الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مذكرات فلول» 4 رحلة التهجير من المعادى للمنيل!!

«مذكرات فلول» 4 رحلة التهجير من المعادى للمنيل!!
«مذكرات فلول» 4 رحلة التهجير من المعادى للمنيل!!




تامر عبد المنعم يكتب
فى الحلقة الرابعة من «مذكرات فلول» نكشف المرأة التى بصقت فى وجه كاتب هذه المذكرات وحجم الشائعات الكبير الذى استهدف أعلى مؤسسات فى الدولة، وإلى نص المذكرات:
- رجعت البيت ليلتها ووقفت مع جيرانى اللى كانوا فى أبهى صور اللجان الشعبية وبصيت يمين وشمال ما لقيتش الأمين مصطفى وعرفت إنه مشى وسابنا وبقيت أنا أبو مسدس الوحيد فى عماراتنا.
السهرة طولت وكل نص ساعة تقريبا كان فيه واحد بيطلعلى بيته وصفصفت عليا أنا وأيمن شيكو وناصر الأمن فى الآخر.
طلعت بيتى لما النهار شقشق وحكيت لأم العيال على اللى حصل معايا فى شارع قصر العينى مع الولية اللى تفت وقلت أدبها عليا وبصراحة كنت مضايق جدا.
- ليه؟!
- لإنى ما نزلتش إديتها جوز أقلام على وشها.
- يا راجل عيب هو يصح برضه تمد إيدك على واحدة ست؟!
- هو فيه ست أصلا تعمل اللى عملته ده.. هو أنا ما قلتلكش؟!
- لأ.. قووول
- عدت أيام وشهور وسنين وفى شهر يناير إللى فات كنت قاعد فى كافية فى شارع 26 يوليو فى الزمالك مستنى واحد صاحبى جاى لي.. طلبت اسبرسو وولعت سيجارة ولقيت الست دى خارجة من الكافية وعنيها جت فى عينى وكان معاها شابين من بتوع الميادين والائتلافات والجو ده.. أنا عرفتها وهى ابتسمت فى وشى وجت سلمت وقالت لى: فاكرنى رديت إنى فاكرها فعرفتنى بنفسها وكانت صدمة ليا الصراحة.
- ليه طلعت مين؟!
- طلعت مرات فنان زميلنا كنت فاكره محترم بس طلع تيكيلام وحشاش درجة أولى اسمه هشام عبدالله.. فى فرحة وبلاهة معا: بتاع الطريق إلى إيلات؟!
- بقولك حشاش تقولى إيلات!!
مقتضبا وقد أحرجته: كمل.
أيوه المهم لما عرفت قلتلها ده أنا وهشام حبايب راحت قيلالى هشام حكالى على قعدتكم عند الأستاذ عادل إمام واختلافكم باحترام فى الرأى.. من أدبى مديت إيدى وقلتلها صافى يا لبن راحت رده حليب يا قشطة.. زمبؤلك كده.
- زمبؤلي؟!
- زمبئولك
- طب الست لطيفة ومؤدبة أهى والصلح خير.
- عملت عملة بقى ندمتنى بصراحة تانى إنى ما إدتهاش من المنقى خيار فين ما أختار.
- عملت إيه تاني؟!
- نص ساعة بعد اللقاء وراحت كاتبة بوست على صفحتها على الفيس بوك كله شتيمه فيا!!
- إسمحلي
- أسمحلك ما أسمحلكش ليه؟! هو أنا صغير!!
- دى كده ما هزقتكش أنت لوحدك دى كده صغرت جوزها كمان
- قلتش حاجة أنا؟! «عادل إمام استايل» هو اللى بيقوول..
- سيبك منها.. أكيد نمت متضايق
- بس صحيت زى الفل وكالعادة فتحت التليفزيون أشوف إيه آخر تطورات الأحداث
- أنت هتعملى فيها حسنى مبارك؟! إيه تطورات الأحداث دي؟!
- تصدق أول حاجة شفتها على الصبح الريس مبارك فى غرفة عمليات القوات المسلحة وجنبه المشير طنطاوى والفريق عنان واللواء عمر سليمان والفريق شفيق حاجة ايه اللهم صل على النبى تفرح وتدى ثقة إن الدولة لسه بخير.. وبرضه تنفى الإشاعات إللى اتسربت فى البلد.
- إشاعات إيه تاني؟!
 مثلا إن مبارك طلب الفريق عنان وبعت له عربية فى المطار وعشان يقابله قام المشير  رفض وبعت عربية تانية لعنان خدته على وزارة الدفاع على أساس إن الفريق عنان كان هيروح فى ميكروباص مثلا!!
