتمد على جمل غير مترابطة وغير مفهومة وجاء بعضها مبهما وغير متوقع، بجانب أن العمل مفكك من الأحداث ليس هناك إطار يجمع أبطاله فمن بداية العرض وحتى نهايته لا نعلم من أين وإلى أين يهاجر هؤلاء المسافرون، وما علاقة هذا القط بالأحداث ولماذا جاءت متابعة وسرد الأحداث على لسان قط من الأساس، وما علاقة صور السينوغرافيا بالعرض والتى كانت عبارة عن عرض لمجموعة من صور الغابات والأفاعى عن طريق الفيديو بروجيكتور، كما تكررت عبارة «إلى الأمام» بشكل غير مبرر ومبالغ فيه، هناك مدارس أسست لفكرة التجرد من النص الدرامى لكن ليس بهذه الصورة المملة والمبهمة التى دفعت الكثيرين إلى الخروج من قاعة العرض قبل انتهائه خاصة وأنه تجاوز الساعتين، لأن صناع مسرح العبث والسريالية وغيرها من المدارس المتجردة والمتجددة جاءت لخلق شكل آخر ومتعة مغايرة للمسرح الذى هو فى الأساس فن جماهيرى وليس مجرد لوحة تشكيلية تعبر عن خيال مبدعها..!
الذاتية الجماهيرية
كما سبق وذكرنا أن هناك أعمالاً يخاطب بها المبدع نفسه وهو ما يوقعه فى فخ الذاتية والأنانية الشديدة وربما هذا أبرز ما يميز السيريالية على وجه العموم وعرض محمد أبو السعود على وجه الخصوص لكن أليس من المهم أن يراعى المؤلف والمخرج فى ذاتيته الجمهور، خاصة وهو اختار بمحض إرادته أن يتعرض لهذا الفن الجماهيرى «المسرح»، فإذا خالف قواعد المحافظة على الجمهور واحتفظ بهذه الذاتية لنفسه فقط، ولم يخرج بها إلى القاعدة الجماهيرية فكان من الأولى ألا يتعرض أو يقف أمام هذا الجمهور الذى لم يشأ أن يضعه فى اعتباره، فحتى تلتحم ذاتية المؤلف مع الجمهور لابد أن تتحول هذه الذاتية من الأنوية الشديدة إلى التباسط والتواضع فى مخاطبة المتلقى فمع احتفاظ المبدع بذاتيته لابد أيضا أن يتمكن من الإحتفاظ بجماهيريته حتى يتحول الإبداع الفنى من محور الفرد الواحد إلى الجميع، وهو ما كان يفعله أبو السعود بعروضه على مدار السنوات الماضية بمسرح الهناجر، فهذا الرجل له رصيد كبير من الأعمال المهمة والمتميزة وكانت أعماله لها جمهورها وينتظرها الجميع، فما هى قيمة تقديم عمل فنى غير ممتع، وما هى قيمة تقديم عمل غير قادر على التواصل مع الجمهور؟!!
إهدار طاقة الممثلين
لم يظلم العرض جمهوره فقط، بل وقع ظلم شديد أيضا على الممثلين، حيث احتوى هذا العرض على طاقات فنية شابة كثيرة فمعظمهم محترفون وموهوبون خاصة فهد إبراهيم الذى لعب دور القط والذى بدا واضحا أنه يبذل جهدا كبيرا فى الفراغ فحاول فهد جاهدا أن يخلق من هذه الشخصية مساحة للعمل والتمثيل وهو مجهود محمود ومشكور لكن المؤلف ظلمه ولم يسمح له بإظهار ما لديه من طاقة حقيقية أهدرها بحركات مكثفة ومتواصلة ومبالغ فيها بجانب الجمل الغريبة وغير المفهومة التى جاءت على لسانه طوال العرض، وكذلك اسماعيل جمال الذى لم تكن ملامحه واضحة أغلب الوقت سبب سقوط شاشة الفيديو بروجيكتور على وجهه وعلى وجه زملائه، وكذلك أحمد يحيى فهولاء حاولوا تقديم أقصى ما لديهم لإنقاذ العرض لكن دون جدوى فلم يساعدهم النص المكتوب  فى الخروج من هذا المأزق الذى وضعهم فيه المؤلف، ولم ينج من هذا الظلم سوى الرؤية الموسيقية التى كانت أمتع ما جاء بالعرض..!
شارك فى بطولة «ماما أفريقيا» فهد إبراهيم، محمود سامى «كامتشو»، أحمد يحيي، إسماعيل جمال، مريم ويفي، عبد العزيز محمد «زيزو،  أحمد مرعي، بكر محمد، أدهم شكر، محمد بريقع، أحمد وحيد، محمد جاد، محمد الصعيدي، هانى زتونة، ياسين مصطفى، خالد جيكا، منى رجب، ليلى هيكل، لولو عيسى، بيرى حسن أزياء نشوى معتوق، رؤية موسيقية باهر جمال «بيكا».