الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الفتاوى الشاذة «قنابل موقوتة» لهدم المجتمع

الفتاوى الشاذة «قنابل موقوتة» لهدم المجتمع
الفتاوى الشاذة «قنابل موقوتة» لهدم المجتمع




كتب - عمر حسن


شهدت الآونة الأخيرة حالة من الجدل الشديد حول صدور بعض الفتاوى «الشاذة» التى جاءت على لسان علماء متخصصين فى شئون الفقه والشريعة، وبين مؤيد ومعارض وثالث ساخر، استقبل جمهور مواقع التواصل الاجتماعى تلك الفتاوي، والتى تم تداولها بكثرة بين المستخدمين فى حالة من الدهشة والتساؤل حول مدى صحة تلك الفتاوى، خاصة أن من أصدرها أكد أنه استند فى فتواه إلى كتب الفقه والتراث.
ومن أبرز تلك الفتاوى التى أحدثت ضجة بين الأوساط الإعلامية والدينية، كانت فتوى تجيز معاشرة البهائم، فى حالة عدم القدرة على الزواج، بحيث لا ترقى إلى معاشرة حقيقية تصل لحد الزنى بل مجرد احتكاكات لفض الشهوة، وفتوى أخرى تجيز مضاجعة الزوجة المتوفاة، والتى أطلق عليها صاحبها «مضاجعة الوداع».
ووسط ذلك ظهرت دعوات تنادى بتنظيم شئون الفتوى فى مصر، مع ضرورة انتقاء الألفاظ التى تشرح الفتوى، كى لا يُساء فهمها، فى حين أكد الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ضرورة الحجر على أصحاب «الفتاوى الشاذة»، لأنها تضر المجتمعات، مشددا فى تصريحات صحفية  على انه «ليس كل منتسب للأزهر يعبر عن صوته، فبعض ممن ينتسبون إلى الأزهر يحيدون عن منهجه العلمى المنضبط.
وحول خطورة تلك  الفتاوى  الشاذة وكيفية مواجهتها من جانبه أكد الدكتور حامد أبو طالب، عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن تلك الفتاوى الغريبة التى ظهرت فى الآونة الأخيرة يشوبها الخطأ والشذوذ فى الكثير منها، واصفا إياها بأنها تتبع الغرائض والأقوال الضعيفة والمندثرة فى كتب الفقه، وذلك بقصد الجرى وراء الأضواء والوصول إلى النجومية بأى ثمن، حتى ولو على حساب الدين، على حد قوله.
وأضاف عضو مجمع البحوث الإسلامية فى تصريحاته لـ «روزاليوسف» أن تلك الفتاوى تكتب شهادة وفاة علميا لصحابها، وتفقده ثقة المسلمين، وعليه فأى حديث سيدلى به إلى أى قناة أو صحيفة لن يُعتد به من جانب الكثيرين.
وأشار «أبو حامد» إلى أن الفتاوى الشاذة ستكون سببًا فى قنوط الكثير من الشباب وابتعادهم عن الدين، قائلا: «أنا أعرف بعض الشباب المتدين الذى كانت يتعلق ببعض العلماء ويحبهم ويتابعهم ويبحث عن أقوالهم قد أصابته الصدمة العنيفة عندما قرأ تلك الفتاوى لأصحابها، وتكون النتيجة، أن يلفظ الشباب يده عن هؤلاء ويدير ظهره للدين بأكمله، وذلك من أخطر ما يمكن».
وتطرق عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق، إلى فتوى جواز معاشرة الحيوانات قائلا: «هذا القول مكذوب ولم يرد فى أى كتاب من كتب الفقه، وكل ما جاء حول ذلك الموضوع فى كتب التراث تقول إن الفقهاء أجمعوا على حرمة إتيان البهائم، ولكنهم اختلفوا على عقوبة من يفعل ذلك الشىء».
وشدد الدكتور حامد أبو طالب على ضرورة تنقية وتنقيح كتب التراث قائلا: «كتب الفقه والتراث تحتاج إلى إعادة نظر لجعلها تتناسب مع وضع المجتمعات الآن، بما فى ذلك الكتب التى تُدرس فى الأزهر»، وتابع: «يجب أن نغير الأمثلة التى يشمئز منها الإنسان ونستبدلها بأخرى تتماشى مع طبيعة العصر الذى نعيشه، فمثلا يقول الفقهاء فى كتب التراث إن من اشترى جارية على أنها بكر فظهرت ثيبا فله أن يفسخ العقد، وهذا المثال يمكن استبداله بمثال يقول إن من اشترى سيارة على أنها جديدة فظهرت أنها قديمة فله أن يفسخ العقد، وهكذا قس على باقى الامثلة».
