الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«المثليون» فى السينما سخرية ومرض ونهايات مؤلمة

«المثليون» فى السينما سخرية ومرض ونهايات مؤلمة
«المثليون» فى السينما سخرية ومرض ونهايات مؤلمة




تحقيق - آية رفعت


لم تتطرق السينما المصرية بشكل كبير لقضية المثليين جنسيا إلا بعد فترة السبعينيات، حيث لم يكن هذا الأمر متعارفًا عليه ويتم إثبات وجوده بدراسات داخل المجتمع المصرى والعربى، مما كان يجعل الجمهور فى هذه الفترة يصاب بصدمة وجود هذه العادات السيئة وغير الأخلاقية.
ومع تطور العصر كان لابد للسينما أن تتناول هذا الأمر الشائك خاصة مع انتشاره بالمجتمع، ولكن الأمر جاء أغلب الوقت فى نطاق ضيق وأغلبه يدور بداخل إطار كوميدى كمحاولة رجل لتقبيل رجل آخر ليشك صديقه بأمره، ولكن كل الأمور كانت تدعو للضحك فقط، وجاءت بعض الأفلام الواقعية لتقترب أكثر من عكس صورة المجتمع بمختلف عيوبه وأسراره ومنها «المثلية»، وكان أولها فيلم «الطريق المسدود» للنجمة فاتن حمامة، والذى تم إنتاجه عام 1958، وكان يتناول كل العيوب الأخلاقية للمجتمع ومنها الدعارة والسرقة والشذوذ، وإن كانت القضية الأخيرة تم التطرق لها على استحياء.
ويعد الفيلم الشائك «حمام الملاطيلى» هو المفجر الأول للشخصية والتى لم يتم استخدامها بمجرد إظهار رجل يتدلل مثل السيدات كأمثال شخصية «صبى الراقصة»، وتعرض هذا الفيلم الذى أنتج عام 73 والذى تم منع عرضه بالتليفزيون المصرى والفضائيات حتى وقتنا هذا لعدد من الموضوعات والمشاهد المثيرة، وكان أبرزها دور الرجل الشاذ الذى قدمه بجدارة النجم يوسف شعبان، ورغم اعتذار عدد من الممثلين عنه إلا أنه الوحيد الذى قرر خوض التجربة الفنية المثيرة، والتى ألحقت بدورها عليه العديد من الشائعات، ولكنه قال مؤخرا أنه كفنان كان يجب عليه تجسيد الأدوار الصعبة حتى وإن كانت لشخصيات مرفوضة من المجتمع.
أما فيلم «قطة على النار» والمأخوذ عن رواية أجنبية، فقد استعرض الأمر على استحياء، وأن كان أظهره كحقيقة مثبتة وموجودة بالمجتمع، من خلال شخصية صديق البطل «نور الشريف»، والذى تجمعه به صداقة كبيرة إلا أن يكتشف فى النهاية أنه ينتمى للشواذ، ورغم أن الصديق، الذى جسده الفنان اللبنانى القدير شوقى متى، لم يحاول التقرب إلى صديقه بشكل مخل إلا أن نور صدم من مشاهده مع رجل آخر بنفس الفراش مما دفعه للانتحار لعدم استطاعته مواجهة صديقه مرة أخرى.
وقام البعض بإلقاء اللوم على الكاتب هانى مطاوع الذى قام بتحويل القصة الأجنبية لفيلم لجعل الجمهور يعتبر أن هذه الظاهرة أجنبية فقط ولا توجد بالداخل.
كما اقترن وقتها الشخص المثلى أو الشاذ بالأمور السيئة السمعة والمحرمات وعلى رأسها خيانة الوطن، وظهر ذلك بشدة فى فيلم «الصعود إلى الهاوية»، للنجمين مديحة كامل ومحمود ياسين، حيث ظهر فى حياة «عبلة» بطلة الفيلم صديقة من الخارج تساعدها بالتجسس وخيانة وطنها لنكتشف أن تلك الصديقة شاذة جنسيا وتقيم علاقات مع عبلة متكررة كنوع من الكفر بالوطن والدين والأخلاقيات، وكل ما تعتبره قيودًا.