- وبعدين معاك
- مش عاوز تأخذ إشاعة كمان؟!
- هات بس بالذوق ومن غير تخبيط فى حد
- أوك.. إشاعة إن المشير مثلا قال لمبارك تعالى غرفة القوات المسحلة بس أوعى تجيب معاك ابنك جمال قام الريس رايح وواخده معاه غصب عن المشير إللى زعل جدا وقال لرجالته دخلوا الريس لكن جمال يستناه بره!! شفت اللطافة؟!
- عندك إشاعات تانية ولا تكمل؟!
- لأ أكمل.. جالى تليفون من جد البنات إللى كان وقتها حمايا
- الأستاذ فريد الديب؟!
- أومااااال..؟!
- كان عاوز إيه؟!
- قالى آخد البنات وأمهم وأروح على عنده فى المنيل لأن الوضع مش لطيف والحكاية شكلها ما يطمنش وهتطول.
- إن جيت للحق أنا بأثق فى كلام الراجل ده وحكمه على الأمور فما كدبتش خبر وضبت شنطتى  وأم العيال وضبت شنطتها وشنطة البنتين وخدت دهبها والساعات الغالية والذى منه فى صندوق وجهزنا روحنا للنزول وكانت الساعة بقت سبعة يعنى فى عز حظر التجوال.
- أنت مش عملتلى فيها عنتر وقلتلى معايا كارنيه مركز صحفى وبمشى فى الحظر وأعدى فى الحديد؟!
- ما أنا نزلت ومشيت فى الحظر فعلا بس مش هى دى المشكلة..
- أمال فين المشكلة؟!
- المشكلة إن الجيران لما لقونى واخد عزالى وعيالى وأمهم وماشى زعلوا جدا لأنهم حاسوا إنى ببيعهم وما تنساش برضه إنى كنت عامل أمان ضارب آيس كاب وسويتر خالد سرحان وطبنجة ورامبو.. رامبو.. فاكر؟!
- فاكر يا رامبو «باستهزاء»
- وعدتهم إنى مش هتأخر وإنى هاجى أشقر والكلام والوعود الخلابة وسلمت عليهم وكنت متأثر وهما كمان كانوا متأثرين الأستاذ هشام والدكتور وفيق وأبوالعزم وحسان حتى الراجل إللى فى السادس ومش فاكر اسمه كان متأثر..
- الله.. والدكتور سمير؟!
- كان متأثر برضه والله.
- ويا ترى كان لابس الترنيج إياه ولا غيره
- لا ما غيروش وده اللى خلانى أتأثر أكثر الصراحة.. المهم أيمن دور العربية وركبت أنا والعيال وأمهم.
- لحظة واحدة.. هو أيمن ده أنت مشتريه؟! ما لوش أهل يعنى يسألوا عليه ولا إيه؟!
- لا له أهل بس الواد مخلص ما رضاش يسيب المعلم بتاعه فى محنته ويخلع
- أصيل يا أيمن
- اتحركنا وبجد جالى إحساس عجيب.. حسيت إننا بنتهجر زى الجماعة بتوع القنال فى نكسة 67 بالضبط..
- كام
- 67 يا بيه إيه ما سمعتش عن النكسة قبل كده
- سمعت.. «وهو حاطط وشه فى الأرض...»
- الشوارع كانت حزينة وعلى فكرة ده مش معنى مجازى بقوله كده عشان أجمل الكلام لا.. ده حقيقة القاهرة كلها كانت حزينة شوارع مهجورة والسما مليانة سحاب كئيب شبه اللى فى لندن وصوت السراين جاى لك من كل مكان وشكل عربيات الجيش والعساكر وهى واقفة فى وضع استعداد يديك إحساس بعدم الأمان.. حتى الجدران بتاعة العمارات والأسوار بقى عليها رسومات غريبة عمرنا ما شفناها وشعارات يسقط وما يسقطش.. باختصار الحال اتبدل بين يوم وليلة... كل ده والراديو فى العربية شغال بينقل الأحداث والمذيع بيقول مصطلحات جديدة علينا شبه ائتلاف ما  أعرف إيه هيقابل تحالف مين عشان يروحوا الرياسة لعمر سليمان وإن رئيس حزب كذا صرح بأن إيه وإيه والقيادات العسكرية عملت إيه!! والمساجين اللى هربوا سووا إيه بإيقاع غريب عن اللى إحنا نعرفه.. وزاد وحط على كل ده دموع مراتى اللى ما وقفتش طول الطريق ونظرة الخوف اللى كانت فى عيون البنتين خصوصا لما كنا ندخل على أى لجنة شعبية، وما كدبش عليك يا بيه المسدس كان بين رجليا وإيدى عليه فى وضع استعداد وتحسبا لأى حاجة تحصل وضربات قلبى كانت سريعة وأعتقد أن صوتها كان مسموع للجميع.
