الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الباحث بيشوى فخرى يجيب عن السؤال الجدلى: هل كيرلس برىء من دم فيلسوفة الإسكندرية؟

الباحث بيشوى فخرى يجيب عن السؤال الجدلى: هل كيرلس برىء من دم فيلسوفة الإسكندرية؟
الباحث بيشوى فخرى يجيب عن السؤال الجدلى: هل كيرلس برىء من دم فيلسوفة الإسكندرية؟




كتب - روبير الفارس

فى التاريخ وقراءته لا توجد حقائق ثابتة أو مؤكدة، فهناك اوجه متعددة، ومنذ أن صدرت رواية «عزازيل» ليوسف زيدان، وتهمة قتل الفيلسوفة هيابيتا تطارد البابا كيرلس عامود الدين، الأمر الذى جعل عددًا من الباحثين الاقباط ينشطون لكتابات أبحاث مع الرواية أو ضدها، وآخر من قدم بحث فى هذا المجال؛ هو الدارس بمعهد الدراسات القبطية الباحث بيشوى فخرى، الذى قدم بحثا شيقا وممتعا حاول فيه تبرئة كيرلس من دم هيابيتا.

إن هذا البحث أشرف عليه الأب مكاريوس وهيب، استاذ تاريخ الكنيسة باكليريكية إسكندرية، ومما جاء فيه من شهادات، يذكر بيشوى عن هيابيتا، هى فيلسوفة إسكندرية عالمة فى الفلك والرياضيات والفلسفة تبنت مدرسة أفلاطون وأرسطو وأفلوطين الحديثة، جاءها من كل مكان من يبحثون عن المعرفة والفلسفة، أشتغلت أيضا بالسحر ولعبت دورا سياسيا ماكرا، كان عمرها يربو على الخامسة والستين حين وقعت أحداث قتلها، وبذلك ليست فى سن الشباب كما وصفها البعض لتشويق القارئ واجتذاب مشاعره لإبراز قسوة المسيحيين، وبالطبع البابا كيرلس عمود الدين.
يوضح الاسقف يوحنا نيكيونى من القرن السابع أن فلسفتها كانت تدعو ليس للوثنية فقط بل للسحر أيضا، وخدعت الكثير من الناس للسحر، وتؤكد الموسوعة الكاثوليكية أنه ما نقل عن المؤرخين يوضح أن هيابيتا هى التى كانت تمنع المصالحة بين البابا وبين الحاكم، رغم محاولات البابا كيرلس الكثيرة، وأن الذى قتلها بيتر، والبابا لا علاقة لة بهذا، وفقط داماسكيوس هو الذى اتهمه باطلا.
 ضحية للصراع السياسى
ويقول بيشوي: كيف نشأت فكرة مسئولية البابا كيرلس عن هذه الجريمة؟
أول من أنحى باللائمة على البابا كيرلس هو داماسكيوس، فيلسوف الأفلاطونية المحدثة، وآخر رئيس للأكاديمية قبل إغلاقها فى عهد جوستنيان عام 527 ميلادية، فى كتابه «حياة إيسيدور». لكن لا يمكننا أن نستند على شهادة وحيدة لفيسلوف وثنى عاش 130 عامًا بعد الحدث. وقد كتب هذا فى عهد يوليانوس الإمبراطور؛ الذى أراد إحياء الديانة الوثنية، فكتب ذلك لأجل تشويه الكنيسة ويظهر ذلك جليًا فى أسلوبه العدائى للمسيحية والبابا كيرلس.
وعن داماسكيوس نقلت الموسوعة البيزنطية فى القرن العاشر الميلادى قصة مقتلها، وعنها أخذ تولاند وجيبون. وعلينا أن نلاحظ طريقة استخدام الاثنين للمأساة، «فجيبون» استخدمها فى نقدة للمسيحية و«تولاند» فى نقده للكنيسة الكاثوليكية. لذلك لا يمكن حسبان هيابيتا كشهيدة لأسباب دينية، بل بالحرى يجب أن يُحسب موتها نتيجة مأساوية لعنف الرعاع نتيجةً للصراع السياسى بالإسكندرية.
 بدء الأحداث
الأحداث التى كانت فى مدينة الاسكندرية؛ وخلاف أورستيس مع البابا كيرلس؛ وافعال أورستيس مع المسيحيين؛ هى التى قادة الى مقتل هيباتيا. هذه القصة تحورت كثيرا واستخدمها كثيرون من أعداء المسيحية وأعداء كنيسة الإسكندرية كحجة للهجوم على البابا كيرلس الكبير لكن أهم مصدرين هما كتابات سقراط المؤرخ الكنسى الذى كتب هذا بعد وفاتها بفترة صغيرة وبعده الأسقف يوحنا الذى كتب سنة 650 ميلادية، أى أيضا بعدها بفترة صغيرة.
