الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كُلنـا على همام ريا

كُلنـا على همام ريا
كُلنـا على همام ريا




نص التحقيقات مع المتهمين والمشتبه فيهم والشهود فى قضية التشكيل العصابى المنسوب للشقيقتين ريا وسكينة والذى نشره الكاتب الصحفى صلاح عيسى فى كتابة «رجال ريا وسكينة» لايحدد من هو صاحب فكرة القتل من أجل المصاغ، لكن كل الشواهد تشير إلى ريا.
فطرة ريا كانت من الذكاء الذى يجعلها محور التشكيل الإجرامى والمحرك الرئيسى للأحداث، رغم أن الأحداث كانت تجرى فى زمن يحكمه الفتوات، ولم يوجد هذا الفتوة الذى يسمح بتشكيل عصابى تقوده سيدات، فهذا ضد أصول الفتونة.

ذكاء ريا الحاد وما أنتجه من خيال إجرامى مذهل أصقلته قصة حب جارفة مريضة تشبه السبى  لزوجها حسب الله سعيد مرعى، فهى قبل أن تلتقيه كانت مجرد سيدة ترفض السقوط مثل أختها سكينة التى احترفت البغاء وأصبحت عاهرة برخصة غير محتقرة أو منبوذة اجتماعياً، ذلك أن حالة الفقر والانحطاط العام التى تعيشها البلاد كانت تثير التعاطف مع البغايا، لكنها فضلت الجلوس فى الشارع على نصبة تبيع الطعمية والباذنجان المقلى.
ريا التقته لأول مرة فى عزاء زوجها شقيق حسب الله والتى أنجبت منه ولدا لايزال فى شهوره الأولى، فكانت فكرة الزواج منه من أجل تربية الطفل فى حضن عمه كما هى العادة فى الصعيد، وحسب الله صعيدى وهى كذلك وإن زادت عليه أنها كانت سليلة شيخ العرب همام المتمرد الذى حاول الانفصال بالصعيد عن سلطة على بك الكبير، كبير دولة المماليك.
لحظة أن رأته وقعت فى غرامه ولم تكن حكاية تربية ابنها اليتيم مهمة لأى منهما بأكثر من توفير مبرر يعجل بالارتباط فالطفل مات قبل أن يتم عامه الأول بينما واصل حسب الله الزواج بها وكان يصغرها بحوالى 15سنة.
عندما تم سرقة محلج قطن حكى لها تفاصيل العملية وتركها تعترف على نفسها وتسدد عنه فاتورة الحبس ستة أشهر، كما حاول أن يلبسها تهمة إدارة بيت الخواص لأعمال البغاء السرى دون علمه بعد مداهمة قوات الأمن للبيت وإغلاقه.
حسب الله كان من هذا النوع الذى يعيش على عرق زوجته فى السر وليس لديه أى موانع أو تحفظات على مصادر الدخل، وامام الناس له صورة صعيدى حمش دمه حر لا يقبل بأى عوج ، يتخفى خلف ادعاء ساذج بأنه لا يعلم شيئا عما يجرى فى بيته ولا يريد أن يعرف، حبها له وفزعها من أن يتركها حملها مسئولية البحث عن أفكار وحلول - لايهم قانونيتها أو إنسانيتها - تدر دخلا سريعا يسد متطلباته وشهواته ويضمن بقاءه، من عوائد 17 جريمة لم تأخذ أى شىء، كان يأخذ نصيبه ونصيبها.
تقريبا من شخصيته استلهمت فكرة البغاء السرى ووثقت فى نجاح الفكرة رغم أن البغاء كان مقننا ومعلنا، ذلك أن البغاء السرى يناسب مزاج الرجل المصرى لأنه يمنحه كامل الفرصة لأن يعيش بـ«وشين»، سيوفر له «الوش التانى» الضايع فى عالم البغاء المقنن، ان يسرق متعته سرا وفى العلن يمكنه أن يقدم نفسه على أنه متدين، فاضل، من البيت للشغل للجامع.
كما أن انشاء بيت بغاء سرى على أطراف احياء البغاء الرسمى يخفف من حدة القبضة الأمنية ويستقطب البغايا اللاتى حرمهن الكشف الطبى الدورى الذى يجرى عليهن كل ثلاثة شهور من الممارسة نتيجة إصابتهن بأمراض تتعلق بالمهنة، ثم إن البغاء السرى سيعفى البيت من تكاليف واشتراطات البغاء المقنن.
