الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكاتبة المغربية «سمية البوغافرية»: الثورات العربية أسقطت الأنظمة القديمة وستراقب الجديدة




أكدت الروائية والقاصة المغربية سمية البوغافرية أن الثورات العربية أسقطت الأنظمة وستظل لها بالمرصاد طالما ظلت لا تتبنى إرادة الشعوب،  وأن أغلب بلداننا تتخبط فى فوضى عارمة، وما زالت أهداف الثورات  تتلمس طريقها إلى الوجود وتعيش مخاضا عويصا، وتفصلنا سنوات وربما عقود حتى نعلن ميلادها.

وقالت: المشكلة فى عالمنا العربى ليست فى الدساتير ولا فى القوانين بقدر ما هى فى القوة الحاجبة والمانعة والقامعة لهذه الحقوق والتى تحبس أنفاسك وتكسر رقبتك بكل أساليبها حتى تخنق صوتك المخالف لها..حول عالمها الأدبى وثوارت الربيع العربى كان لنا معها هذا الحوار.

■ فى روايتك «زليخة» انتصارللمرأة المقهورة والمنكسرة ... فهل الكتابة هى الملاذ الاخير للنساء المقهورات؟

- المرأة كانت مقهورة سابقا بسبب جبروت العادات والتقاليد والقوانين، أما اليوم فى مجتمعنا المغاربى خاصة فقد صارت المرأة تقهَر ولا تُقهر بفعل الحقوق المكفولة لها بقوة القوانين وبفعل هذا الانفتاح الكبير على العالم، ولا أستثنى منهن إلا من استساغت حياة الذل واستعذبت الحياة فى جبة جدتها، أما المجتمع فقد تدارك خطورة تهميشها وإقصائها من الحياة العامة فأضحى يدفعها لتنخرط فى عجلة التنمية ويكون لها دورها الفعال فيه علها تحرك عجلة التنمية إلى الأمام.

 والمرأة حينما تعجز عن تحرير نفسها من سطوة القهر والقيود المفروضة عليها تلجأ إلى الكتابة كملاذ أخير لتتخلص منها ولتعبر عن همومها بكل حرية.. أجل، كثير من النساء ينهجن هذا الأسلوب ويكتبن بأسماء مستعارة لتمويه محيطهن كأنهن يرتكبن إجراما ولا يمارسن عملا ساميا يستحقن عليه التشجيع، وشخصيا أعرف أقلاما جادة يفعلن وأثبتن وجودهن على الساحة الأدبية دون إثارة مكامن الخطورة المحدقة بهن، وهذا ذكاء تزن به المرأة المبدعة، المتزوجة خاصة، ميزان الأمور فتحقق ذاتها ورغبتها فى الوصول إلى هدفها دون أن تثير زوبعة المشاكل حولها. وفى نظرى رغم أنى لا أشجع على هذا الأسلوب وهذا التمويه لممارسة حقها، ولكن مع ذلك يبقى جميلا ومطلوبا أى أسلوب قادر على تخليص المرأة من القالب المفصل لها على مقاسها مسبقا وقبل أن تولد. وأى وسيلة تراها أنجع لممارسة حريتها والتعبير عن أفكارها وإسماع صوتها تظل مقبولة ومطلوبة حتى الفتك بآخر قيد يعيق انطلاقها..

 ■ هل الرواية تفجر الصمت وملامسة التابوهات بجرأة كافية؟

- رواية «زليخة» لا تفجر الصمت وإنما صرخة مدوية فى وجه العادات والتقاليد والقيود والجهل وغيرها من الآفات التى تسمم المجتمع وتعيق نموه وتقدمه، هو تمرد على كل أشكال القيود والعادات البائدة التى لا يرجى منها غير استنساخ نساء مهيضات أراهن عالة على أنفسهن ومجتمعاتهن ولا يشرفن زمانهن فى شيء.. 

■ هل الكتابة لديك محاكاة للواقع أم مقاربة محتملة؟

- كتاباتى عامة، رواية أو قصة أو مقالا، المتوجهة منها للكبار أو للأطفال، يأخذ أغلبها من الواقع وتصب كلها فى أهداف نبيلة من أجل الواقع، ويتجه قلمى دائما كعقرب البوصلة إلى نقطة مظلمة سوداء فى المجتمع فيكشف عنها الستار ويعرى عورتها للملأ، أحيانا أكتفى بلفت الانتباه إليها فقط. وأحيانا أخرى، أتعمق فيها وأضع يدى على مكمن السواد فيها وأتجرأ أحيانا أخرى على القبض على عمق هذا السواد وأفجره أضواء وأنوار.

وأنا أغمس قلمى فى هموم مجتمعى بدافع مسئوليتى إزاء هذا المجتمع الذى أنا فرد فيه وشاهد على فترة زمنية محدودة منه، يمسنى فى العمق ما يشينه، وأفخر فى العمق بما يرفعه عاليا فى سلم الرقى الحضاري، وأحيانا تؤرقنى سوداوية هذا الواقع فأحلق بعيدا عنه فى سموات الخيال الفسيحة كما فعلت فى روايتى «نهر الصبايا» التى ليست لها ساق تقف عليه على أرض الواقع.

