الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

النسر المصرى يحــلـق

النسر المصرى يحــلـق
النسر المصرى يحــلـق




أحمد باشا  يكتب من شيامن

أما وإن ثورة 30 يونيو لم تكن فقط لإسقاط جماعة راديكالية فاشية قفزت على السلطة، بل كانت أيضا ثورة على التبعية الدولية، فكان أن أنهت عقوداً من الخضوع للضغوطات الدولية والتأثير فى استقلالية القرار السياسى.
منذ ذلك التاريخ، انتهجت القاهرة استراتيجية تحرير القرار الوطنى وتحقيق الاستقلال التام بما يخدم فقط المصالح العليا للبلاد دون اعتبار لأى من توازنات، الهدف منها استمرار التبعية لأى دولة مهما كان حجم الضغوط أو التهديدات.
مصر المكان والمكانة استردت عافيتها السياسية وكفاءتها الاقتصادية وشخصيتها القوية ومكانتها الإقليمية وأدوارها الدولية، عادت بوجه مختلف وعزيمة لا تلين وطموح لا سقف له يعوضها عن سنوات الشقاء والمرار.
30 يونيو 2013 كان بمثابة إعلان الجمهورية الثانية، التى ارتكزت فى تكوينها واستقرارها على استقلال القرار الوطنى وإعلاء شأن المصلحة العليا للبلاد مهما كان حجم التحدى.
لم يكن اعتماد هذه الاستراتيجية بالأمر الهين أو اليسير وإنما ارتكز فى تحقيقه على عدة محاور استراتيجية أخرى، يأتى فى مقدمتها إصلاح هيكلى وحقيقى للاقتصاد المصرى، فلا استقلال قرار إلا باقتصاد قوى وإنتاج صناعى متميز وزراعى يكفى ما يقرب من 90 مليون نسمة.
لولا هذا الإصلاح الاقتصادى المؤلم والمفيد والناجح والناجع ما كانت مصر حاضرة بتجربتها على منصة مجموعة «بريكس»، حيث انتزعت الدولة المصرية شهادات دولية وعالمية بتحسن الاقتصاد المصرى، حتى إن النظرة المستقبلية لمصر أكثر من متفائلة، بعد أن قبل «عبدالفتاح السيسى» هذا التحدى الصعب وتلقف فى صدره كرة النار وتجاوز كل العقبات والحواجز والآثار السلبية لعملية الإصلاح الهيكلى للاقتصاد المصرى، ونفخ فيها من شعبيته ولم يأبه لمعدلات انخفاض صعودها أو هبوطها وصولاً اليوم لمعدلات تنمية بلغت 4.3٪، واحتياطى نقدى وصل لأول مرة فى التاريخ إلى 36 مليار دولار، وخفض عجز الموازنة إلى أقل من 10٪.. وهى أمور تشبه المعجزة فى ظل التحديات التى شهدتها البلاد خلال السنوات السبع الأخيرة.
على مسار مواز لم يكن أن يستقل القرار الوطنى وأن تحافظ مصر على استقرارها ومقدراتها ونجاحاتها الاقتصادية دون قوة عسكرية رادعة وحامية لثروات الشعب ومقدراته وإنجازاته وأمنه واستقراره.
وأخيراً يبقى الضلع الثالث فى تبنى سياسة دبلوماسية منفتحة على الاتجاهات الاستراتيجية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، ترجمتها زيارات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى جولاته الخارجية لكسر دوائر الأمن القومى والمجال الحيوى التقليدية للدولة المصرية، وتجديد قائمة الحلفاء بضم دول أخرى جديدة وصاعدة وفاعلة ومحورية بازغة.. بخلاف الحلفاء التقليديين.

