الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكنيسة ومحاكم التفتيش

الكنيسة ومحاكم التفتيش
الكنيسة ومحاكم التفتيش




القس مايكل ملاك

التاريخ ميراث الشعوب وذاكرته، يحمل فى جعبته الكثير من الأحداث المتنوعة، فلكل  سارد أو قارئ وجهة نظر وزاوية مختلفة فى رؤيته للأحداث، فقد يرى البعض ما هو سلبى إيجابيا، ويرى آخر الإيجابى سلبيا، وثالث يدون الإيجابى والسلبى كما هو ويترك الحكم لقارئ آخر.
ومما لاشك فيه أن للكنيسة تاريخ طويلا مليئًا بالأحداث الازدهار والانحطاط، الحرب والسلام، الماجد والانكسار، تعددت الأسباب والمحصلة هى حاضر الآن.
لعدة قرون كانت الكنيسة هى صاحبة السلطة الدينية والمدنية، فهى الحاكم والآمر فى شتى المجالات برئاسة السلطة البابوية، ونتيجة لتوغل السلطة واحتكامها لكل الأمور نتج عن ذلك خروج البعض عن المألوف بفعل المنطق والتفكير، لكن لقى ذلك الهجوم والتكفير، من خلال محاكمات كانت الكنيسة طرفًا فيها سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وإليكم ثلاث محاكمات كنموذج:
1-   الكاتب والروائى الفرنسى جوستاف فلوبير صاحب رواية «مدام بوفارى» والتى كتبها عام 1857 وهى رواية واقعية تسرد حالة اجتماعية عن امرأة تعشق الأدب الرومانسى تزوجت ولم تجد ما قرأت عنه فى زوجها، فأحبت رجلا آخر وفكرت فى الهرب معه لكنه فشلت وتوترت حالتها النفسية وصلت بها إلى الانتحار، فوجهت الاتهامات من قبل الأصوليين الكنسيين فى ذلك الوقت نتيجة لسيطرة الكهنوت على عقول الناس فكانت التهمة «أن الرواية أساءت للدين وللأخلاق العامة» حيث إنها قصة زنى امرأة بالريف، نص المحاكمة موجود مع ترجمة الرواية التى قام بترجمتها د.محمد مندور فى 36 صفحة، ومن أشهر عباراته: أنى مولع بالتاريخ فالأموات يروقون لى أكثر من الأحياء.
2-   جاليليو جاليلى هو عالم فلكى وفيزيائى إيطالى قام بنشر نظرية كوبرنيكوس الذى كان راهبًا وفيلسوفًا وفلكيًا قد نصت نظريته على «مركزية الشمس»، بعد قرون طويلة ظن أن الأرض هى مركز الكون، وقد دافع جاليليو عن النظرية من وجهة نظر فيزيائية، وجهت التهمة من قبل الكنيسة لجاليليو باعتباره مهرطقًا يخالف تعاليم الكنيسة وتم استدعاؤه ليمثل أمام البابا «بولس الخامس» المعتدل الذى قدم نصيحة له بإنساب أفكاره إلى كوبرنيكوس دون الدفاع عنها وقد وافق جاليليو بالفعل على ذلك الرأى، لكنه أراد أن ينشر أفكاره فى مكان آخر يتمتع فيه الفكر بالحرية فقام بنشر كتابه المعروف باسم «المحاورة» وهو حوار حول حركة الكواكب فغضبت الكنيسة وقتها وجعلت من الكتاب اتهاما صريحا ضده، وفى يوم 2 يونيو 1633 وقف أمام محكمة تفتيش مكونة من 10 كرادلة وحققوا معه واتهموه بالهرطقة، وحكم عليه بالسجن الذى تحول إلى الإقامة الجبرية وظل منفياً فى بيته حتى موته فى 8 يناير 1624، ومن أشهر عبارته: ياليتنى أحرقت كل ما كتبت بيدى حتى لا أشهد يوم محاكمتى هذا».
3-   مارتن لوثر راهب ألمانى وقسيس وأستاذ لاهوت، فى يوم 31 أكتوبر 1517 علق على باب كاتدرائية وتتبرج 95 حجة ضد ما يسمى بصكوك الغفران التى ابتدعتها الكنيسة وقتها لحاجتها للمال، كان يريد مناقشتها وتدريسها فى الجامعة، وقتها كلف البابا ليون الرئيس العام للاغسطينيين لكى يسحب لوثر احتجاجاته ويعلن خضوعه وإلا تتم محاكمته وحاولوا مع لوثر من خلال المقربين إليه ليغير رأيه لكنه أصر فوقف أمام مجمع من الرهبان فى 25 إبريل 1518 وأراد لوثر أن ينتهز الفرصة لكى يشرح للرهبان أفكاره العقائدية، واعتبر لوثر هرطوقاً يجب محاكمته، وطلب منه أن يعلن خطأه، ويمتنع عن الوعظ وتحرق كتاباته، وقتها تمت مناقشات واجتماعات كثيرة لخطورة الأمر ومحاولات جادة لعدول مارتن لوثر عن أفكاره لكن دون جدوى فكان رده الأشهر: لا يمكننى أن أتراجع لأن ضميرى لم يعد يخضع لا للباباوات الذين حكم بعضهم على بعض، ولا للمجامع التى ارتكبت أخطاء وحكموا على بعضه بعضا أيضا، فإن ضميرى لا يخضع إلا للكتب المقدسة، لذلك لا يمكننى أن أتراجع لأنه ما أخطر أن يتصرف الإنسان ضد ضميره وهذا ما أؤمن به فليعننى الرب.
 «فلوبير» حكمت المحكمة ببراءته، «جاليليو» اعتذرت له الكنيسة بعد رحيله بسنوات ، «لوثر» خرج من الكاثوليكية وأعلن البروتستانتية التى بدأ معها الإصلاح الذى غير مجرى التاريخ ونهضة شملت أوروبا وقتها وانتشرت فى كل العالم.