الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

هوس الأدعية والأذكار على «السوشيال ميديا»

هوس الأدعية  والأذكار على  «السوشيال ميديا»
هوس الأدعية والأذكار على «السوشيال ميديا»




كتب – عمر حسن


حالة من الهوس الدينى  تشهدها مواقع التواصل الاجتماعى خاصة الفيس بوك، فلم يسلم شخص من رسالة تقتحم حياته باسم الدين تطالبه بأذكار وادعية بعينها، بل تذهب إلى الحكم بالعقاب الشديد مالم يتم توزيعها على الآخرين فى محاولة لنشر أفكار  وأذكار بعينها يتم تداولها بسرعة عالية بين رواد تلك المواقع.
ويقوم مرسل الرسالة الدينية باستخدام حيل إقناعية فى نهاية الرسالة كتلك «انشرها وسيأتيك خبر سار قبل طلوع الشمس» أو «إذا لم تنشرها فاعلم أن شيطانك منعك»، أو «ارسلها لأربعين من أصدقائك وسيكون لك بيت فى الجنة»، كل ذلك ساعد على سرعة تداولها بين المستخدمين، خاصة أولئك الذى لا يمتلكون الوعى الدينى الكافى للتمييز بين الحقيقة والمغالطة.
وبسؤال رواد مواقع التواصل الاجتماعى حول كيفية استقبالهم لتلك الرسائل ومدى مصداقيتها لديهم، قال محمد رشوان، 30 عاما: «بصراحة أشك فى صحة المعلومات الدينية المتداولة فى رسائل الواتساب، ولكنى أصلى على النبى حينما يطلب منى شخص هذا الطلب، بنية أخذ الثواب، وليس بنية تنفيذ طلبه، أو رغبة فى خبر سار سوف يأتينى قبل طلوع الشمس، فأعتقد أن تلك الوعود من تأليف صاحب الرسالة حتى يحفز المستخدمين على تداولها».
وفى ذات السياق استهجنت هدير السيد، 27 عاما، فكرة ربط الثواب بمشاركة المنشور، أو عمل «إعجاب» له، قائلة: «منذ متى تحول الفيس بوك إلى بوابة لدخول الجنة أو النار.. كلها منشورات تشجع على ذكر الله وهذا أمر طيب، ولكن أن تربط ثواب ذلك العمل بعمل شير ولايك، فهذه تفاهة للأسف يقع فيها الكثيرون»، بينما قالت أميمة شاهين، 45 عاما: «كلام ربنا حلو وترديده شيء رائع، وأنا فعلا بعمل شير للمنشورات الدينية، أهى حسنات ماشية وربنا أعلم بنية كل واحد».
فى حين تعجب محمد على، 47 عاما من سرعة انتشار هذه النوعية من المنشورات والرسائل، متسائلا: «كيف لشعب يتهافت مستخدمو الفيس بوك منهم على نشر الرسائل الدينية رغبة فى الجنة أو سماع خبر سار، فى حين أن مستوى الأخلاق فى الشوارع متدنِ إلى أقصى حد، ووسائل المواصلات العامة لا تخلو من الشجار»، مختتما: «لا مانع طبعا من تداول المعلومة الدينية شرط أن تكون صحيحة، خاصة أن بعض صفحات الملحدين يفبكرون منشورات ساذجة ويقومون ببثها ليتناقلها بعض السُذج بهدف التهكم على الدين، وذلك من خلال فبركة صورة لحصان برأس كلب مثلا على برنامج فوتوشوب، ويقنع المستخدمين بأنه كائن طبيعى من صنع الله، فيسارعون بنشره وهكذا..».
وحول وجهة النظر الدينية يقول د.مجدى عاشور المستشار العلمى لمفتى الجمهورية   إن البوستات والصيغ التى تأتى  عبر الواتس والفيس بوك وفيها أذكار معينة وأدعية مخصوصة، وفى آخرها ترغيب بأن من يقولها فله كذا وكذا وسوف يحدث له كذا أو يأتيه فى المنام كذا أو سينفرج همه ويفك كربه، وفى بعضها يكون التحذير والتهديد والوعيد بأن من لم يقلها أو يرسلها لغيره فسوف يصيبه كذا وكذا هو أمر باطل ومحض كذب وافتراء على الله تعالى وعلى رسوله صلى ألله عليه وآله وسلم.
وقال د.عاشور فى فتواه  إنه لم يأت فى الشريعة شيء من ذلك ، فضلا عن أنها تساعد على ضياع الوقت وتغييب العقل، وقد تؤدى فى نهاية الأمر إلى التشكيك فى الدين إذا لم يتحقق ما ورد فيها من وعد أو وعيد... فليتق الله كل امرئ قبل أن يكتب هذا الكلام . ويجب على من تصله هذه الأشياء ألا ينشرها لغيره، بل يحذِّر منها ويحذفها ، وليحذر كاتب هذا وناشره من الدخول فى قول الله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» رواه البخارى . والله أعلم.
