الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«الشقيقات الثلاث» أجساد ناطقة بالألم واليأس!

«الشقيقات الثلاث» أجساد ناطقة بالألم واليأس!
«الشقيقات الثلاث» أجساد ناطقة بالألم واليأس!




فى أجواء فلكولورية ساحرة قدمت فرقة التنورة للفنون الشعبية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة افتتاح مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى على أنغام الطبلة والرق ورقص التنورة، ابدى ضيوف المهرجان سعادة بالغة برقص التنورة وحركات الراقصين التى استخدمها الفريق فى أدائهم بالحفل واضفى هذا العرض حالة من البهجة والسرور على الجميع والذى يعد فكرة مختلفة ومبتكرة بتقديم أحد عروض التراث والفلكور المصرى لضيوف المهرجان.

قدم حفل الختام الفنان محمد رياض، وكرم المهرجان هذه الدورة اسم الكاتب الراحل محفوظ عبد الرحمن، الكاتب المغربى حسن المنيعى، والكاتب الأمريكى مارفن كارلسون وهو استاذ متميز فى المسرح والأدب المقارن والدراسات الشرق أوسطية بجامعة نيويورك، والمخرج الصينى مينج جين خواي، واستاذة الدراسات المسرحية فى جامعة برلين إريكا فيشر ليشت.
انطلقت فعاليات المهرجان بعد انتهاء حفل الافتتاح بخمسة عشر دقيقة بعرض «الشقيقات الثلاث» لدولة جورجيا للمخرج قسطنطين بورتسيلادزى التابع لمسرح تابيلسى للموسيقى والدراما بجورجيا، والذى يعتبر بداية مبشرة للمهرجان، حيث استطاع صناع العرض إبهار الحاضرين من اللحظة الأولى، فمن المعروف أن قصة «الشقيقات الثلاث» لأنتطون تشيكوف تتناول معاناة ثلاث شقيقات لديهن طموح جامح فى الخروج من حياة الريف والسفر إلى موسكو كتبت المسرحية عام 1900 قدمها لأول مرة المخرج الروسى كونستانتين ستانسلافسكى عام 1901، تعكس المسرحية التى كتبها تشيكوف حالة القلق والتدهور التى أصابت الحياة الاجتماعية الروسية فى نهاية القرن التاسع عشر واستمرت خلال بدايات القرن العشرين، وذلك من خلال حكاية الشقيقات الثلاث اللاتى يعشن منزويات فى الريف الروسى كبيرتهن أولغا، التى امتهنت التدريس تبدو غاضبة على وضعها وتريد الخروج منه مهما كان الثمن، لكنها عاجزة عن فعل اى شيء يوصلها الى خلاصها، والوسطى ماشا أتعسها زواج غير ناجح، فعاشت مكتئبة تلتجئ فى لحظات اليأس المطلق الى حلم يزيدها حزنا وكآبة، الصغرى ايرينا، فإنها الوحيدة التى تبدو حيوية راغبة فى فعل شيء مفيد، لكن خيباتها تتلاحق من دون هوادة، وللأخوات حلم واحد الذهاب إلى موسكو دون رجوع إلى ذلك الريف الذى يمزقهن ضجره فى شكل لا يطاق.
وفجأة يلوح لهن الأمل على شكل فرقة عسكرية تأتى لترابط فى المنطقة. وهكذا مع مجيء الفرقة تبدو الأمور كلها وقد تبدلت بالنسبة اليهن، بعلاقات يقمنها مع عدد من الضباط لتعطيهن املا ومذاقا لحياة جديدة، ولكن فى نفس الوقت الذى تبدأ فيه الشقيقات بمداعبة الأمل، ويتقدم ضابط لخطبة الصغرى، وآخر يشجع الكبرى على ترك التعليم الذى تمقته، وفى الوقت الذى تغرم فيه الوسطى بضابط مدفعية، تصدر الأوامر فجأة للفرقة العسكرية بمغادرة المواقع التى تمركزت فيها، وهكذا تترك الفرقة المنطقة، وتعود الشقيقات الثلاث الى وحدتهن وقد زادت حدتها أولغا تعود الى التدريس وإلى يأسها، ماشا تكتشف ان غرامها لم يكن اكثر من سراب، أما ايرينا، التى يقتل خطيبها فى شكل مباغت، فتحبط نهائيا وتشعر ان العالم كله قد انتهى بالنسبة إليها وتجد الشقيقات انفسهن امام الحقيقة القاتلة بعد كل شيء لن يتمكنّ ابدا من الذهاب الى موسكو، وهكذا تستسلم الشقيقات الى ذلك اليأس الذى يحمل فى طياته املا بحياة جديدة.. ذات يوم.