فى الخلاف الذى كان دائراً بين البابا والحاكم الرومانى والحفل الذى كان يقيمه للرقص اليهودى لاستفزاز المسيحيين بتأييد من هيابيتا، نشر فيها أوريستيس لوائح جديدة فى مسرح المدينة وهى بالفعل كانت تدعو للفتنة ومحاولة لقمع الأساقفة المسيحيين بشكل مستفز، وفيه أصلا تعدٍ على اختصاصات الكنيسة، فاعترض كاتب مسيحى اسمه هيراكس وهو إنسان مشهور بالورع فأمر الحاكم الرومانى أن يقبض عليه ويعذب علنا فى المسرح، فاعترض البابا على هذا ووضح الخطورة القصوى من هذا انها ستشعل الإسكندرية غضبا وفتنة، وهذا شجع اليهود أن يهيجوا على المسيحيين أكثر وحاولوا طرد كثير من المسيحيين وقتل الكثيرين من المسيحيين فى نفس الليلة، وأحرقوا عدة كنائس فخرج مسيحيون فى الصباح إلى المعابد اليهودية للقبض على هؤلاء القتلة اليهود، وطلب البابا من الحاكم أن يعاقبهم أو على الاقل يطردهم من المدينة، فهاج اليهود أكثر بعد طرد بعضهم بالفعل واهاجوا أوريستيس أكثر ضد المسيحيين.
فلما لاحظ البابا هذا حاول أن يقدم عدة مبادرات للسلام مع الحاكم ولكن رفضها كلها الحاكم واستمر فى استفزاز المسيحيين، وفى هذا الوقت كان الحاكم يستعين بهيابيتاليكسب ولاء اكثر من بقية الشعب الذين يتبعوها، وهو اصبح جمعاً كبيراً، وبالفعل كانت هناك صداقة قوية بينهما (هيابيتا وارويستيس) وهى التى كانت تشير عليه بكثير من هذه التصرفات لهذا فالمسيحيون فى ثورتهم ضد هذا الظلم، وقتل الراهب أمونيوس بعد تعذيب شديد، الذى اتهم بأنه رمى حجر على الوالى، وجدوا هيابيتافى طريق عودتها إلى منزلها وكانوا يعرفون أن كثيراً من أفعال الحاكم كان بإيعاز منها فوسط الثورة العارمة قام شخص مسيحى غالبا كان قاضياً اسمه بيتر بخطفها وقيدها بالحبال وجرها ومعه آخرون حتى ماتت ثم حرقوا جسدها. ولكن للأسف بسبب هذا الحادث حدث استنكار شعبى كبير ضد المسيحيين ولكن البابا كيرلس لم يكن له علاقة بالموضوع بل هو الذى كان يسعى لتهدئة الأوضاع ولا علاقة له بما حدث وهذا أبعد ما يكون عن روح المسيحية.
 مكيدة جيبون
وقد انتشر بعد موتها خطاب مزيف نشره المؤرخ الوثنى داماسيوس (458 – 538 ميلادية)، والذى كان يكره القديس كيرلس بسبب موقفه من الوثنية، والذى كان «متلهفا لإثارة فضيحة موت هيابيتا، والصق فيه تهمة قتلها بالقديس كيرلس! وكان هو المؤرخ القديم الوحيد الذى زج باسم القديس كيرلس فى الموضوع.
ويبدو أن من جاء بعده مثل جيبون، وأعداء المسيحية من الملحدين؛ مثل فولتير الذى (كما يقول د. مراد وهبة): «إنه استعان بصورة «هيابيتا» للتعبير عن اشمئزازه من الكنيسة ومن الدين الموحى (يقصد: الموحى به!) وبرتراند رسل الذى» وصف جيبون لقتل «هيباتيا» وقال معلقا بامتعاض إن «الإسكندرية، بعد هذا الحادث، خلت من متاعب الفلاسفة».
وقال جيبون: «انتشرت شائعة بين المسيحيين أن ابنة ثيون كانت العقبة الوحيدة بين الحاكم ورئيس الأساقفة؛ وأن هذا العائق أزيل سريعًا. ففى اليوم المحتوم وفى الموسم المقدس للصوم الكبير حُملت هيابيتا من مركبتها وجردت من ملابسها وجروها إلى الكنيسة وذبحت بطريقة غير إنسانية بأيدى بطرس القارئ وحشود متوحشة متعصبة بلا رحمة وكشط جسدها من عظامها بأصداف المحار وسلمت أوصالها المرتعشة للهب».