المقدمة وإن طالت فإنها ضرورية لتجيب عن سؤال الساعة: لماذا جاءت مصر إلى شيامن؟ ولماذا تسعى مصر للانضمام إلى مجموعة بريكس؟
قبل عدة سنوات كان أن ضغطت الإدارة الأمريكية على الرئيس الأسبق مبارك بعدم الانضمام لحلف بريكس باعتباره أكبر تكتل اقتصادى يضما دولاً تنافس الولايات المتحدة اقتصاديا مثل الصين، ورغم أن الانضمام لبريكس منذ نشأته كان حلماً مصريًا كان قرار القيادة السياسية بعدم الانضمام نزولاً على هذه الضغوطات ما أصاب الخبراء المصريين بالإحباط.
اليوم ومع اتخاذ مصر خطوات مبدئية لدخول تحالف بريكس فإن هذا القرار يعكس إرادة ثورة 30 يونيو والجمهورية الثانية وتأكيداً لاستقلال القرار المصرى.
منذ تولى عبدالفتاح السيسى حكم البلاد وهو منفذ جيد وأمين لاستراتيجية استقلال القرار الوطنى، منتهجا سياسة أكثر مرونة وانفتاحا وبراجماتية فى تحرك مصر على المستوى الدولى لتكريس وضع جديد لربط القاهرة بكل الكيانات المهمة على مستوى العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا، بحيث تصبح مصر لاعبا محوريا وفاعلا ليس على مستوى الإقليم فحسب بل عالميا أيضا.
هذا التحرك وهذه الرؤية تمنح المفاوض والقائد المصرى أن يخلق نظامه العالمى بما تتسع معه شبكة علاقاته شديدة التعقيد وتمنحه حرية التحرك السياسى والدبلوماسى تمريراً لمصالح مصر والإقليم.

التحرك فى إطار بريكس - كنموذج - يأخذ فى حسبانه حوكمة الاقتصاد العالمى وشكل التجارة الدولية خلال الـ20 عاما القادمة والتى تستشرف فيها الدراسات سيادة صينية تامة تحل محل نظيرتها الأمريكية، فإذا كانت السنوات القادمة ستشهد بزوغ نجم الصين وأحلافها المتحللة من هيمنة الولايات المتحدة، فإن مصر للمرة الأولى فى تاريخها تتحرك بخطوات محسوبة على مستوى المصلحة العليا والنظرة المستقبلية للبلاد.
تزامنا مع الإعلان عن أكاديمية تدريب وتأهيل الشباب الذى فى تقديرى هو إعلان بدء مراسم تسليم وتسلم قيادة الوطن لشباب مؤهل على حمل الأمانة العظيمة، فإن القيادة السياسية أيضا تسعى لتسليم الوطن للأجيال القادمة على أرض صلبة وشبكة تحالفات وعلاقات قوية ومعقدة تعلى من شأن الوطن وتقف فيها هذه العلاقات على الندية والمصالح المشتركة، وليس على التبعية كما كان حاصلا قبل ذلك.
لا تفوتنا هنا الإشارة إلى أن اتساع حركة صانع القرار المصرى على المستوى الدولى وبالأخص شرقا تحمل فى طياتها رسالة ضمنية للولايات المتحدة بعد قرارها المفاجئ وغير المدروس منها بقطع المعونة الأمريكية عن مصر، بأن هناك دائما بدائل أمام القاهرة، وأنها لم تعد خاضعة لأوراق الضغط، كما أن الاتجاه شرقا يضمن لمصر تنوع مصادر السلاح.. وهو الدرس الذى استوعبته القيادة المصرية حفاظا على استقلالية القرار.
القاهرة الآن فرصتها ليس ضئيلة فى الانضمام لهذا التجمع السياحى والاقتصادى الفاعل، وإن كان الأمر سيتطلب منها الدخول فى مفاوضات مع دول المجموعة ومناقشة وبحث الالتزامات التى تفرض على الدول المنضمة للحلف وفى مقدمتها ضرورة تهيئة المناخ الاستثمارى فى البلاد وتطويره بما يتناسب مع سياسة بريكس، خصوصا أن مصر تتمتع بعلاقات غير مسبوقة مع الدول الثلاث الكبرى فيه الصين والهند وروسيا.
كما أن مصر التى أحرزت لقب ثانى أكبر اقتصاد فى أفريقيا مؤهلة وبقوة فى المنظور القريب أن تزيح جنوب أفريقيا عن قمة اقتصاديات القارة السمراء إذا استمرت بنفس المعدلات والإرادات السياسية والاقتصادية فى عملية الإصلاح الاقتصادى وعليه يمكن أن تستفيد مصر على كل المحاور من كونها عضواً مستقبليا فى بريكس مع تهافت دول أخرى للانضمام إليه مثل تركيا والأرجنتين وإندونيسيا ونيجيريا.