تحتوى القصة أو النص الأصلى لتشيكوف على الكثير من المشاعر الإنسانية والصراع النفسى المبالغ فيه لهؤلاء الفتيات للبحث عن مخرج مما يعانينه من عزلة اجتماعية ووحدة كادت أن تقتلهن، فجرت فرقة جورجيا كل هذه المشاعر والأحاسيس الإنسانية فى صورة مسرحية راقية بلا كلمة واحدة، حيث حرص الفريق ومخرج العرض على تقديمه فى قالب مسرحى راقص فاعتمد على لغة الجسد والتعبير الحركى متخليا عن الحوار والكلام المنطوق فلم تنطق إحداهن بكلمة واحدة بل نطقت أجسادهم جميعا رجالا ونساء بكل معانى الصراع النفسى والألم، وهو ما أراد المؤلف إبرازه خلال أحداث مسرحيته، قدم فريق جورجيا العرض بمزج فنى رفيع بين الباليه والرقص المعاصر بجانب الإضاءة المسرحية التى أضفت على العمل أجواء ساحرة خاصة فى مشهد المطر الذى صنعه المخرج بمهارة فنية عالية وكأنك شاهدت هطول الثلج من السماء عبر شاشة السينما، صنع مصمم الإضاءة فى هذا العمل على المسرح الكبير بدار الأوبرا مشاهد مسرحية ساحرة كادت أن توحى إليك من روعة صفائها أنك أمام شاشة عرض بتقنية ال «HD»، فأنت ترى الألوان والحالة المسرحية التى أراد صنعها بهذه الإضاءة على حقيقتها كما أراد لها أن تكون بلا زيادة أو نقصان.
عندما تصبح الأجساد وحوشا كاسرة فى التعبير عن كل مشاعر الألم والمرارة والشوق، وقتها تفقد الكلمة معناها فكلما زاد واشتد حجم اليأس والألم فلا جدوى من الحكى والتعبير بالكلمات، ربما كان الصمت ولغة الإشارة والحركة أبلغ وأعمق فى الوصول إلى المعنى من كل الكلام، فمن المعروف أن فن الرقص المعاصر نشأ كتطور لفن الباليه والذى أصبح يستخدم حركة الجسد بمفردات حركية أكثر تطورا وتنوعا وأقدر على حكى قصة العرض من حركات البالية المكررة والمتشابهة فى أغلب عروضه، بينما فتح الرقص المعاصر مجال وخيال صناعه على تصميم حركى أكثر قوة وتعقيدا من فن الباليه، وبالتالى قد تحضر عروض الرقص المعاصر ولا تفهم شيئا ولا تستطيع التواصل مع قصة العرض كمشاهد، وقد تحضر هذه العروض وتفهم كل شيء وتتواصل بشدة مع أحداث العرض ويعود هذا دائما على مدى مهارة المخرج ومصمم الحركة وكذلك الراقصين فى توصيل رسالة العمل خاصة ولو كانت معقدة مثل عرض «الشقيقات الثلاث» لأنها بالأساس عمل مسرحى له حوار طويل منطوق قدم كثيرا على خشبات المسارح بدول مختلفة لكن هذه المرة اختار مخرج العرض أن يدخل فى تحد كبير وقدم مسرحية معروفة لتشيكوف، فى عمل فنى راقص اعتمد على جماليات الصورة والحركة الناطقة بدلا من الأفواه فأصبحت أجساد الراقصين والممثلين تنطق بمشاعر الحب والعزلة والحرمان والكراهية والطموح والشوق والألم كل هذه المشاعر والصراع النفسى المرير بين الرغبة فى الخروج من العزلة ثم اليأس والإحباط التام بالعودة إليها من جديد قدمها الفريق بإتقان وتقنية فنية عالية تتلاشى أمامه كل الكلمات ويعتبر هذا العمل نموذجا يحتذى به فى مسرح الرقص المعاصر، فبدلا من أن يعتمد المخرج على تقديم فكرة بسيطة فى إطار فنى راقص اعتمد على نص مسرحى متكامل مليء بالأفكار والمشاعر نبضت أجساد ممثليه بتلك الأفكار وهذه المشاعر.
يشارك ضمن فعاليات هذه الدورة عدد كبير من العروض الأجنبية والعربية والتى من المتوقع أن تلقى استحسانا جماهيريا كبيرا من هذه العروض ظلال أنثى» لفرقة المسرح الحر الأردن إخراج إياد الشطناوي، من العراق «انفراد» إخراج بديع نادر خلف لفرقة عشتار، «عربانة» للفرقة الوطنية للتمثيل إخراج عماد محمد، بينما تشارك فرقة دها وسا المغربية بعرض «بلا سمية» للمخرج أحمد حمود، ومن المغرب تشارك المخرجة أسماء هورى وفرقة أنفاس بعرض «خريف»، و«ليلة خريف» إخراج سيرين أشقر من تونس، «نساء بلا حب والمقاومة» إخراج فتحى العكاري، الحيوات السرية لزوجات بابا سيجي» كينيا، «معالجة جديدة لـ«عطيل» بلجيكا، ومن الولايات المتحدة الأمريكية تشارك عروض «بريفاتوبي»، و«وفاة بائع متجول»، «انطلقوا»، ومن السويد عرض «فى قلب الحدث»، «ميديا» و«رحلة فوق المدينة أرمينيا، «تسعة ونصف حب» الصين، «ماسكارا ضد كابيليرا» المكسيك، «زمن التعجب» روسيا، «قفص رقم واحد..طائر رقم اتنين» شيلي.