ووسط كل هذه الأحداث زادت جرأة تناول الموضوعات تدريجيًا وأصبح مخرجو السينما الواقعية يتهافتون على طرح هذه القضية بشكل أو بآخر بأعمالهم وكانوا دائما ما يواجهون مقص الرقابة ومنهم المخرج يوسف شاهين، والذى قدمها بفيلمى «اسكندرية ليه» أواخر السبعينيات و«إسكندرية كمان وكمان»، 1990 وأيضا القدير يسرى نصر الله بأول أفلامه «سرقات صيفية» عام 1988، وللفيلم الثانى على التوالى «مرسيدس» عام 1993.
ومع بداية الألفينات بدأت هوجة الواقعية تقل تدريجيًا خاصة مع انتشار موجة الأفلام الكوميدية، ولكن هذا لم يعوق المخرج سعيد حامد عن تناول شخصية الرجل الشاذ الذى يريد إرغام ممثل مبتدئ على هذا الأمر مقابل تقديم فيلم له، وذلك خلال أحداث فيلم «رشة جريئة» لأشرف عبدالباقى وياسمين عبدالعزيز، وقد قال البعض إنه يشير بتلك الشخصية إلى أحد المخرجين المشهورين بمصر. كما قدم سمير سيف دورًا كوميديًا عن رجل يرغب بإثارة محصل فواتير الكهرباء «عمرو واكد»، ولكن الأخير يرفض الأمر فيتقبلها الرجل بصدر رحب، وذلك بفيلم «ديل السمكة» عام 2003، وقدم دور الرجل المثلى الفنان الراحل «رؤوف مصطفى».
وأعاد فيلم «عمارة يعقوبيان» 2006 الأنظار لتلك الظاهرة بشكل صادم للجمهور، حيث جسد دور المثلى بجدارة النجم خالد الصاوى، والذى قبل الدور بعد رفض العديد من النجوم تقديمه، وبرر ما فعله بأنه يقبل الأدوار التى تحمل تحديات، وبالفعل أثنى النقاد والجمهور على تقديمه لهذا الدور حتى أن هناك بعض الشائعات التى طالته فى الحقيقة حول هذا الأمر.
وأظهر الفيلم النهاية المأساوية لكل من شخصية البواب الذى أغراه الرجل المثلى نظير بعض الأموال، وجاء عقابه فى وفاة نجله الوحيد، بينما تم مقتل الصاوى بنهاية الفيلم على يد أحد عشاقه.
وفجر المخرج خالد يوسف القضية بشكل أكثر وضوحا مما أدخله بمشاكل مع الرقابة عام 2007، عند تقديم فيلمه «حين ميسرة»، والذى تناول عدة مشاهد صادمة وخارجة، ومنها المشاهد الجنسية والاغتصاب والمثلية الجنسية أيضا، وأثارت النجمة غادة عبدالرازق استياء جمهورها وقتها لتجسيدها دور الشاذة بشكل مفصل، وتم حذف أحد المشاهد لتحرشها بزميلتها سمية الخشاب، كما قام الفنان زكى فطين عبدالوهاب بتقديم دور رجل الأعمال المثلى والذى يتزوج بطبيبة تعرف حالته المرضية لمجرد الحفاظ على وجهته الاجتماعية، وتم تقديم الأمر بشكل طبيعى وليس لافتا بأحداث فيلم «واحد صحيح» عام 2011.
أما العمل الوحيد الذى أثار الجدل بتصدر القضية قصته هو فيلم «أسرار عائلية» والذى أدخل المخرج هانى فوزى فى صراعات عدة سنوات مع الراقبة للموافقة على عرضه حتى تم خروجه للنور عام 2003، والفيلم يتناول قصة شاب يعانى من المثلية الجنسية، والتى تم التعامل معها على أنها مرض نفسى يحاول الشاب التخلص منه خاصة مع تعرضه لمشاكل حتى أنه يحاول البحث عن ذاته ورجولته التى لا يشعر بها.