■ بدأت بكتابة القصة القصيرة ثم تحولت الى كتابة الرواية .. ما سر هذا التحول؟

- ذهب البعض إلى حد اتهامى بأنى انغمست فى كتابة الرواية لما يعرفه هذا الجنس من الرواج والاهتمام فى زمن شاءوا أن يطلقوا عليه زمن الرواية، فى حين أن الذى لا يعرفه الكثير من قرائى أن قلمى خاض تجربة كتابة الرواية قبل التعمق فى الكتابة القصصية بسنوات، وكان الأحرى حسب المنطق الكرنولوجى المحدد لتواريخ كتاباتى أن أنشر الرواية أولا. 

■ السخرية حاضرة بقوة فى إبداعك .. ما منبعها ؟

 - هى سخرية سوداء فى غالبها، السخرية تضفى نكهة عذبة على العمل وتتحف القارئ وتنزل خفيفة على روحه. وأنا جد حريصة على أن تكون أعمالى ممتعة وخفيفة على روح القارئ.
والأجمل فى هذا أن قصة من مجموعتى الأولى «أجنحة صغيرة» تحت عنوان «رجل البيت والحارة» وهى قصة ساخرة بامتياز رغم ما تنطوى عليه من مرارة الوضع الاجتماعى الذى تعالجه، قد اختيرت من مجمل أعمالى وكتب فيها سيناريو فيلم جميل أتمنى أن يشق طريقه إلى الشاشة يوما.

هذا فضلا على أن المواقف الساخرة ترسخ فى ذهن القارئ ويذكرك بها كأنها النقطة المضيئة الوحيدة فى العمل الذى كتبته.

أما منبعها فكما يقال «من البلية ما يضحك». وما أشد ما يزخر به واقعنا من البلاوى التى تثير فينا الضحك حد البكاء.

■ هل الدستور الجديد فى المغرب يحترم حرية الابداع أم ان هناك وصاية على الابداع؟

- فى ديمقراطياتنا العربية بشكل عام، ديمقراطيات الواجهات، لا تكمن المشكلة فى دساتيرنا «دساتير الواجهة بامتياز» والتى غالبا ما تنص فى أول ما تنص عليه على حقوق المواطن العامة. فالمشكلة فى عالمنا العربى ليست فى الدساتير ولا فى القوانين بقدر ما هى فى القوة الحاجبة والمانعة والقامعة لهذه الحقوق والتى تحبس أنفاسك وتكسر رقبتك بكل أساليبها الدنيئة حتى تخنق صوتك المخالف لها أو الفاضح لعربدتها من أن تجهر به، فتمارس عليك سلطتها القمعية البشعة إما تهميشا وإقصاء أو اعتقالا ومصادرة لصوتك وعملك أو سلبا لحريتك أو تدخلك فى الحرب النفسية حتى تموت فى جحرك غبنا. هذا، إن لم تصادر حياتك، أظن أن هذه هى السياسة العامة المعروفة فى أنظمتنا العربية إزاء الصوت الجاحد «بنعم السلطة الحاكمة الرشيدة» والرأى المخالف المستحث لنقمتها عليك فى بلدك « الديمقراطي» وتحت مظلة دستورها «الديمقراطي».. وتبقى درجة القمع الممارس على المواطن العربى تتفاوت من بلد لآخر.. ويظل الإبداع عصا على الخنق.. لأنه من رحم الحرية ولد، ومن صبغياتها تشكل.. يأتى من يشاء ووقت ما يشاء ويأسر ولا يؤسر.. ويظل واهما وجاهلا لماهيته من يدعى أنه قادر على القبض عليه أو أسره أو فرض وصايته عليه.

■ كيف تتأملين ثورات الربيع العربى، وكيف تعاطيت معها ابداعيا ؟

-  «الثورات» العربية أسقطت الأنظمة وستظل لها بالمرصاد ما ظلت لا تتبنى إرادات الشعوب. هذه هى الخلاصة التى خرجت منها، أما أنها بلغت شيئا من تحقيق أهدافها التى اندلعت من أجلها فهذا ما لم نقطف ثماره بعد رغم أنهار الدماء التى سيلت ولا تزال تسيل فى سبيل تحقيقها، ما زالت أغلب بلداننا تتخبط فى فوضى عارمة، وما زالت هذه الأهداف (الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، الحرية..) تتلمس طريقها إلى الوجود وتعيش مخاضا عويصا وتفصلنا سنوات وربما عقود حتى نعلن ميلادها، لكننى مع ذلك، أظل متفائلة وأنتظر بكل تفاؤل أن ينبثق الفجر وتشرق الشمس من غمار هذه الفوضى، وهذه الغيوم السوداء التى تحجب وجه الغد. قد يطول الأمد لكن يهون فى نظري. انتظار الضوء والدواء أفضل من الانطواء فى الظلام على الداء.