ويقول كريستوفر هاس فى كتابة «إسكندرية فى القدم المتأخر» أن الكُتاب الذين كتبوا عن مقتل الفيلسوفة الوثنية هيابيتا كتبوا تبعا لثقافتهم ونظرتهم الحضارية، فقد كتب جيبون رأس العقلانية الغربية وضد المسيحية أن تعصب كيرلس وجماعته الإسكندرية تطلب «التضحية بعذراء اعترفت بالديانة الإغريقية وزرعت الصداقة مع أُوريستُس»، فى حين أن تشارلز كنجزلى تكلم عنها كمناظرة أكثر منها للمصادر القديمة، فى حين أن المدافعين عن كيرلس وضعوا اللوم فى قتلها بعيدا عن البطريرك إلى العناصر التى لم يكن هناك سيطرة عليها فى الإسكندرية، ولكن أكثر المؤرخين المدققين اختاروا أن يتبعوا تفسير سوقريتس الفلسفى اللاهوتى لذا وصفوا هيابيتا «كضحية للغيرة السياسية التى كانت سائدة فى ذلك الوقت». ففى نظر سوقريتس كان مقتل هيابيتايعتبر ضرورى لأنها كانت تقف كحجر عثرة فى طريق الصلح بينكيرلس وأُورستُس. بل ويؤكد كريستوفر هس على أن سوقريتس لم يكن منزها أبدا من التحيز فى تقديمة للحقائق عن كيرلس بسبب حقدة على كيرلس لاضطهادة للنسطوريين.
 افتراء غير مؤيد
أما العالم الإنجليزى والمؤرخ والروائى وأستاذ الجامعة تشارلز كنجزلى (1875 - 1918 ميلاديا)، والذى وصف مقتل هيابيتابأسلوب روائى فقد نفى تماما أى تهمة عن القديس كيرلس بل إنه يؤكد تحذير القديس كيرلس للعامة من الفوضى والمساس بهيباتيا: «إنهم (العامة) يبغضونها، وينسبون إليها جرائم رهيبة. ولقد كانوا يدبرون الهجوم على منزلها فى الليلة الماضية لولا خوفهم من كيرلس... ولكن يبدو أن الشعب خشى من غضب الأنبا كيرلس الذى أصدر تحذيره لهم بالأمس أنه أن تجاسر أحد وقام بتعكير الصفو فسيكون نصيبة الحرم والعقاب».
ويقدم ماكيوكن فى كتابة «كيرلس أسقف الإسكندرية والصراع الكريستولوجي» مناقشة موجزة عن حادثة هيباتيا، ويشرح بمنطقية أن هؤلاء المؤرخين الذين اتهموا القديس كيرلس بقتل هيابيتا يتكلمون عن الأحداث التاريخية خارج سياق الكلام تمامًا، وهم مخطئون بوضعهم عبء مقتل هيابيتا على كتفى القديس كيرلس فيقول: «يقول سقراط إن هذه الحادثة لم تلق بأى لوم على كيرلس وكنيسة الإسكندرية، ولكن البعض وأشهرهم جيبون الذى يدعى القتل «عمل بطولى لكيرلس وقد أساء صراحة بهذة الملاحظة عندما اعتبر القتل كعمل تورط فيه هو شخصيًا... وقد عد الفيلسوف الوثنى داماسيوس أيضًا الحادثة ونسب اللوم والتواطؤ لكيرلس شخصيًا، ولكنه كان يكتب بعد الأحداث بـ130 سنة وكل روايته متحيزة بوضوح من البداية وكان مغمور بكراهية مرة للطريقة التى قمع بها المسيحيون حرفته وطريقته فى الحياة.
وقد تلا جيبون تشارلز كنجزلى والذى أعطى اعتبار أكثر للناحية الرومانسية أكثر من الحقيقة فى روايتها «هيباتيا» ولم يترك الفرصة لكى يصبغ كيرلس كالبطل الشرير للجزء والكاريكاتير الأسطورى الذى قدمه وأصبح نموذجًا».
وفى خط واحد مع تحليل ماكجوكين يقول ويس وبيرسي: «فيما يختص بتأكيد داماسيوس بأن كيرلس حرض فعلا على القتل.. لا يمكن أن نعتبر جملة فيلسوف وثنى، عاش بعد الحدث بـ130 سنة وكان يكره المسيحية، بشدة كدليل. ونحن نعتبره مع روبرتسون كانون.. كـ«افتراء غير مؤيد».
 تساؤلات منطقية
من ثم، فإن أقدم المصادر التاريخية التى تذكر فاجعة اغتيالها تؤكد أنها سقطت كضحية سياسية لا دينية، وأن الذين قتلوها هم عامة المسيحيين، حيث لا دخل للبابا كيرلس بالأمر، بل إن الأمر جلب عليه وعلى كنيسته العار. وسقراط مؤرخ عُرف عنه الحياد فى الطرح، بالإضافة لكونه معارضًا لكيرلس فليس هناك ما يبرر تكذيبه.
إذا كانت اتهامات القتل ضد القديس كيرلس بها أقل القليل من الحقيقة لماذا لم يستخدمها نسطور - العدو الاكبر لكيرلس - كسلاح قوى لكى يحطم سمعة القديس كيرلس تمامًا أو يعزله أو يسجنه؟