ولم يقف الأمر عند السينما بل تطرقت الدراما لعدد من هذه الموضوعات ولكن ليس بنفس القدر من الجرأة، ومنها مسلسل «سجن النساء»، للمخرج كاملة أبوذكرى والذى تعرض لوجود إحدى السيدات بالسجن مثلية وتحاول الإيقاع بزميلاتها، بينما استعرض الكاتب تامر حبيب شخصية رجل مثلى ولا يعيش حياة سوية مع زوجته بمسلسل «لا تطفئ الشمس»، ويبقى السؤال هنا هل التطرق لهذه الظاهرة جعل المجتمع يتقبلها ولا يصدم من رؤيتها أو السماع عنها، بل ودفاع البعض عن من يحملوا علم «قوس القزح»، أم من الأفضل الابتعاد عنها وتهميشها.
وعن الصورة التى تناول بها السينمائيون للمثليين بأعمالهم ورفض الجمهور لها قال الناقد محمود قاسم: «لا يمكننا انكار وجودهم بالمجتمع فهم يعتبرون فى العالم المظلم الذى لا نريد أن نراه أو نواجه أنفسنا به، وكلنا كنا نرى تحرشات أو نظرات منذ صغرنا من رجال لنفس جنسهم أو العكس. وأعتقد أن فيلم «أسرار عائلية»، للمخرج هانى فوزى هو الأجرأ فى تناول الأمر حيث جعل من القصة بطولة لوحدها، كما أنه تناول الأمر على أنه مشكلة صحية وتحتاج إلى طبيب ولكنهم لم يقوموا بحل مشكلة «الرغبة» لديه، كما أن السينما المصرية تعاملت معهم كعنصر الشر بالفيلم مثل الصاق الصفات بالجاسوسية أو الشخص سيئ السمعة، وبشكل عام لا نستطيع انكار شريحة من المجتمع موجودة وهم للأسف واقع لابد من الاعتراف به، وليس معنى ذلك أننا نظهرهم بشكل طبيعى حتى لا يسبب الشعور بالاشمئزاز لدى المجتمع».
أما الناقدة خيرية البشلاوى فقالت إن فكرة تناول هذه القضية بفجاجة مثلما حدث فى مشروع ليلى يعتبر حربًا على الأخلاق الاجتماعية بتكسير أسس الشعب المصري، وأضافت قائلة: «السينما قامت باستغلال المثلية الجنسية كنوع من الإثارة وإرضاء لما نسميهم الشواذ، بل وأن بعض المخرجين قاموا بالدفاع عنهم لإظهار فكرة أن ما يعانونه مجرد انحراف بيولوجى وليس أخلاقيا، ولكن المجتمع مع ذلك لم يتقبل هذه الأمور، وكان الامر مجرد سخرية أو تلميحات مثلما حدث بفيلم «لطريق المسدود» ثم تم تناول الأمر بشكل أكثر فجاجة مثل عمارة يعقوبيان والذى تم استخدامه أيضا للإثارة فقط والجرأة بطرح الموضعات، إما خالد يوسف فتناوله بشكل مقزز وغير أخلاقى فى بعض أفلامه ومنها «حين ميسرة»،  وهناك إحدى السينمائيات أكدت من قبل أن المخرجين المثليين يحاولون طرح قضاياهم خلال أفلامهم ولكنهم نسيج طبيعى داخل المجتمع ليدافعوا عنهم».
وأضافت البشلاوى قائلة: إن على السينمائيين عدم المساهة فى هدم وتكسير التابوهات الأخلاقية بالمجتمع، ومن الممكن أن نتطرق للأمر بشكل حضارى مثلما فعل المخرج عمرو سلامة فى فيلم «أسماء»، عندما أشار بالتلميحات وداخل الحوار أن هانى عادل انتقل له عدوى الإيدز بعدما تم الاعتداء عليه جنسيا داخل السجن، ولكن بشكل غير مثير.