الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أسرار فى حياة سمعان الغيور

أسرار فى حياة سمعان الغيور
أسرار فى حياة سمعان الغيور




مينا بطرس محارب

تعتبر دراسة الخلفية الحضارية واللغوية للكتاب المقدس مفيدة جدًا، لدراسة أكثر توسعا وأكثر ثراء للنص الكتابى الذى هو محل البحث والقراءة، فالمعروف أن المفاهيم الدينية قد تتغير وتستبدل نتيجة كلمة أو لفظ، بل حتى كثير من الوعاظ المعروف عنهم المنهج التأملى فى عظاتهم يعتمدون بالتأكيد على التأمل فى الألفاظ اللغوية، وبعضهم بالطبع ـ مع كثرة التأمل ـ يبعد كل البعد عن مفهوم النص الأصلى، عكس ما كان يقصده كاتب النص، وعكس المفهوم السائد للفظ فى ذلك الزمان عن المفهوم السائد لنا الآن، لذلك فمحاولة فهم الخلفيات الثقافية والحضارية للنص تستطيع أن تمدنا برؤية أكثر وضوحا للأحداث الكتابية وفهم أكثر عمقا وثراء لما وراء الكلمات والألفاظ من مدلولات تعطينا فهماً أوضح.
من الأمور اللافتة عند دراسة النصوص الكتابية أن كلمة من الممكن أن يكون لها خلفيات حضارية وسياسية مثل لقب أحد الأثنى عشر أتباع السيد المسيح وهو «سمعان القانوى» الذى يترجم «سمعان الغيور».
من هو سمعان الغيور؟!
لقد كان اليهود ينتظرون «مسيا» سياسى هو المخلص المنتظر المرسل من السماء الذى سوف يوحد أسباط إسرائيل الاثنى عشر وينشر المحبة والسلام وهو الشخص الذى تكلمت عنه الأدبيات الدينية اليهودية.
فالمشهد منذ نحو 2000 عام عن شعب مشتاق إلى بطل منتظر تتوحد تحت يده الأسباط كحكم ملكهم المفضل «داود» لذلك كانوا ينتظرون ذلك الممسوح من قبل الله (مسيا) حتى يجعلهم أحراراً من نير عبودية الرومان فى ذلك الوقت، وبالتالى يتوج الملك المحرر لليهود ملكا أرضيا يهتف له الشعب مباركاً مملكة ابينا داود.
هذا الاستعمار الرومانى لليهود شهد ضده احتجاجات شعبية وثورات ومحاولات اغتيال قامت بها جماعات مسلحة ضد الجيش الرومانى، من ضمن هؤلاء الجماعات «جماعة الغيوريون» الحزب المعارض ضد الحكم الرومانى، وكانوا جماعة مسلحة ترى أنه لا خلاص من بطش الرومان وظلمهم إلا عن طريق استخدام العنف والاغتيالات.
تشكل «حزب الغيوريون» قبل ميلاد السيد المسيح، وكانوا لا يعترفون سوى «بيهوه» حاكم عليهم، وكانوا على قناعة أنّ اليهود لن يتحرروا بيد الله فقط؛ بل عن طريق المقاومة المسلحة كما ذكرنا، ومن أشهر رجال هذا الحزب شخص يدعى يهوذا الجمالى (الذى عرف باسم يهوذا الجليلى) و«صادوق الفريسى» اللذين قادا ثورات مسلحة ضد الرومان أثناء الإحصاء وكان الغيوريون يجندون أنصارهم من الفقراء والمعدومين والفارين من وجه العدالة.
من ضمن النصوص التى تعطى شرحاً أكثر للحياة المسيحية فى القرون الأولى هى الأناجيل الابوكريفا التى لم تعترف بها الكنيسة ضمن النصوص المقدسة لها، ولكن بعضا من قصصها تسربت كمرجع دراسى لبعض الأحداث، لذلك فهمى تمدنا أيضا بكثير من الرؤى عن المسيحية فى القرون الأولى، ولأننا نتكلم عن سمعان القانوى كمثال أيضا لكتابات الابوكريفا كمرجع دراسى عن نصوص المسيحية الأولي، فقد جاء فى أنجيل الأبيونيون وأنجيل الأثنى عشر وقد ذكره أوريجانوس أن سمعان القانوى تلقى الدعوة الرسولية وهو بجانب بطرس وأندروس وابنى زبدى، ويهوذا الاسخريوطى عند بحيرة طبرية.
لقد أخذنا شخصية سمعان القانوى كمثال، نستطيع أن ندرس الكثير من النصوص عن طريق دراسة وفهم ما وراء هذه الألفاظ من مدلولات وخلفيات حضارية وثقافية والرجوع إلى كتابات المسيحية الأولى كمرجع مهم، مثل الابوكريفيا الخاصة بالعهد الجديد، لفهم المسيحية المبكرة من تيارات فكرية كانت سائدة.