للتذكير: نشر لى بعمودى بالعزاء فى اليوم السابع بتاريخ 31 يناير 2012 مقال تحت اسم القاهرة التى عرفتها ربما أكون قد استرجعت اللحظة السالف ذكرها عند كتابتى لهذا المقال أتذكر أن الأستاذ وحيد حامد كلمنى بعدها وأبدى إعجابه الشديد بها، وإليكم المقال فقط للتاريخ..
عاشرت القاهرة لمدة تزيد على العشرين عاما، مشيت فى شوارعها وضواحيها، وشربت من نيلها، وجربت أغنيلها، استمتعت بمقاهيها الكائنة بالقاهرة الخديوية القديمة وبكافيهاتها الحديثة بالمهندسين والزمالك، صليت بجوامعها ودعوت بأضرحتها القديمة والعتيقة، وتسكعت على نواصيها من وسط البلد وجامعة الدول العربية حتى عباس العقاد والمولات الحديثة، قضيت أحلى الأوقات بدور العرض السينمائى بدءا من سلام يا صاحبى عام 1986 بسينما روكسي، وحتى أفلام الـ3D بفندق السلام، ذهبت إلى جميع مسارحها سيرا على الأقدام وقت كانت التذكرة بعشرة جنيهات، وحتى أصبحت بثلاثمائة جنيه، تعلمت القيادة فيها وبالطبع عملت جميع أنواع الحوادث بدءا من كسر الفانوس عند الركن مرورا بحادثة طفيفة بأحد تقاطعات شارع شهاب وصولا إلى السقوط من فوق الدائرى، ركبت التورماى أبو سنجة والتاكسى الأبيض فى أسود أبوعداد قديم والأتوبيس الأحمر أبو كمسارى لابس كاكي.. وأيضا المترو وتاكسى العاصمة الأصفر والأبيض حاليا، شجعت فى ملاعبها النادى الأهلى والمنتخب باستاد مختار التيتش بالجبلاية واستاد القاهرة والحربية والسلام، سمعت فيها الشمس تجمعنا وميال ولولاكى ولما الشتا يدق البيبان وأيضا بناديك تعالى وكينج كونج حبيت فيها الحب الأول وأكلت آيس كريم فى جروبى، وركبت مراكب شراعية وأرسلت فيها SMS وBBM وأكلت سوشى بأفخر المطاعم النيلية اللى على شكل مركب، تجولت فى شوارعها ويدى الصغيرة تتشبث بيد أمى أطال الله فى عمرها واشتريت ملابس العيد من حلاوة بوسط البلد وتشبثت يد ابنتى بيدى وأنا اشترى لها ملابس العيد من كارفور، ولدت فيها أنا وعائلتى جميعا ودفنت فيها أعز الناس، لعبت فى شارعها الكرة الشراب ولعبت على أرضها البلاى ستيشن ثري، حلمت وتعلمت فيها وعملت بها حققت ما حققت شاهدت فى رمضانها «الهجان» و«الحلمية» و«الشوان» و«المال والبنون» و«أبوالعلا البشرى».. وشاهدت فيها مسلسلات الـHD بل علمت بهم سواء كممثل وككاتب.
عشرة طويلة بينى وبينها لا تنسى وإحساس غريب يجعلنى اشتاق إليها حتى لو كنت بباريس أو لندن أو جينيف!! على الرغم من الهواء الملوث والتلوث السمعى والبصرى وفوضى المرور وعشوائية كل شيء بالشارع فإننى أشتاق إليها وإلى أهلها الطيبين وعربة الفول أبو زيت حار.
ولكن فى الآونة الأخيرة لاحظت أنها ليست بقاهرتى التى اعتدت عليها، لقد أصبح الغبار يكسوها وكأنها حزينة على حالها التى آلت إليه حزينة على من يخربونها ويحرقونها ويثيرون الفتن على أرضها، حزينة لدرجة أن معالمها الجميلة والساحرة بدأت تختفى وتختفى معها صفات أبنائها ويتلاشى منها الأمان.. لعل أبرز دليل على هذا الحزن الذى غير من معالمها احتفال رأس السنة والعيدين ورمضان الماضى.. إنها ليست القاهرة التى عاشرتها بل أصبحت مقهورة.
بعد ما خلص المقال لقيت عينيه رغرغت وهو المرة دى اللى طلب يشرب سيحارة.