فى كل مرة كان يغلق لها بيت سرى كانت تبحث عن شىء يوفر غطاء وستارًا لطالبى المتعة أمام الناس والقانون، فهى صاحبة فكرة انشاء «محششة» فى أحد البيوت ذلك أن التعاطى كان مقننا وغير مستهجن اجتماعيا، وعلى هامش المحششة كانت تستقطب البغايا لمن يريد من الرواد، وكلهم كانوا يريدون.
ريا هى من أقنعت أعضاء التشكيل العصابى أن عدم الاعتراف يمنحهم فرصة الإفلات من الجرائم، أو على الأقل يخفف العقوبة فى حالة الإدانة إلى حدها الأدنى، وبالتالى فإنه على كل واحد من أعضاء التشكيل أن يأخذ وكيل النيابة فى متاهات جانبية تدفع عنهم بالمسئولية وتورط أكبر عدد من الأسماء التى يعرفونها، قدرتها على مراوغة المحققين، ونسج الأكاذيب من خلال استغلال بعض الحقائق، وتهديد الحرائر بتلويث سمعتهن واتهامهن بأنهن كن من رواد البيت حتى لايشهدن بأى شىء يدينها كادت أن تنقذ التشكيل العصابى من الإدانة فعلا.
همها الأول كان إشاعة الجرائم من أجل انقاذ التشكيل وفى حالة الفشل يمكنها التضحية بالتشكيل من أجل انقاذ «ال همام» واذا تعذر الأمر فليس أمامها إلا التضحية بـ«ال همام» مقابل انقاذ حسب الله، كانت تستغل قدرتها فى تشتيت فريق التحقيق حتى تبعد حسب الله عن دائرة الاشتباه بينما كان هو يلف حبل المشنقة حول رقبتها وهى لا تلقى بالا لذلك، مع إنها كانت تراه «راجل زى عدمه، ماحدش خلاها تمشى فى الهم ده الا هو».
ابنتها بديعة قالت للمحقق المأخوذ بهوس ريا بحسب الله إلى هذا الحد بان:
«أمى عايزه تطلع أبويا بأى شكل حتى لو ماتت هى» ريا كانت تحتقر العاهرات، تعرف كل شىء عنهن، هى التى حولتهن إلى بغايا بقدرتها الفذة على التسلل الى نقطة ضعفهن وقد استباحت قتلهن لسرقة الذهب باعتبارهن كن بائسات ضائعات ثم ارتدين الذهب بسبب فكرتها وعملهن فى بيتها، وأقنعت نفسها والتشكيل العصابى بأنهن كن يسرقن من حصتها فى الإدارة، وعليه فإن كل ما لهن هو فى الأساس ملك لها، ثم إنهن بلا أهل ولن يفتقدهن أو يسأل عنهن أحد، قالت ذلك صراحة وهى تورط  شقيقتها سكينة فى الانضمام للتشكيل قبل دقائق من افتتاح  سلسلة الجرائم بـ«خضرة محمد اللامى»، ريا وحدها هى من أغوت الضحايا وسحبتهن إلى المدبح.
فكرة القتل من أجل المصاغ تجلت ولمعت  فى لحظة احتياج وجوع غير محتملة بالنسبة لريا ، لأنها اللحظات التى كان من الممكن فيها أن يهجرها حسب الله، وهى لاتستطيع تخيل ذلك، إلى هذه الدرجة المريضة كانت تحبه، رغم أنه كان يخونها مع البغايا اللاتى يعملن لديها ويضربها بوحشية، ضربه لها أجهضها أربع مرات وضيع حلمها بخلفة الولد الذى سيربطها به حتى آخر العمر.  
ريا التى اقتربت من وضع المحققين فى تيه من قصص وحكايات لاعلاقة لها بموضوع التحقيق والنجاة بفريقها ليس فقط من حبل المشنقة وإنما من أى إدانة، هى التى هدت المعبد وقادت الفريق الى المشنقة، فقد انهارت واعترفت بكل شىء عندما اخبرها المحقق – عرضا- أن حسب طلقها سرا قبل 7 شهور، استعبدها وابتزها 7شهور وهى تظن أنها زوجته وحبيبته، فيما يبدو أنه كان يؤكد صورته فى العلن، وأنه فقط يتردد على بيت ريا ليطمئن على ابنتهما بديعة التى ستؤكد اعترافات أمها، وتموت شهيدة حريق التهم ملجأ المرسى أبوالعباس حيث كانت، وكان عمرها 12 سنة.