الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

واحة الإبداع.. أرض الله واسعة

واحة الإبداع.. أرض الله واسعة
واحة الإبداع.. أرض الله واسعة




اللوحات للفنان أحمد عيد

يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    

[email protected]


 

قصة قصيرة

أرض الله واسعة

كتبتها - آية رفعت

جلس صديقى بجانبى يحدثنى وعيناه ممتلئة بالحزن والقهر، كنا نتذكر أيامنا مع صديقنا الثالث والذى رحل عن عالمنا منذ أيام قليلة، كان يقول لى: «أتذكر عندما كان خالد يقول أنه لن يموت، أنه كان مفعمًا بالحياة والتفاؤل يملأ صوته، بل انه كان يقول أن أمه أسمته «خالد»، اسم نهر النيل الخالد مما يعنى أن الماء يجرى بشريانه وأنه سيعيش أطول وقت ممكن»، همهمت قائلا: «نعم، كان يريد أن يعيش طويلا»، سكتنا قليلا ثم التفت لى يسألنى عما يدور بداخل صدرى من هم، فلماذا لا أترك عالمى وأبدأ من جديد، مؤكدا أن أرض الله واسعة ومن يطلب الرزق يرزقه الله منه.
تركت كوب الشاى الذى كنت ممسكا به منذ فترة طويلة سارحا فى أرض الحارة التى أسكن بها والتى تملؤها برك المياه التى يرشها الباعة وصاحب القهوة لتقوم بترطيب الجو. ثم التفت إليه أحدثه عن تحليل جملته «أرض الله واسعة»، نعم فالله خلق لنا وجودا كبيرا يفوق تخيلنا وأرضًا تمتد لأميال واختلافات بين جنس البشر فى الألوان والأشكال واللهجات. ولكن للحظة ماذا لو كان الأمر أضيق مما نتصور.
فلنحاول النظر للأمور بتفاؤل معا، إن أرض الله بالفعل واسعة فإن كان ضاق بك العيش فى بلد ما يمكنك الانتقال لبلد أخر، ولكن مهلا أنت لا تملك النقود التى ستسافر بها ولا تملك الفيزا ولا ثمن استخراجها، ولو كنت تريد السفر لدولة أجنبية فيجب أن يدعوك أحد من هناك أو أن تقف فى طابور طويل وتقبل بالرفض أغلب الأحيان، بالإضافة إلى عدم وجود كفيل لك أو شركة ترسل لك لطلبك فى أى بلد عربي. فلكى تخرج من حدود أرض دولتك يتطلب منك الكثير من العناء ولن تصل إلى هدفك.
لا ننكر أن أرض الله واسعة ولكن الأمر أضيق مما نتصور فعندما ترغب فى الانتقال من محافظة إلى محافظة أخرى تجد صعوبة فى الانتقال من جهة عملك. فأنت لا تملك غيره وبما أنك تتطلع للأفضل فبالتالى إن المحافظة التى ستسافر إليها لن تتوافر لديك فرصة عمل بسهولة ولن تجد النقود اللازمة للمسكن. وحتى إن كنت فقط تريد تغيير مكانك والعمل بفرع آخر من عملك لن يقوموا بنقلك إلا إذا كنت صديقا لهم أو استخدامك فى تحقيق مصالح خاصة.
بل الأمر أضيق من حدود المحافظة أو المدينة، لو رغبت فى الارتقاء والانتقال من سكن إلى آخر أكبر بالمساحة ستواجه مشكلة عصيبة فى أسعار العقارات وأجورها التى تتضاعف بالعشرات فى كل عام. فلن تستطيع أن توفر لأسرتك أى مكان خارج البيت الذى تسكن به لأنك وجدته بالصدفة أو بالوراثة.
 وأقول لك شيئا آخر الضيق يصل لعدم مقدرتك الانتقال من غرفة مشتركة مع إخوتك لغرفة بمفردك تحاول أن تنعم فيها بالقليل من النوم والهدوء لأن المنزل لا يتوجد به سوى غرفتين فقط. حتى الفراش تتقاسمه مع أخيك. فأرض الله واسعة ولكن البشر والظروف هم من يجعلان ضيقها أصغر من مد البصر فلا تستطيع التنفس أو النظر إلا على بعد آخر الشارع الذى تسكنه والذى غالبا ما يكون مجرد حائط سد.. فلا مفر.
قال لى صديقى: «كفاك يا أخى ما كل هذا التشاؤم.. أراهن أن خالد تحدث معك قبل سفره مما جعله يلقى بنفسه على التهلكة ويسافر عن طريق قوارب البحر الصغيرة هروبا من دنياك السوداء. ماذا دهاك؟ كيف تترك صديقك يسافر هكذا؟ لماذا لم تتحدث إليه لتمنعه من الذهاب؟»
قاطعته مؤكدا انى حاولت إقناعه بالبقاء. فقد كان «خالد» متفائلا ويحب الحياة ويريد ان يعيشها بطريقته. كما انه قام بكل ترتيبات السفر دون العودة إلىَّ. نعم تحدثت معه ولم يفد النقاش بيننا وكان آخر ما قاله قبل السفر: «لا تقلق يا صديقى إن أرض الله واسعة».