وفى سياق متصل، أعرب الدكتور ناجح إبراهيم، المفكر الإسلامي، عن استيائه من اهتمام وسائل التواصل الاجتماعى والمواقع بالفتاوى التى تصدر خطئا عن أصحابها، وقال: «معروف عن العالم الذى أصدر فتوى معاشرة الزوجة الميتة أن سياقاته دائما فى ذلك الاتجاه»، لافتا إلى وجود مشكلة كبيرة تضرب منظومة الفتوى فى مصر.وتابع «إبراهيم» فى تصريحاته قائلا: «كتب الأزهر بريئة من تلك الفتوى، ولا يجوز الزج بها فى أى مناسبة تخرج فيها فتوى شاذة ونقول انها من كتب الأزهر.. وهذا عالم أخطأ ولا يبنغى أن تدفع المؤسسة الدينية ثمن خطأه».
وأضاف المفكر الإسلامى أن كتب التراث جيدة ولكنها تناسب عصرها، ولذلك يتم تنقيحها وتنقيتها من وقت إلى آخر، لافتا إلى أن المشكلة فى الإنسان نفسه الذى يصدر فتوى خاطئة، ثم يلصقها بكتب التراث، مختتما: «التعميم مرفوض، وعلى الناس أن تنشغل بما هو أهم من الفتاوى الشاذة، مع العلم أن كل مجال فى مصر الآن يعانى من حالات شذوذ الآن وليس علماء الدين فقط».
ومن ناحيته طالب الشيخ محمد زكي، الأمين العام للجنة العليا للدعوة بالأزهر، والأمين العام السابق لمجمع البحوث الإسلامية، بضرورة وجود تنسيق بين الجهات المعنية بالخطاب سواء دينيًا أو دنيويًا، كوزارة الثقافة والأزهر الشريف،  بحيث لا يظهر على الشاشات الفضائية أو فى صفحات الجرائد والمجلات إلا أهل الدعوة المنوط بهم الدعوة، وتدعيم الرسالة من خلال المؤسسة المكلفة بذلك تحت مظلة الأزهر الشريف، والذى أكد «زكي» أنه يرفض ما جاء من فتاوى شاذة على لسان بعض الأساتذة الذين لا يمثلونه، واعتبرها مجرد «مهاترات» لإثارة الرأى العام.
فى حين رأى الدكتور حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ضرورة وضع حد لهذا العبث، على حد قوله، مشيرا إلى أن صدور الفتوى يجب أن يكون لخدمة أمور الحياة اليومية للإنسان المسلم، وللمجتمع بشكل عام، وكل ما يمس المصلحة العامة.
وأضاف الخولى فى تصريحاته لـ «روزاليوسف» أن ذلك الحديث الغريب الذى يصدر عن المنتسبين للأزهر لا يليق بالمشيخة ولا بالقائمين على شأن الفتوى فى مصر، لافتا إلى أن خطأ أحد العلماء فى إصدار فتوى ما يؤثر سلبا على صورة المؤسسات الدينية الإسلامية فى مصر لدى الجمهور، وربما يفقد الكثيرون ثقتهم بعد ذلك فى المشايخ والعلماء، وتابع قائلا: «تلك الفتاوى تخصم من رصيد الأزهر ودار الإفتاء وتهز الثقة به».
وأردف أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن ردود فعل الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعى تتفاوت عند استقبال تلك الفتاوى ما بين مجموعة تعتقد أن صدور تلك الفتاوى متعمد لإلهاء الناس عن قضايا مهمة، وآخرون يعتبرون الفتاوى الشاذة تقصيرا فى الأساس من الجهات الدينية فى مصر، وعلى رأسهم الأزهر الشريف الذى لا يضع ضابطا لخروج المنتسبين له للإدلاء بفتوى عبر وسائل الإعلام، وفريق ثالث يستقبل الأمر بالسخرية، ثم تابع موضحا: «تختلف ردود فعل كل شخص حسب مستواه الثقافي».
واختتم «الخولي» مؤكدا أن أصحاب تلك الفتاوى الشاذة يبحثون عن الشهرة بمبدأ «خالف تُعرف»، وفى نفس الوقت يتعاملون بمقتضى مقولة يستخدمها صناع الافلام الهابطة فى السينما وهى «الشباك عايز كده»، بمعنى أنهم يستغلون بحث الناس عن الأخبار المثيرة والشاذة لقراءتها، ويدلون بتصريحات غريبة وفتاوى أغرب، تصلح لعنوان صحفى «ساخن»، وهذا ما يبحث عنه الجمهور، قائلا: «هذه الطامة الكبرى وعلى وسائل الإعلام أن تتوخى الحذر تجاه هؤلاء».