ومن جانبه أكد أستاذ الشريعة والفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور أحمد كريمة، أن الخرافات والأساطير تكثر كلما زاد التخلف الفكرى فى مجتمع من المجتمعات، بينما إذا تواجد العلم والإدراك المعرفى السليم تتضاءل الأساطير والشعوذة والتعلق بالغيبيات، معتبرا تلك المنشورات نوعًا من أنواع الشعوذة.
وأَضاف «كريمة» فى تصريحات صحفية لـ«روزاليوسف» أنه فى فترات الأزمات الاقتصادية والسياسية تتزايد حدة انتشار المعلومات المغلوطة بداخلها أساطير براقة يمكن تصديقها إذ تمتش صياغتها بحنكة ودهاء، وهو ما يقوم به بعض المتحكمين فى وسائل التواصل الاجتماعى، لحصد أكبر قدر ممكن من التفاعل.
واعتبر أستاذ الشريعة سبب إقبال المستخدمين على تداولها هو محاولة التنفيس عن النفس واللجوء إلى الله، فربما يشعر هؤلاء بالتقصير فى العبادات ويلجأون لنشر تلك الرسائل بأقل جهد للحصول على الحسنات، متابعا: «هذا استسهال فى الحصول على المعلومة الدينية داخل كبسولة مسمومة».
وفى السياق ذاته تحدث الشيخ حسين خضر، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، عن إمكانية تغيير الشيطان سلبا أو إيجابا على القضاء والقدر بقوله: «جميع الأمور قدرية لكن القدر غيب والله أمرنا باتخاذ الأسباب والربط بين السبب والمسبب»، متابعا: «أنا لست من أرباب تعليق الفهم البشرى على قوى أخرى كالشياطين.. فكيف يمكن للشيطان أن يمنع شخصًا من تداول رسالة دينية؟ وما هو معيار ثواب الشير واللايك هذا.. كلها تخاريف وتأصيل للهوس المنسوب للدين، والله أعلم بنية ذلك الشخص الذى يتعمد استفزاز الناس برسالة يتزيلها أمر بالنشر وإلا فالشيطان سيدمر حياتك وما شابه ذلك من خرافات».
وأردف «خضر» بقوله فى تصريحات لـ «روزاليوسف»: «لا يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعى مصدرا موثوقا لاستقاء المعلومات الدينية، فحتى قديما كان يلجأ الإنسان لرجل الدين كى يتفقه فى دينه كنوع من الاستسهال متجنبا البحث بنفسه فى كتاب فما بالك الآن ولا يوجد رقيب ولا حسيب على تلك المعلومات ومعايير الثواب والعقاب التى يوزعها صاحب الرسالة كما يحب على كيفه».
بينما قال الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، إن الرسائل الدينية التى يتم تداولها الآن عبر مواقع التواصل الاجتماعى تشبه تلك الرسائل التى جاءت إلينا قديما ونحن فى الجامعة منذ ثلاثين عاما، وخلاصتها أن الحاج أحمد خادم الكعبة الشريفة يقول إنه رأى النبى فى المنام وأوصاه بكذا وكذا، ويذكر عدة آيات من القرآن الكريم وبعض الأحاديث الصحيحة، ثم يقسم بالله أنه صادق فى كلامه، وأن من يرسلها إلى عشرة أشخاص، يأتى إليه الفرج بعد يوم أو يومين، ومن لم يرسلها تأتيه مصيبة إلى آخره.
وتابع «عبدالرحيم» بقوله: «كنا قديما نعطى هذه الورقة لمشايخنا فى الأزهر فكانوا يمزقونها أمامنا، ويقولون، لا تشغلوا أنفسكم بهذه الخرافات»، مضيفا أن خطورة هذه الرسائل التى ترسل بالمحمول، أنها ترسل فى المرة الأولى إلى عشرة أشخاص، والمرة الثانية، كل واحد منهم يرسلها إلى عشرة، فيصير العدد 100 وبهذا التوالى حينما تصل إلى المرة السابعة أو الثامنة، تكون قد وصلت إلى ملايين الرسائل، وهذا عبث، ومضيعة للوقت.
واختتم العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر قائلا: «من أراد الفرج الحقيقي، فعليه باتباع الأدعية التى وردت فى كتاب الله، والتى وردت فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها دعوة سيدنا يونس بن متى عليه السلام: «لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين».