الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المعلم يعقوب غدر بالمماليك ودافع عن الأقباط

المعلم يعقوب غدر بالمماليك ودافع عن الأقباط
المعلم يعقوب غدر بالمماليك ودافع عن الأقباط




 كتب - لوقا عبده

هناك شخصيات تاريخية  ينقسم حولها المؤرخون بعضهم يصفها بالوطنية والبعض بالخيانة وشخصية المعلم يعقوب من هذه الشخصيات المحيرة التى طالما كتب عنها الكثير.. وفى هذا التقرير  نقدمه كنموذج للقراءة التاريخية باستعراض آراء المؤرخين حوله، من معه ومن ضده وعلى القارئ أن يستخلص الآراء التى يجدها أكثر إقناعا له ولعلها تكون طريقة  مفيدة فى قراءة التاريخ.
من أجل هذا سنذكر بعضًا من سيرة شخصية المعلم يعقوب بعدما سنحت له فرصة للظهور والمشاركة السياسية والعسكرية، تقدم وظهر بقوة عظيمة ليكشف عن شخصية المعلم يعقوب القبطى.

شخصية اختلف فيها من ناحية وطنيتها لكن لم يختلف من ناحية عظمتها وقوة نفوذها، فهى شخصية ظهرت وولدت فى القرن الثامن عشر الميلادى وكان لها الدور العظيم والمشاركة الكبيرة.
هو الجنرال يعقوب حنا (1745-1801)، من مواليد مدينة أسيوط.
وقد ذكر الدكتور جودت جبره أن المعلم يعقوب من مواليد ملوى، التى كانت تتبع مديرية أسيوط حتى عام 1960 وهى تتبع محافظة المنيا حالياً).
كان يتميز بالشجاعة والإقدام منذ صغره حيث ترك بلدته  أسيوط  مهاجرا إلى بنى سويف ثم إلى القاهرة حيث  التحق بخدمة سليمان أغا رئيس الجند الانكشارية مشتغلا فى تنمية تجارته.
كما حارب فى صفوف المماليك ضد قوات حسن باشا التى نزلت إلى مصر لتثبيت الحكم العثمانى على مصر قبل الحملة الفرنسية بوقت قصير لما ذاع خبر شجاعته قربه إليه مراد بك (المملوكى الجركسى الأصل زعيم سلاح الفرسان والحاكم المشترك لمصر مع إبراهيم بك) الذى جعله من رجاله واستمر كذلك حتى دخل الفرنسيون مصر، فارتبط بهم لرغبته فى مساعدة أهل وطنه فى الخلاص من ظلم المماليك فقربوه منهم وحاز على ثقتهم وتقديرهم له لصفاته الكبيرة.
وولوه مسئولية ديوان الجباية لجمع الضرائب ثم ترقى وأصبح وكيلا للجنرال ديزيه وسيروه معهم فى حملتهم على المماليك التى انهزمت من الفرنسيين، كما اشترك فى واقعة المنشية بأسيوط فى 29 ديسمبر 1798م، وبعدها عُين جنرالا فى الجيش الفرنسى وتولى القيادة بنفسه أثناء حملة الصعيد فى واقعة القوصية حيث هاجم المماليك الذين يفوقونه عدداً وعدةً اضعافا، وانتصر فيها المعلم يعقوب على المماليك وبعد انتهاء المعركة كرمه ديزيه وأهداه سيفا تذكارا لبسالته فى تلك المعركة.
كما أنشأ للحملة الفرنسية نظاما بريديا مميزا جعل أسيوط مركزه، وبعد حدوث ثورة القاهرة كون المعلم يعقوب فيلقًا قبطيًا للدفاع عن الأقباط فى القاهرة من الغوغاء كما حارب المماليك الذين جاءوا لاحتلال القاهرة، حيث قدم أجل الخدمات للأقباط فى الدفاع عنهم أثناء ثورة «الغوغاء الثانية» فى القاهرة والدفاع عنهم ضد المماليك، وفى أملاكه وأملاك المعلم ملطى بنيت الكنيسة الكبرى بالأزبكية.
وبعد خروج الحملة الفرنسية من مصر سنة 1801م، لم يكن من الممكن له البقاء فخرج معها المعلم يعقوب كما صحبه فيها أخوه حنين وأمه مارى غزالة وزوجته مريم نعمة وابنته مِنه ونفر من الأقارب والخدم وعساكر الفيلق القبطى، على أنه مات فى عرض البحر فى صباح 16 أغسطس 1801م فى اليوم الخامس من اقلاع السفينة بالاس pallas بعد مرض لم يمهله ثلاثة أيام، مات مأسوف عليه من كل من عرفه قائدا شجاعا مدفاعا عن بنى جلدته الأقباط حيث دفن مع صديقه الجنرال ديزيه وقد احتفظ بجثته فى دن من الخمر  حتى رست السفينة فى مرسليا فدفن بها فى 18 أكتوبر من تلك السنة.
كما وصفه المؤرخ نقولا الترك( نقولا بن يوسف الترك (1763-1828م)، هو شاعر له عناية بالتاريخ، سافر إلى مصر واستخدم كاتبا فى حملة نابليون الأول، بقى نقولا الترك فى مصر حتى سنة 1804م، واضعا مصنفات تاريخية عيانية عدها جرجى زيدان فى كتابه مشاهير القرن الـ19،الجزء الأول، من «أهم ما ألف فى التاريخ عن تاريخ الاحتلال الفرنسى لمصر والشام».
فى كتابه «ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلد الشامية». الطبعة الأولى، مدينة باريز المحمية، دار الطباعة السلطانية،1839مسيحية، ص 64، والطبعة الثانية،1990م، تحقيق ياسين سويد، دار الفارابى، بيروت، لبنان، ص 58، بصفته شاهد عيان:
«كان عند الجنرال  ديسيه من الأقباط المباشرين، يعقوب الصعيدى وهو رجل شديد البطش مشهوراً بالفروسية والهمة القوية وهو الذى كان فى خدمة (سليمان بك) فلما آنس فيه الشجاعة وظهرت له قوته واستعداده قدمه إلى بونابرت وأطرى إخلاصه فقربه إليه وأعجب ببسالته».
إن سيرة الجنرال يعقوب أثارت جدلاً واختلافا بين المؤرخين فمن عده وطنيا شجاعا ومن عده خائنا ومن اعتبره شجاعا خائنا وسنذكر الجميع للأمانة العلمية:-
1- المؤرخ محمد شفيق غربال (فى كتابه عنه المعنون بـ المعلم يعقوب والضابط لسكاريس:
«..أما غرضه من إنشاء هذه القوة العسكرية المصرية الصميمة فهو انتزاع استقلال مصر من أيدى المماليك والعثمانيين حيث يذكر التقرير الذى عُثر عليه فى محفوظات وزارة الخارجية البريطانية رغبة المعلم يعقوب فى استقلال مصر».
2- كما دافع عن وطنية المعلم يعقوب المؤرخ الدكتور أحمد عزت عبد الكريم فى كتابه المجمل فى التاريخ المصرى المطبوع فى 1942 قائلاً: «أدرك المعلم يعقوب أن الوقت قد حان لتقرير المسألة المصرية على نحو يضمن استقلال البلاد» اهـ.
كما دافع عنه أيضا أصحاب مؤلف كتاب لجنة التاريخ القبطى: الجنرال يعقوب واستقلال مصر، ط 1935م.
3- د.لويس عوض فى كتابه «تاريخ الفكر المصرى الحديث و«أوراق العمر»، كذلك د.أنور لوقا فى كتابه «هذا هو المعلم يعقوب» أن المعلم يعقوب ذهب إلى فرنسا وهو يحمل بذرة الوطنية المصرية فكان أول مصرى يضع مشروعًا لاستقلال مصر عن الدولة العثمانية والقمص متياس نصر منقريوس فى كتابه «الجيش الوطنى القبطى: منذ1800-1814»
لكن بعض المؤرخين هاجموه واعتبروه خائنا للوطن وللأقباط أيضا.
1- الجبرتى فى مؤلفة «مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس»، دار الكتب المصرية، المقدمة صفحات حيث ذكر عنه شخصية خائنة للخليفة العثمانى وللخلافة الإسلامية  لكون مصر ولاية تتبعها فى ذلك الوقت، لكن يرد عليه محقق كتابه هذا وهو الدكتور الباحث عبدالرحيم عبدالرحمن حيث يصف كلام الجبرتى بالتحامل على الفرنسيين وتخليه عن موضوعيته ويحمله حملة شديدة على الحكم الفرنسى، فلا ينظر إلى الأحداث نظرة مجردة بل يرى فى كل عمل فرنسى بغيض خاصةً أن الحكم الفرنسى حكم غير إسلامى، فى الوقت الذى كان فيه مؤيداً للحكم العثمانى وتحامله الشديد على الفرنسيين انعكس على المتعاونين معهم ومنهم المعلم يعقوب».
2- الكاتب والأديب الدكتور حسين مؤنس  فى مؤلفه دراسات فى ثورة 1919م، سلسلة اقرأ رقم 418، ط1،1973م، اعتبره خائنا لعله تأثر فى رأيه ذلك بالمؤرخ الجبرتى الذى كان متحاملاً على الفرنسيين بشدة.
3- د.أحمد حسين الصاوى «المعلم يعقوب بين الأسطورة والحقيقة»، دار الفكر للنشر والتوزيع، طبعة 1986.
وهناك ما لم يتفق على وطنيته مثل الدكتور محمد عفيفى ود.جاك تاجر الذى يرى أن ولاءه فقط لمصلحته فكان مع المماليك وحارب معهم وكان مع الفرنسيين وحارب معهم ضد المماليك وهكذا.