السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قرار تحرير العملة الذى حرر القرار الوطنى

قرار تحرير العملة الذى حرر القرار الوطنى
قرار تحرير العملة الذى حرر القرار الوطنى




السيسى يوثق التجربة المصرية أمام قمة بريكس

أحمد باشا يكتب من شيامن

فى أوائل ثمانينيات القرن الماضى كان أن ارتفع الدولار بنسبة 45٪ أمام سلة العملات المنافسة، مما سبب ركوداً وتراجعاً فى صادرات المنتجات الأمريكية التى تدفقت عليها الواردات من كل حدب وصوب مما دفع الكونجرس حينها لاتخاذ إجراءات حمائية قد تشعل حربًا تجارية عالمية وقتها، مما أجبر رؤساء البنوك المركزية الكبرى فى أوروبا واليابان على أن يجتمعوا مع نظيرهم الأمريكى لاتخاذ سياسات وتدابير وتدخلات فى سوق العملة لخفض قيمة الدولار فيما عرف وقتها باتفاقية «بلازا» الذى حقق المراد للمسئولين الأمريكيين.
فى السياق ذاته حيث أكتب هنا من الصين التى تتهمها الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية فى التلاعب بعملتها وأنها أقرت لمصر صرف «اليوان» الصينى بأقل من قيمته العادلة بنسبة قد تصل إلى 15٪ وهى السياسة التى تنتهجها بين الحين والآخر دول أخرى فى بريكس بتخفيض عملتها متعمدة مثل الهند والبرازيل وأخرى مثل تركيا والأرجنتين.
ما تقدم يقضى على الاسطورة الكذوبة مجهولة المصدر حول أن قوة العملة الوطنية مسألة تدعو للتفاخر والتباهى وأنها دليل على قوة الاقتصاد، وهى الفكرة التى لاقت رواجًا غير مفهوم لدى المتخصصين والعامة فى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى حتى أصبحت للأسف حقيقة دامغة فى أدمغة الكثيرين، وليس لها أصل فى أى من أدبيات الاقتصاد ونظرياته!
السؤال هنا لماذا هذا؟
الإجابة جاءت فى التقرير الدولى لأصعب أهم قرار اتخذته القيادة السياسية والمصرفية فى البلاد يوم 3 نوفمبر الماضى، حيث كان يمثل قرار تحرير سعر الصرف للجنيه المصرى عبوراً اقتصاديًا جديدًا لا يقل عن عبور مانع بارليف الحصين، إن لم يكن أصعب منه لإقناع الملايين الغفيرة بصحة هذا القرار خصوصا أن الحكومات المصرية السابقة كانت ولأسباب بعضها قد يكون مفهومًا وبعضها غير مفهوم كانت تدعم العملة، حتى أن البنك المركزى فى السابق كان أن اتخذ سياسات داعمة للعملة المصرية بغير قيمتها الحقيقية مما كان له كبير الأثر فى تراجع تنافسية الاقتصاد الوطنى وحدوث اختلال واضح فى عجز الميزان التجارى.
أما وأن الوضع الاقتصادى الحرج الذى فرضته فوضى يناير 2011 جعل القيادة السياسية أكثر واقعية والنظر لحقيقة الأمور فى مرآة الاقتصاد الوطنى واتخاذ القرار الأصوب بتحرير سعر الصرف حتى أن الجنيه فقد أكثر من 50٪ من قيمته الحقيقية ووصل إلى سعره العادل، مما كان له عظيم الأثر فى زيادة الاحتياطى النقدى إلى رقم قياسى يلامس 36 مليار دولار وارتفاع قيمة الصادرات المصرية إلى 5.5 مليار جنيه وانخفاض الواردات وزيادة الاعتماد على المنتجات المصرية، مما منح الصناعة والاقتصاد المصرى فرصة تنافسية مدهشة لم تعرفها البلاد من قبل، وكانت هى شهادة اعتماد نجاح الاقتصاد المصرى الذى تنظر له المؤسسات الدولية نظرة أكثر من متفائلة، وكانت نتائج كل هذا أن تكون التجربة الاقتصادية المصرية على  جرأتها وواقعيتها مثار اهتمام وتقدير مجموعة بريكس وربما كانت لغة الأرقام الأصدق والأقرب فى كلمات الرئيس السيسى أمام فعاليات قمة شيامن 2017 وكانت هذه القصة من النجاح المشترك «حكومة وشعبًا» محل تقدير لمسناه فى زيارات الرئيس الأخيرة، سواء من قادة قمة «فيش جراد» أو فى ألمانيا وأخيرا هنا وسط مجموعة بريكس.
كان لافتا فى كلمة الرئيس خلال جلسة الحوار مع الاسواق البازغة والأسواق النامية، التى ضمت قادة دول 4+5 أن يؤكد على حق الدول النامية فى العمل وفق رؤيتها وأولوياتها الوطنية وظروفها الخاصة دون أن يكون فى ذلك سبب أو مصدر لانتقادها خلال المراجعات الدولية، وهى الاستراتيجية المصرية التى لا تحيد عنها فى الوصول إلى مراكز اقتصادية متقدمة مع تحرير القرار الوطنى بل على العكس لا يرى أن هناك تعارضا بين الهدفين بل تكاملً وتواصل فيما بينها.
القاهرة شبت عن الطوق واتخذت من المبادرات الاقتصادية الوثابة طريقا لها، وتمتلك فى هذا الاتجاه رؤية شاملة لمستقبل البلاد والعباد واضعة فى تقديرها تفهم الرأى العام وتحمله لفاتورة الإصلاح وخصوصا فى نسبة التضخم المنفلتة والتى تحتاج مجهودًا أكبر من الحكومة لكبح جماحها وأظن على نهايات العام القادم ستكون فى نسبها المعقولة.
ما تقدم يكشف باختصار أن مصر تتلمس سبل العلم وتجارب الدول الناجحة غير عابئة بأفكار مغلوطة أو أكاذيب مقصودة، وصولاً لتحقيق تقدم حقيقى فى حياة الفرد، وأن تتبوأ مصر مكانتها التى تستحقها اقتصاديًا وسياسيًا.